ثقافة

علا هلال: لا حدود لطموح الفنان المسكون بهاجس خلوده الفني

من يرى رهافتها لا يخطر في باله أن تلك السيدة التي تبدو دائما وكأنها على موعد مع الفرح، تعمل بإزميل النحت والمطرقة، حيث توظف خبرتها في البازلت والحجر والخشب، خالقة بأسلوبها الفني روحا خاصة فيها، الفنانة التشكيلية علا هلال، التي ربت أمها ذائقتها الفنية بداية، تعود لينابيع طرطوسها الحبيبة، وتحكي لنا عن علاقتها مع هذا الفن، تاركة لطفولتها أن تخربش أيضا على ورق الكلام.

< دعينا نبدأ أولا مع علاقتك الشخصية مع هذا الفن، من اختار الآخر كيف اخترته أو كيف اختارك؟.

<< أنا من بيئة جبلية ساحلية تضج بالجمال، غنية بالمشاهد الساحرة، التي لا بد أن ينعكس جمالها البكر، بالروح والنفس البشرية، الشأن الذي جعل أغلب أفراد عائلتي مهتمين بالفن، صحيح لم يأخذوه كمهنة، لكن أثره واضح وملموس في تفاصيل حياتهم، خصوصا والدتي التي تمتلك حسا فنيا راقيا ومتميزا، وهي من ربتنا على متعة الجمال البصري، حيث كان بيتنا مزدانا بكل ما تراه جميلا، لذا كان البيت الذي تربيت بين ألفة “حيطانه”، فيه ذوق فني يتبدل حسب مزاج والدتي الفني أيضا، الأمر الذي نمّى الحس والتذوق الفني لدي وأخذني باللاوعي لعوالم الفن ومكنوناته منذ طفولتي، حيث داعبت تلك الأعمال الفنية وألوان الطبيعة ذاتها، مخيلتي، وصارت شغفي فيما بعد.

< وماذا عن دراستك الأكاديمية للنحت متى بدأت؟ متى تخرجت؟ ومن هم الأساتذة الذين تركوا أثرهم (الحاسم) في خيارك كفنانة تشكيلية؟

<< بدأت أمارس الفن بالنشاطات المدرسية، وذلك بمشاركتي الدائمة في مسابقات الرواد في مجال الرسم والنحت، وكان لي نصيب التميز أكثر من مرة، الأمر الذي زاد شغفي بالاستمرار في مسيرة الفن وأصبح هاجسي كبير، فدعمته بدراستي في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق سنة 2002 والتي تخرجت منها باختصاص نحت سنة 2006، ودرست ماجستير تمهيدي سنة أولى لكن لم أكمل رسالة الماجستير بسبب ظروف خاصة.

قبل دخولي كلية الفنون الجميلة كنت أواصل الرسم تحت إشراف الفنان المبدع الأستاذ غسان نعناع، كان المشجع الأول لدخولي الأكاديمية، وبعدها تعلمت أصول النحت على يد أهم أساتذة النحت منهم الدكاترة: إحسان العر- سمير رحمة- محمود شاهين تعلمت منهم كل ما هو مهم في هذا الفن، وأيضا من خلال تعاملهم وتفاعلهم معنا كطلاب تعلمت حب العمل والعطاء والإصرار على استمرار الخوض في الفن.

< ما هي المعارض التي شاركت فيها، وكيف تنظرين إلى واقع الفن التشكيلي والنحت بشكل خاص لدينا؟

<< شاركت بمعارض جماعية وملتقيات عديدة داخل سورية فقط، على أمل المشاركة خارج سورية من خلال وجودي في هذا المجال، من جهتي أرى أن واقع الفن التشكيلي لدينا عاد للانتعاش والحركة، فطبيعة الفنان المفعمة بالحس المرهف، جعلته في هذه الحرب أكثر نشاطا وأكثر رغبة وإصراراً على تقديم تجربته التشكيلية ليوصل رسالته للعالم، وليثبت أن الحياة يجب أن تستمر بنشر المحبة والفن من خلال إقامة معارض عامة و خاصة أو مشتركة، وأيضا من خلال الملتقيات التشكيلية في الهواء الطلق، خارج جدران المشغل، تلك الملتقيات هي المُروج الأكبر لفن النحت، وذلك بتفاعل الناس مع الفنانين أثناء العمل، وتعرفهم على النحت وتحسين الذائقة البصرية لعين المشاهد، ومؤخرا عادت هذه الحركة بعد فترة من الجمود بسبب ظروف البلد، عادت بدعمٍ من وزارتي السياحة والثقافة.

< تعملين كمدرسة للفنون التشكيلية، إلى أي حد ترين طبيعة هذا العمل تتواءم والطبيعة المجنونة أحيانا أو النرجسية لأهل الفن بشكل عام باعتباره حسب علماء النفس لوثة وهاجس؟

<< من المهم والممتع العمل في المجال الذي تحبه، فالتدريس لمادة النحت يزودني يوميا بطاقة إيجابية، بالتفاعل مع طلاب لديهم الرغبة في التعلم والإبداع، وهنا يأتي دورنا كمدرسين وهو تعليم أساسيات ومبادئ الفن، ليقف الطالب على أرضية صلبة من الثقافة الفنية، ويبقى جنون الفن خاصاً بالفنان وخارج نطاق التدريس.

< ما هو طموح علا هلال وماذا حققت من الحلم؟

<< لا حدود لطموح الفنان المسكون بهاجس أن يكون خالدا بأعماله، طموحي غير محدود الزمان والمكان، وغير مغلق التجربة، فأنا في عملية بحث مستمر لتقديم كل ماهو راق وفيه مواصفات فنية عالية، ليترك عملي بصمة في عالم الفن التشكيلي السوري الغني بحضارته وحاضره وبأسماء الفنانين التشكيليين السوريين الذين طافت شهرتهم العالم..

< كيف تقيمين واقع التجربة التشكيلية الفنية “المشاريع المشتركة” في النحت مثلا في محافظات غير العاصمة، ولماذا لا يتم التركيز حسب قناعاتك على فناني المحافظات الأخرى؟

<< في السابق كانت العاصمة دمشق الحاضن الأكبر لنتاج الفن التشكيلي السوري من ملتقيات ومعارض، ربما لوجود مراكز ثقافية للدول العربية والأجنبية، هذا سابقا، ولإقامة ملتقيات تضم فنانين من جميع الدول، ولكني أرى حاليا أن الحركة التشكيلة أخذت تنتشر في كافة المحافظات السورية، وأصبحت النشاطات التشكيلية فعالة وحركتها لابأس بها، وهنا في المرتبة الأولى على الفنان التشكيلي الاجتهاد المستمر في الإنتاج والعمل، ومن ثم تقع المسؤولية على عاتق المؤسسات الداعمة للفن، لما تقدمه من نشاطات وفعاليات في مختلف المحافظات، ففي الآونة الأخيرة أقيمت معارض وملتقيات ضمت فنانين تشكيليين من كافة المحافظات، وكان أن خلقت روحا عالية وراقية في الحوار والتفاعل المحترم بين الفنانين أنفسهم، وبين الفنانين والمجتمع، هكذا ننهض بالحركة التشكيلية ونرتقي بها لمستواها الحقيقي في مجتمعنا وخارجه أيضا.

< برأيك ماذا ينقص الفنان التشكيلي السوري ليكون فنانا عالميا باستمرار؟

<< الفنان التشكيلي السوري، ليس قادما من حضارة قصيرة الأجل، إنه سليل 7000 عام من الأصالة والحضارة التي تجعله مكتملاً موهبة وفكرا واجتهادا، لكن ينقصه دعماً مؤسساتياً حكومياً، أو خاصاً، ليطرح تجربته الفنية أولا محليا ومن ثم عالميا.

< هل تتدخل الثقافة الشخصية للفنان بنتاجه الفني وماهي الفنون التي تجدين أنها تحقق لك متعة خالصة عدا عن النحت؟

<< طبعا العمل الفني انعكاس حقيقي لثقافة وروح الفنان، وبالمقدمة ثقافته الفطرية التي تظهر باللاوعي في أعماله، ولكن ليصل لمرحلة الإبداع والتميز عليه دعم موهبته بالتطلع لكافة الثقافات والحضارات الفنية، فأنا بتجربتي الشخصية مثلا، لدي شغف بجميع الفنون البصرية والسمعية، لي معها علاقة دائمة وحوار واضح بينها وبين منحوتاتي، وجميعها ملهمة، كالموسيقى وفن الرقص المليء بحركات الجسد الجميلة الغنية بإيحاءات فنية فهي بحد ذاتها موسيقى.

< كيف تنعكس الانفعالات التي تنتجها الموسيقى مثلا علىمزاج النحات؟

<< الموسيقى وعلى بساطة الوصف ولكنه حقيقي، هي غذاء روحي، يبدأ لدي من الموسيقى وينتهي بمنحوتة، تتمايل خطوطها على تلك الأنغام التي تتكامل معها في الروح. أجسد أعمالي على وقع الموسيقى، بإحساسي بها تولد فكرة لمنحوتة مفعمة بالروحانية، وسبق أن اشتغلت بأعمالي السابقة على هذه الفكرة، وما زلت أوثق تأثيري بها في أعمالي الحالية والقادمة.

< ماهو جديدك في النحت؟

<< مستمرة في العمل على تجربتي النحتية، واتجهت في الآونة الأخيرة إلى أسلوب تعبيري محوري ومبسط، بعد أن كان أسلوبي تعبيرياً واقعياً مع بعض المبالغة في الحجوم، بالإضافة لتنوع الخامات بين خشب ورخام وجبس مباشر وغيرها من الخامات التي تخدم فكرة العمل الفني، وأحضر لمعرض فردي في الفترة القادمة أتمنى أن يتاح له جولة في عدة محافظات سورية، بالإضافة لمشاركتي في ملتقيات نحت داخل البلد، تعطي فرصة لطرح التجربة ولخلق حوار راق بين الفنانين والمشاهدين.

< أنت ربة أسرة وزوجة وأم، كيف تؤثر الحياة الأسرية على عالم الفنان خاصة وانه مهووس بحاجته للجوء إلى عوالمه الداخلية عند العمل؟

<< كل مرحلة بالحياة لها احتياجاتها التي إذا لبيتها وأنت مقتنع بما فعلت، تكون بذلك عززت عوالمك الداخلية نفسيا وفكريا، تمر لحظات في حياة أي شخص منا تجمده لفترة يشعر فيها بأنه محبط وغير قادر على الإبداع، وهذا طبيعي عند أهم الفنانين يحدث هذا الأمر، المهم أن يتابع فيما بعد في بناء عالمه الخاص، وأنا شخصيا كوني زوجة وأم أسعى لخلق انسجام ومحبة بين فني وعائلتي الصغيرة والكبيرة، التي هي الداعم الأكبر لشغفي في العمل بهذا المجال، وأرى أن كل لحظة تمر في حياتي هي ملهمة ومحرضة للإبداع بوجودها بجانبي.

< ست سنوات من الحرب، كيف تأثر واقع الفن التشكيلي في هذه المدة؟ وما هو دور الفنان التشكيلي في هذه المرحلة الصعبة من المراحل التي تمر فيها هويته الوطنية والثقافية بخطر؟

<< الحرب الظالمة والظروف القاسية، التي تمر بها بلدنا، كان لها أثرها بأن خلقت لفترة حالة من الجمود والاختناق في الحركة التشكيلية، وحالة من التغيير في نفسية الفنان حيث اختلفت أفكاره وطموحاته، وأصبحت توجهاته حول توثيق واقعه، وهواجسه التي لاتخلو من الخوف والحزن والغضب والألم والأمل والكثير من المشاعر المؤثرة بفنه، وبغض النظر عن تواجد الفنان التشكيلي السوري داخل البلد أو خارجه فهو فنان عنيد ومصمم على إنتاجه الفني التشكيلي وله رؤيته الخاصة نحو المستقبل، ودوره مهم في توثيق الواقع بكل ما يحتويه، فيجسده من خلال أعماله الفنية التي هي هويته وجواز سفره لكافة أنحاء العالم. وكما قلنا سابقا النشاطات التشكيلية من معارض وملتقيات لها دور فعال في زرع الثقافة الفنية في المجتمع.

< لماذا لم تفكري بالهجرة بسبب الظروف مثل الكثيرين الذين فضلوا اللجوء على البقاء في البلاد؟

<< كلمة هجرة غير موجودة بين مفرداتي التي استخدمها باليوم، فما بالك بالتفكير بها؟ هذا ليس وطنا بحدود وخرائط وجغرافيا، هذا وطن بقلوب وفن ومحبة وعطاء ودماء أينعت كروم خير، وسنابل عطاء.

حوار: تمّام علي بركات