ثقافة

العربيّة.. رسميّاً!

كنت في الطريق إلى محاضرة عن اللغة العربيّة، يقدّمها عضو في لجنة تمكين اللغة العربيّة، بمناسبة اليوم العالميّ للغة العربيّة.. (يوم اللغة العربيّة 18 كانون الثاني، واليوم العالمي للغة الأمّ 21 شباط)، وكانت المحطّة الإذاعيّة الرسميّة “صوت الشباب”، تعلن عن برنامج للمسابقات، تقدّمه الإذاعة. لكنّ الإعلان الذي تكرّر مرّات في مشوارَي الذهاب والعودة، يلفظها “مسابآت”!.
وفي يوم غير بعيد عن ذلك، وفي المحطّة ذاتها، قُدّمت فقرة ثقافيّة، تعرّف بكتاب مترجم حديثاً من الألمانيّة إلى العربيّة، وقد تمّ العرض بالعامّيّة!.
الأمر إذاً يتجاوز الخطأ غير المقصود!.
فإذا كانت هذه هي الحال في محطّة إذاعيّة رسميّة موجّهة إلى الشباب، (ولا تغيب عن بالنا البرامج والحوارات في القنوات المتعدّدة، واللغة التي تستعمل!)؛  فمن الذي يحتفي بيوم اللغة العربيّة، ويوم اللغة الأمّ؟! ولمن يتوجّه المحتفون؟! أإلى بضعة متقاعدين (ونحن منهم)، حضروا المحاضرة، وقد اعتادوا على ذلك؛ كما اعتادت قاعة المركز (وليس المدرّج؛ لقلّة العدد) على حضورهم؟! ولماذا تكون لجان تمكين اللغة العربيّة؟! وكان يرأس لجنة فرعيّة فيها، بحكم وظيفته الإداريّة، من لا يجيد التحدّث بها إلى درجة مخجلة؛ حيث همس عضو مُجلِّ في هذه اللجنة؛ (وهو المحاضر ذاته في اليوم المذكور أعلاه)، وكنّا في مناسبة أخرى حاشدة، وبسخرية مُرّة؛ ونحن نستمع إلى هذا المسؤول الفذّ، يتعثّر في اللفظ، والتشكيل: هذا رئيس لجنتنا لتمكين اللغة العربيّة!.
ولن أتساءل هنا عن جدوى هذه اللجان وإنجازاتها؛ فقد لا أكون على اطّلاع كاف؛ وأتحمّل بعض مسؤوليّة في ذلك؛ بالرغم من أنّني متابع في شؤون الثقافة والأدب والإعلام؛ لكنّ الجزء الأساس من المسؤوليّة، يقع على اللجنة نفسها؛ من خلال شحّ الإعلام عن نشاطاتها وأعمالها، ونتائجها في الواقع- إن وجدت-.
وفي الإطار عينه؛ فيما لا نزال نتحدّث عن المؤسّسات الرسميّة واللغة العربيّة؛ فهل أتحمّل، أو نتحمّل، نحن جمهور الأدب والثقافة؛ ناهيك عن الآخرين، مسؤوليّة جهلنا بما يقوم به مجمَع اللغة العربيّة منذ سنوات عديدة؟! وقد سبق أن طرحتُ هذه المسألة مع أحد أعضائه في دمشق، من دون جدوى؛ فهل يتمّ الإعلان عن أهدافه، وبرنامجه، واجتماعاته وخلاصاتها، ونشاطاته، والكلمات الأجنبيّة، التي تمّ إيجاد بديل عربيّ عنها، أو المصطلحات المستجدّة، التي تمّ تعريبها؟! أو شُرِّعَ استعمالها بأصلها؟! وما هي الكلمات، التي تجري في السياق اللغويّ مخالِفة للصياغة الصحيحة، وقد أجاز المجمع ذلك؛ للتسهيل وكثرة الاستعمال..؟!
أوَ ليس من المفترض أن يُعمّم ذلك على المؤسّسات الثقافيّة والإعلاميّة، وعلى جميع المؤسّسات العامّة والخاصّة، وأن يتمّ بثّها في وسائل الإعلام؛ فيكون المهتمّون وسواهم على دراية بذلك (الإنجاز)، بدل أن يبقى التعامل معها مشوّشاً؛ فتصحّح هنا، وتبقى على حالها هناك؟!.
إنّ الاهتمام باللغة العربيّة/اللغة الأمّ، ليس ترفاً، وإتقانها ليس فرض كفاية على المشتغلين بها؛ فما أكثر النصوص الركيكة، التي تقرؤها في أعمال لجان، وتقارير، وقرارات.. ولن نكرّر هنا ما يقال دائماً؛ وهو صحيح، عن أهمّيّة اللغة جامعةً للناس، معبّرة عن أفكارهم، وهمومهم، ومواقفهم، وعواطفهم.. وما أصعب أن يقول لك عديدون: اكتب بلغة نفهمها، مع أنّك لا تورد مصطلحات أجنبيّة، ولا تستعمل مفردات غابرة، أو تصوغ بلغة مقعّرة!.
ولا أصعب على المرء من أن يقف عاجزاً عن التعبير عن مكنوناته، بلغة سليمة، فتتصدّع الأفكار، وتتقزّم المواقف، وتتصاغر القامات؛ بالرغم من الشهادات والمهمّات والمواقع؛ نتيجة الأسلوب، الذي يقدّم به صاحبه خطابه، أو مقولاته، بلغة مكسّرة، أو رديئة.
أليس هذا صعباً عليه أيضاً؟! ويبدو ذلك على ملامحه، وتعابيره مهما حاول التماسك والتوازن؛ أليس طبيعيّاً أن يكون في كلّ دائرة أو مؤسّسة مدقّق لغويّ، يصحّح الصياغات، ويضبط الكلمات، التي قد تجري بالمعنى خارج ما هو مطلوب؟!
والأمر لا يتوقّف على الأدباء والمثقّفين، الذين قد لا يحسن بعضهم اللفظ الصحيح، ولا على المختصّين اللغويّين، ولا على مناسبة اللغة الأمّ/ اللغة العربيّة..
الأمر يتعلّق بكلّ كائن، يطمح إلى أن يكون له كيان مُقْنِعٌ مؤثّر شكلاً ومضموناً، من خلال قول حَسَنٍ وصحيح ومعبّر وذي جدوى.

غسّان كامل ونّوس