ثقافة

سـميح القاسم.. الشاعر العروبي المقاوم الذي استلهم حداثته من أصالته

في محاولة للاقتراب من شخصية الشاعر العربي الفلسطيني سميح القاسم، والتقاط قداسة الشعر من غارها الذي أوحى الله لسميح أن كن شاعراً فكان، برر الأديب فرحان الخطيب لنفسه الدخول إلى رحاب عالم سميح القاسم الشامخ عبر محاضرة أقامها المركز الثقافي العربي في بلدة عرى.
تحدث الخطيب عن نشأة القاسم وولادته في مدينة الزرقاء بالأردن عام 1939 لوالدين عربيين حيث كان والده برتبة كابتن في الجيش الأردني، وكانت الأسرة مؤلفة من الأب والأم وستة إخوة وست أخوات وسميح واحد منهم.
أما عن أصله فيقول: إن المنشأ الروحي للعائلة يعود إلى الفاطميين من دوحة المسلمين الموحدين المعروفين، وأفراد عائلته موزعين بين سورية ولبنان والأردن، وقد وجد والده مدفوناً في سورية والقاسم فلسطيني الهوية وطابع أسرته قومي
ردد سميح في طفولته مع زملائه نشيد بلاد العرب أوطاني ونشيد ياظلام السجن خيم وكان يسمع بأسماء يهودية (موشي دايان) و(بن غوريون) وفهم لاحقا أن اليهود سيحتلون فلسطين والعرب سيدافعون عنها، ولهذا نشأت فيه بذرة ثورية منذ الصغر وساهمت هذه البذرة في تكوينه النفسي والموضوعي مستقبلا، حيث يتذكر في عام 1948 أن والده عاد ليحمل بندقيته الانكليزية ومسدسه ليقود مجموعة متطوعين لقتال اليهود، حيث لحق بوالده فطلب منه العودة إلى البيت.
وبين الخطيب إن احتلال فلسطين من قبل الكيان الصهيوني منح القاسم صفة الشاعر المقاوم بامتياز، إذ قاوم وكشف زيف المحتل وعاش عمره مدافعاً عن موقفه المشرف هذا، ولم يهادن ولم يرضخ ولم يلبس لبوسا آخر غير عباءة شاعر المقاومة فتكلم بكل ما كتب من شعر ونثر عن فلسطين الرمز، وكل ماعدا ذلك كان تابعاً أو ملحقاً يقول القاسم: إن المقاومة أسلوب حياة وليس موضة نكتب عنها الشعر، مادام هناك احتلال هناك مقاومة وشعر يكتب في المقاومة، أنا لم أقرر أن أكون شاعر المقاومة، أبعدوا عنا الاحتلال ولن أكون شاعر مقاومة، وللتدليل على القضية الفلسطينية في شعر القاسم استشهد الخطيب بمجموعة صور ومنها صورة الاحتلال يقول القاسم في قصيدته “الناقصة”:
وكان ذات يوم.. أشأم مايمكن أن يكون ذات يوم.
شرذمة من الضلال.. تسربت تحت خباء الليل
إلى عشاش دوحها في ملتقى الدروب
وفي صورة اللاجئين يقول القاسم: ذات يوم..كان في غزة جد وحنين..وفلول من ناس طيبين.. ذات يوم كان في القدس صغار ينشدون..راجعون..راجعون..راجعون.
ويرى القاسم مانراه الآن بكل وضوح في واقعنا العربي الممزق وهو واقع مترد لا ينقذ القضية من وحي الهزيمة، ولازال ينشد العرب على ربابتهم القديمة ولايودون تغيير الحال بأفضل منها.يقول القاسم:
غنيت مرتجلا على هذه الربابة ألف عام.. منذ أسرجت فرسي قريش..وقال قائدنا الهمام.. يا أيها العرب الكرام اليوم يومكم وصاح إلى الأمام إلى الأمام.
وفي الحديث عن صورة المقاوم المقاتل لايشك القاسم ولو للحظة واحدة بأن المقاومة هي الطريق إلى الحرية ولا تستعاد الأرض إلا بالنضال والكفاح ومهما مر ويمر على الشعوب من محن لابد وأنها منتصرة، يقينه بذلك كبير ومن خلال شعره نرى إصراره وعناده وتمترسه خلف فكرة التفاؤل بالنصر عن طريق المقاومة يقول: “ضربة البرق التي تنقض في عرض الطريق.. تغمر العابر بالضوء ولو كان الحريق”.
ورغم أنه يحترم خصوصية الرامة والجليل وفلسطين إلا أنه كان يعتز بهويته العربية ومنبته العروبي أيما اعتزاز يقول:
“مثلما تغرس في الصحراء نخلة مثلما تطبع أمي في جبيني الجهم قبلة.. مثلما يلقي أبي عني العباءة ويهجي لأخي درس القراءة، مثلما يبسم في ود غريب لغريب..مثلما يرجع عصفور إلى العش الحبيب.. هكذا تنبض في قلبي العروبة”
وعندما سئل عن بقائه في فلسطين أجاب القاسم: “ليس من حق أحد أن يجردني من بيتي وسنديانتي ومقبرة أجدادي ووردتي.. ليس من حق أي قوة في العالم أن تفعل ذلك، وهنا تبرز صورة الوطن فلسطين عنده بوضوح وقد عرضت عليه الأموال والمناصب ليخرج من الوطن فلم يفعل يقول القاسم:
وأنا قطعة أرض سكة..همة فلاح.. رحيل في التراب…فإذا بيارة تطلع من لحمي.. أطفال وخبز وكتاب.
ولشدة ارتباطه بالأرض فقد غنى القاسم للدم الذي يراق من أجلها، غنى للشهيد البطل:
خلوا الشـــهيد مكفنا بثيابه          خلوه بالسفح الخبير بمابه
لاتدفنوه.. وفي شفاه جراحه         تدوي وصية حبه وعذابه
والمرأة عند القاسم كمعادلة الأوكسجين والهيدروجين في الوجود فهذان يشكلان قطرة الماء، والرجل والمرأة يشكلان الحياة ولكن سميح لم يتوغل في رومانسيته حسب رأيه، وتعامل مع المرأة ككائن لا كحلم وتعاطى معها من حيث هي إنسانة لا من حيث القومية يقول:
لمن أعطيك ياحبي لمن أعطيك        وياشعر الهوى قل لي لم أهديك
لمن والأرض قاسية بلا قلب           لمن والشوك أكداس على دربي
وبين الخطيب أن القاسم كان يكتب الشعر بأشكاله الثلاثة العامودي والتفعيلة والنثر، ولكنه في كل هذا كان يكتب بلسان عربي مبين أي لم يتغرب في لغته ولم يحد عن أصالته وبقي مخلصا للقصيدة العربية، وقد فرق بين الحداثة والاستحداث بقوله “إن الاستحداث مأخوذ عن الغرب، كـأن نستورد طائرة مثلا ونسافر فيها هذا ليس حداثة، الحداثة هي أن نشارك في صنعها ولو جزئيا.
ويتابع الخطيب حديثه عن الجوائز التي نالها القاسم وهي كثيرة أما عن أعظم جائزة حصل عليها فيروي القاسم “إن أعظم جائزة حصلت عليها من شاب سوري في بلودان بدمشق بعد الغداء ناولني فنجان القهوة المرة، وبعد أن شربت قام بكسر الفنجان وكان بجانبي محافظ ريف دمشق فقال لي يابختك إن هذا العمل يعني انه حرام أن يشرب بهذا الفنجان رجل من بعدك وهنا اعتبرت أنني حصلت على أعظم جائزة.
أما عن إصداراته فقد أصدر مجموعة شعرية بعنوان “مواكب الشمس”في الثامنة عشره من عمره ولم يصل الثلاثين حتى كان لديه ست مجموعات شعرية فهو شاعر غزير وعمل جل حياته في الأدب، ترأس عدة دوريات وشارك في تحرير دوريات أخرى فلسطينية وعربية، ووصلت مؤلفاته إلى أكثر من ثمانين في الشعر والرواية والقصة والمسرح والترجمة والدراسة وقد لقب بألقاب كثيرة لعل أهمها قيثارة فلسطين وشاعر المقاومة العربية. توفي في 19/8/2014 وكان قد صمم قبره بيده في سفح الجبل المطل على الجليل.

رفعت الديك