ثقافة

 حسان نشواتي يستحضر صورة شعرية تشكيلية لحيّ القيمرية

احتفاء باليوم العالمي للتراث وبترشيح دمشق مدينة مبدعة في الحرف التقليدية والفنون الشعبية، أقامت وزارة الثقافة –مديرية التراث الشعبي- أيام مهرجان التراث السوري الرابع الذي استمر خمسة أيام، حفل خلالها بمعارض منوّعة في خان أسعد باشا ترافقت مع ندوات نوعية تخصصية في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- وحظيت ندوة الأحياء الدمشقية –القيمرية أنموذجاً بحضور معاون وزير الثقافة م. علي المبيض باهتمام واضح، وقد عدّ الباحث م. حسان نشواتي حضوره بمثابة تكريم له، كما لاقت متابعة لاسيما أنها تتعلق بالبيت الدمشقي الكبير الماثل بذاكرة كل فرد، والذي يمثل أحد مكوّنات حي القيمرية والأحياء الدمشقية عامةً.

كانت الندوة نواة للمطالبة بسلسلة ندوات قادمة تتعلق بالأحياء الدمشقية، والوصف السردي الارتجالي الذي قدمه الباحث نشواتي طال أرجاء حيّ القيمرية وتوقف مطوّلاً عند أجزاء من البيت الدمشقي مستحضراً ذاكرته في الحيّ الذي وُلد ونشأ فيه، فكان وصفه له أشبه بقصيدة شعر أو قراءة لوحة تشكيلية استلهمها الفنان من وحي ذاك البيت.

تضمنت الندوة العديد من المداخلات تطرق بعضها إلى سبب عدم ذكر المنازل الصغيرة التي هي -كما ذكر الباحث- منزل كبير تمّ تقسيمه إلى عدة منازل، وإلى مطالبة وزارة الثقافة بإدراج الساعات المائية الخشبية التي تميّز حيّ القيمرية بوجودها في المتاحف، وإلى تخصيص ندوة خاصة عن أجزاء البيت الدمشقي.

عاشق دمشق

استهل نشواتي حديثه عن المؤرخين الذين وصفوا التراث الدمشقي مثل ابن عساكر ونعمان قساطلي وابن طولون، ليدخل بتفاصيل حيّ القيمرية الذي يعد جزءاً من الأحياء الدمشقية مثل القنوات وسوق ساروجة والشاغور، ولهذا الحيّ -كما ذكر- حكاية تعرف عن الزمان أكثر مما يعرف عن نفسه، من الباب الشرقي لحرم الجامع الأموي إلى قصر الخضراء إلى الساحة الذهبية التي فيها حمام درب العجم والنافورة والمقهى ضمن تكوين معماري رائع من المعبد الذي كان مكان الجامع الأموي، الدرب البيزنطي، البوابة الحجرية بوابة جيرون، وما بين الحرم الأول والحرم الثاني للجامع الأموي نرى درب الأعمدة الرومانية إلى الساحة العامة –الكورة، ليتعمق بتفاصيل الحارات والأزقة التي تضيق وتتسع تعلوها النوافذ التي سُميت بمشربيات، إلى الأبواب الخشبية ذات المسامير السوداء والأقواس المنحنية.

وتطرق الباحث إلى سبب تسمية الحي بالقيمرية وفق ما ورد بكتب التراث نسبة إلى الشيخ قيمر، وأضاف معلومة حصل عليها من قبل أحد رجال الدين المسيحيين نسبة إلى كنيسة آيا قيمريا، ليخلص إلى أن هذا الحيّ يمثل ثلاثة أرباع دمشق القديمة، وأن حي القيمرية وحي القصاع وباب توما وحي اليهود تمثل حيّاً واحداً وعائلة واحدة.

عمارة وموسيقا

وشغل الفيلم التوثيقي حيزاً من الندوة وقد تفاعل الحاضرون مع الصورة البصرية المرتبطة بنغمات الموسيقا الشرقية، والتي وثّقت حدود حيّ القيمرية والمحاور التي تطرق إليها الباحث، من حيث التراث المعماري العريق لحي القيمرية وأوابدها التي تعبّر عن تاريخ وحضارة عريقة، من مقهى النوفرة والباب الشرقي للجامع الأموي إلى كل أجزائها وتضمن الفيلم شهادة توثيقية للباحث حسان نشواتي.

التراث قاعدة مشتركة

وعلى هامش الندوة سألتُ الأستاذ علي المبيض معاون وزير الثقافة عن أهمية مهرجان أيام التراث السوري فقال: إن إحياء التراث السوري وتعزيزه وتكريسه يعدّ أحد واجبات ومهام وزارة الثقافة، وهذا تقليد سنوي متبع لإقامة مهرجان خاص نهدف من خلاله إلى نشر عناصر التراث الثقافي السوري الذي نعتزّ به، ويشكّل حلقة هامة جداً من سلسلة التراث العالمي الإنساني وفق ترتيب اليونسكو، وأهمية المهرجان تأتي في الفترة التي خرج فيها الوطن من أزمة عاصفة حاولت تدمير كل شيء جميل في بلدنا، فهو يشكّل قاعدة مشتركة لكل السوريين على اختلاف أطيافهم وانتماءاتهم بالعديد من الروابط المشتركة، لذلك على كل واحد منّا من موقعه أن يدافع عن هويته ويؤكد عليها ويزيد من إصراره على التمسك بها خاصة كما ذكرنا، هناك الكثير من أعداء سورية حاولوا في الفترة القريبة الماضية أن يشوّهوا هذه الهوية أو يدخلوا بعض الصفات الدخيلة على طباع شعبنا الأصيل الذي يتجاوز تاريخه عشرة آلاف سنة.

توظيف التراث اقتصادياً

وأضافت مديرة مديرية التراث الشعبي أحلام الترك: بأن الهدف من المهرجان بيان قيمة التراث وضرورة إنعاشه وتوظيفه وتطويره اقتصادياً، ونحن نؤكد على كل مفردات التراث وخاصة الحرفة التي حققت حضوراً بارزاً في مجتمعنا، وعلقت على أهمية الحرف التقليدية التي تتميز بمساحة كبيرة من الإبداع إلى جانب تقني بسيط، مثل الزجاج المعشق والأغباني والموزاييك والقيشاني وغيرها، أما الجديد في المهرجان لهذا العام وجمع بين الندوات والمعارض في خان أسعد باشا- فهو إدخال الوردة الشامية لأول مرة إذ تطرقنا إلى منتجاتها بمعرض خاص، وبصورة عامة يؤصل المهرجان للتراث الشعبي من خلال تسليط الضوء على واقع التراث والحرفة والأغنية الشعبية، لننمي الوعي الجماهيري نحوه، ونربط الجيل الشاب بتراثه.

وأشادت بالمعارض المقامة في خان أسعد باشا، ومنها معرض للخط العربي، ومعرض فنّ تشكيلي يستلهم مفردات التراث الدمشقي من حيث الطراز المعماري والعادات والتقاليد، ومعرض من أرشيف مديرية التراث الشعبي بالأزياء السورية القديمة المصوّرة المرتبطة بتراث كل المحافظات لعام 1960، ونوّهت إلى الإقبال الجماهيري على المعارض ويعود ذلك إلى تلاحم فضاء المكان التراثي مع الفضاء الشعبي، لاسيما في أحد الأيام التي خُصصت للعراضة الشامية ورقصة السيف والترس، والمولوية، وهذه مفردات من ذاكرة دمشق المرتبطة بذاكرة كل إنسان، والمعرض الأشمل كان للحِرَف.

تكريم قامات

وعلى هامش المهرجان أيضاً تمّ تكريم المهندس المعماري عدنان المفتي، والباحث منير كيال الذي اشتُهر بمؤلفاته عن دمشق، والفنانة التشكيلية التي ارتقت بحرفة الخزف إيميلي فرح، والحرفي عرفات أوطه باشي وهو سليل عائلة تشتغل بالرسم النباتي على العجمي، والحرفي بسام صيداوي بصناعة الجلديات، والفنان التشكيلي خلدون شيشكلي مؤلف موسوعة عن الحرف الدمشقية دمج فيها بين الصور ومقولات عن الحرفة بتقنية الحفر، ووصفت عمله بأنه جهد مؤسسة اختُصر بشخص واحد.

الوردة عطراً وشراباً

وعن مشاركته بمعرض منتجات الوردة الشامية التي هي عنصر من عناصر التراث مثل السيف والترس، تحدث نبيل حداد عن تصنيع عطر وشراب الوردة الشامية من خلال المشروعات الأسرية التي نحن أحوج ما نكون إليها لتعمم هذه التجربة لتحقيق دخل اقتصادي وطني ذاتي.

ملده شويكاني