ثقافة

“شآم الياسمين”.. ريم الأطرش تطل على عوالم تاريخنا ومستقبلنا

لا تقف د. ريم الأطرش على عتبة الحب والوطن فقط، بل تطرق الباب وتغوص في أعماق التفاصيل والحقيقة، متناولة آلام الوطن في أحاديث عن الحب، فتنسج لنا بحروفها الرقيقة روايتها الجديدة “شآم الياسمين” ضمن قالب تاريخي توثيقي مشوق  يسلط الضوء على واقعنا المعاصر، فنرى الياسمين تارة، وتتراءى لنا الشام تارة أخرى، حيث تنقلنا الأطرش إلى حكاية تروى عبر الأزمان، وتصلح لتكون عبرة للجميع، وفي الأمس تم في ثقافي أبو رمانة توقيع الرواية التي صدرت عن دار تساؤلات للنشر والطباعة والتوزيع.

حرير الروح
وفي تصريح خاص لـ “البعث” أوضحت الأطرش أن راوية (شآم الياسمين) تحمل عنواناً فرعياً هو آلام الوطن في أحاديث عن الحب وهي جزء ثانٍ لروايتها (حرير الروح شآم) والتي بثتها إذاعة (شام أف أم) في رمضان الماضي على شكل تمثيلية إذاعية، وتقوم الآن بإعادة بثها معتبرة أن هذا ساعد في انتشار ونجاح الرواية ووصولها إلى الجمهور، وهي عبارة عن يوميات لسيدة دمشقية اسمها شآم بدأت بكتابة يومياتها في عام 1920 وتوقفت عام  1925، لكنها عندما بدأت بكتابة تلك اليوميات كان عمرها 60 عاماً، فهي من مواليد 1860 وقد حدثتها والدتها عن مذبحة ذاك العام والتي قيل عنها أنها نتيجة فتنة طائفية، لكن الحقيقة أنها محاولة للسيطرة على سوق الحرير السوري، لأنه كان عماد الاقتصاد السوري حينها، وتضيف الأطرش: لقد أخذت الفكرة وربطتها بما يحدث الآن وهنا في سورية.

شآم
وتلفت حفيدة سلطان باشا الأطرش في حديثها إلى أن راويتها الجديدة هي “عبارة عن حوار بيني وبين حفيدة شآم والتي أدعوها هنا (شآم الصغيرة) وأتكلم فيها عما يجري في  عام 2015 منبهة إلى أن ما يحدث في سورية يشابه ما حدث  أثناء الضربة التي وجهت للقضاء على الحرير سابقاً باعتباره عماد الاقتصاد، وأما الآن فإن عماد الاقتصاد هو النفط والغاز والقوى الكبرى تتصارع عليه على أرضنا، ونحن من يدفع الثمن”، وأكدت: “على الرغم من اعتبار بعض الناس للكتاب في هذا الزمن رفاهية إلا أنني قدمت روايتي بسعر رمزي، والرواية تبقى للتاريخ والأدب يكتب ما يفكر به الناس ويضيء على أمور حصلت حقاً، لكن السياسيين لم ينتبهوا له، فأنا أعتقد أن الأدب يجرؤ أن يقول ما يتجاهله غيره، وأنا على الدوام أتطرق للأشياء المستورة”. وقرأت الأطرش خلال الحفل بعض فقرات من روايتها بطريقة ساحرة وهادئة تجذبك إلى سماع المزيد والمزيد.

الشام الملهمة
من جانبه أشار الباحث موسى الخوري صاحب دار تساؤلات إلى أن د. ريم  استطاعت من خلال روايتها (شآم الياسمين) أن تربط مابين التاريخ القريب نسبياً منذ بداية القرن العشرين عندما كانت سورية تشهد ازدهاراً اقتصادياً، وتعد بنهضة مهمة جداً، فحصلت هجمة على سورية من خلال أحداث مفتعلة طائفية أدت إلى ضرب صناعة الحرير وتراجع الاقتصاد مع التاريخ المعاصر في القرن الواحد العشرين، حيث تتكالب المصالح لتحقيق أطماعها في هذه المنطقة ذات الأهمية الكبيرة، مبيناً أنها أرادت أن تقول من خلال روايتها، أنه علينا الاستفادة والاتعاظ من تجارب الماضي وعلى أبناء سورية التلاحم والتفكير بشكل منفتح لنبني وحدة وطنية قادرة على الصمود، ثم يلفت إلى أن الكاتبة التقت في أحد الأيام بشآم الصغيرة قريبة شآم الكبيرة آتية من دير القمر متسائلاً هل هذه حكاية؟ أم تزامنات تحكي حياة الكاتبة نفسها أم حياتنا كلنا؟ حيث جاءت شآم الصغيرة لتروي لنا حكاية جديدة فكانت راوية (شآم الياسمين) ولتبقى الشام ملهمة الحكاية وملهمة الإنسان السوري والقادرة على صهرنا في بوتقة وطن واحد.
ويرى الخوري أن الأطرش رصدت إشارات لطيفة ورأت خطوط لوحة واسعة فيها قصتنا جميعاً، وتكمن وراءها أسطورة دمشق العابقة بالخلود، ورسخت قصة الحب الأسطورية، وذكرتنا بأن إنسانيتنا تكمن في العطاء كما أنها تركت ظلالاً مفتوحة على عالم مجهول تطل خيوطها على عوالم تاريخنا ومستقبلنا، موضحاً أنه على الروايات والدراسات التركيز والإضاءة على الجوانب التاريخية المقفلة في التاريخ المعاصر، والتي لا نعيرها أهمية ولا نعرف تأثيرها المباشر على واقعنا اليومي، فمن الضروري أن ينتبه الكتاب والمثقفون لأهمية تناول التاريخ وكيفية طرح القضايا على ضوء الوقائع المعاصرة.
لوردا فوزي