ثقافة

أيها الساقي إليك المشتكى

تمّام علي بركات

ليس من السهل دائما على ما يبدو إقناع بعض القطاعات الحكومية التي تعنى بالشأن الفني والأدبي والفكري والثقافي، بخطأ ذاك الخيار مثلا، الذي حدث أنها قامت وتبنيته لأكثر من مرة متتالية، دون أن يكون له أية مفاعيل ولو تسلوية أقله، أو عدم الإفادة من هذا الخيار الذي وصار أمرا واقعا، ولو أنها لم تفعل لكان خير لها ولنا وللفن والأدب والفكر عموما!.
كان أخي الأكبر في سالف الأيام الماضية، يقوم في كل عيد، بجمع “عيدياتنا” لشراء ما يعود علينا بالفائدة، وهكذا حصلنا على أول “بسكليت” أذكر هذا التفصيل ونحن نشاهد بعض هذه المؤسسات، وكأنها تسير بقدم واحدة، المجتمع وحالته ليس بحسبانها، الناس، أوضاعهم وماذا يريدون، هذه الأسئلة هي خارج حسبان تظاهرة “أحدث إنتاجات السينما العالمية” الذي يقام في العاصمة منذ سنوات، دون أن يتم التفكير بنقله إلى محافظات أخرى كاللاذقية مثلا، وغيرها من الفعاليات والتظاهرات والمهرجانات لتي تقيمها المؤسسة العامة للسينما بمعنى أو دونه، فأين هي الصالة السينمائية التي ستعرض فيها أفلام سينمائية حديثة في مدينة اللاذقية مثلا؟ إذا قررت فعل ذلك؟ هل هو المسرح القومي المتهالك؟ أم تلك القاعة البائسة التي لا تصلح لحضور ولو شجار بين قطتين في لحظة سأم عاطفي؟ والغريب أن هذا التصحر الفني السينمائي يوجد في المدينة التي أسماها “الإسكندر” على اسم والدته وهو يعلن اندماج ثقافتي الشرق والغرب وفق ما تعلم على أيدي أساتذته من فلاسفة اليونان عن الحق والخير والجمال، فعل ذلك على مقربة من راميتا مدينة الأجداد ومرمى حجر من أوغاريت التي تثبت لأبناء اللاذقية أنهم علّموا البشرية الكتابة وأدخلوهم التاريخ، فالإنسان دخل التاريخ باختراع الكتابة، هذه المدينة مثلا، لا توجد فيها صالة عرض سينمائي واحدة! ليس البارحة أو لبضع ساعات من مساء اليوم فتوقف عرض الفيلم مؤقتاً، بل لسنوات خلت! أطفال يكبرون ويدخلون المدرسة دون أن يشاهدوا فيلماً في صالة، طلاب جامعيون يدخلون ويتخرجون دون أن يشاهدوا السينما في مكانها الطبيعي، مواسم أعياد تمرّ دون أن يكون للأسرة السورية أو الحموية أو الحلبية، أو غيرها من الأسر السورية التي لجأت من رمضاء الحرب إلى بحر الأمان عند أخوتهم في الوطن، فرصة الذهاب إلى  السينما لمتابعة أحدث الأفلام العالمية!.
الغريب أننا نرى لبعض هذه المؤسسات كيف تقوم خلال العام الواحد بالعديد من التظاهرات والفعاليات والمهرجانات التي لو جئتم إلى قياس منفعتها لا ضرورتها، لكانت “لا شيء” نعم إنها نقود مهدورة كيفما اتفق، رغم أن النية خلال العمل تكون وطنية مئة في المئة، هذا لا شك لدينا فيه، ولكن النتائج ليست هكذا، من المعلوم لدينا طبعا أن بعض هذه المؤسسات تحاول أن تحافظ على الحياة ذات الطابع العملي المستمر فيها، وهذا حق، ولكن لماذا لا يكون هذا الإصرار على الاستمرار، مرتبطا بإنجاز حقيقي، يعود بالفائدة الحقيقية، لا أن يوضع ما تم الإنفاق عليه، في أرشيف جدول المصروفات وانتهى الأمر، وفي نهاية العام، نقدم براءة ذمتنا من كوننا أنفقنا الميزانية التي خصصتها لنا الحكومة وهذه وثائقنا انظروا: كم تظاهرة هنا، على كم مهرجان هناك، كله في مكانه! وهنا نعود لما كان يفعله أخي الأكبر في العيد، فعوض هذا الشتات والإنفاق هنا وهناك، نستطيع أن نبني دار عرض سينمائية لائقة بالناس وبصمودهم وعظمة ما فعلوه! هذا اقتراح واحد مثلا، من اقتراحات كثيرة، ولكن من سيجيب؟ فيا أيها الساقي إليك المشتكى.