ثقافة

“أفلام الكرتون” ليست بريئة كما تظنون

“أفلام كرتون” ومن لا يعرفها ولا يعرف أثرها، فبينما نهملها وكأن لا شأن لنا بصناعة وعي ووجدان أطفالنا، يأخذ هذه المهمة الغرب، ويعمل على أن ينشئ هو وعيهم وخيالهم كيفما يريد، لأنه يدرك تماما أن السيطرة على العقول تبدأ من هذه المرحلة، مرحلة الطفولة التي يكون فيها العقل ورقة بيضاء، ينطبع عليها ما يؤثر في مشاعر الطفل ولا شعوره أيضا، أما نحن فمشغولون ببطولات قبضايات الشوارع، ودراما الحواجز التي لا تعرف عن الحرب عندنا، أكثر مما تعرف سندريلا عنها، لكن التفات الغرب إلى هذه القضية، بالتحديد “الأمريكان” ليس وليد البارحة أو منذ مدة قريبة، بل يعود اهتمامها القائم على غسيل العقول بشكل فعّال وبطريقة ناعمة، منذ أربعينيات الجيل الماضي، حيث وجّه الأمريكان البروباغاندا الخاصة بهم إلى الأطفال، وقد اعتمدوا في هذا على الصورة المبهرة بصريا من خلال أفلام “والت ديزني” وجندي المارينز “باباي” ثم حلقات “توم وجيري” الّتي كانت تنتجها شركة “مترو غولدوين ماير”، في مقابل أفلام كرتون سوفييتية فقيرة فنياً وتفتقد إلى الإبهار البصري مثل الذئب والأرنب، وسلسلة “نو بوغودي” (انتظر قليلاً) وبهذا استطاع الأمريكان السيطرة مقدماً على جيل المستقبل في العالم، من خلال أفلام الكرتون التي زرعت فيهم “حب النموذج الغربي” دون أن يعلموا إلى أي درجة نجح الأمريكان في صنع أيقونات بصرية ك”باز ألدرين” ثاني رجل يطأ سطح القمر من خلال فيلم “حكاية لعبة” حين رافق راعي البقر في التسعينيات من القرن الماضي، بينما “يوري غاغارين” أول رجل يصعد إلى الفضاء لا يذكره سوى القلة الّذين كانوا يعلّقون صورته في غرفهم،ولا عجب هنا أن الصين كانت تمنع أفلام كرتون ديزني وأفلام الكرتون الغربية عامة درءاً لخطرها المستقبلي على عقول الأجيال الناشئة.

لم يكتف الغرب بأفلام الكرتون حيث كانت هوليوود سلاح الدمار الشامل الحقيقي الّذي سيطرت به على أفكار الشعوب من خلال عيونهم، في مقابل أفلام سوفييتية وشرقية جيدة المضمون ولكن فقيرة الصورة، أيضا الموسيقا _وكلّ فنّ يسعى لأن يكون موسيقى_ بالواقع لقد تفوق السوفييت بنوعية وقيمة موسيقاهم الّتي جعلت تلك الموسيقى رغم أنّها حزبية ووطنية تستمر حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي, فلا يمكن مقارنة كل إرث “البوب والروك أند رول” الغربي بأغنية واحدة ك”كاتيوشا” أو مثل “نشيد الحقول”  للموسيقار “ليف كنيبر”، ولكن مع ذلك نجح الأمريكان في فرض أغانيهم ونمط موسيقاهم في العالم رغم سوء الكثير منها، عبر الإبهار البصري من خلال ابتداع الفيديو كليب و”التقليعات” البصرية الغريبة للمغنّين الغربيين، في مقابل رصانة من يغنّي الأغاني السوفييتية الجميلة الّتي كان يغنّي معظمها كورال الجيش الأحمر في موسكو.

مؤخرا انتبه “الروس” إلى خطورة الموضوع، لا من الناحية الفكرية فهم يعرفونها، ولكن من الناحية “الإبهارية” إن صح الوصف، وقاموا بصناعة أفلام كرتون مشرقة وملونة، مبهجة وتجذب عين الطفل، وكان أن حصد المسلسل الشهير “ماشا والدب” أعلى نسب متابعة عالمية، حتى داخل أمريكا نفسها، كما فعل اليابانيون بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اعتمد مفكروهم و أهل الفن عندهم على “الأنيميشن” ليمرروا المقولة التي يريدون غرسها في وعي أطفالهم، خصوصا بعد حرب تركت البلاد والناس في حالة دمار شامل تقريبا، والمهم في الموضوع، أن كل أفلام الكرتون التي صنعتها اليابان كانت موجهة لعقول الناشئة، لتربيتها وصقلها وتعليمها النهوض من المستنقع، وهذا ما حصل، كلنا يعلم التقدم والتطور التكنولوجي الهائل الذي تبهر به اليابان العالم.

بالمحصلة يمكن القول أن القوة العسكرية الأكبر في العالم، لم تكن لتنجح في جعل نفسها الشرطي العالمي صاحب العصا العسكرية الثقيلة، لو لم يكن لهذه القوة أرجل وأذرع تسندها وتمهد لها طريقها، أما أهمها فهو الفن بأنواعه ” موسيقا –سينما- أفلام كرتون وغيرها” حيث يصبح قاتلا منبوذا مثل “رامبو” هو الحلم والشخصية التي يريد كل الأطفال أن يكونوها، طالما أنها قادرة على فعل كل شيء يخطر في بالها، كما قدمتها الميديا الأمريكية دون عقاب حتى، وحدث أننا كالعادة استقبلناها ونحن نهلل لهذه الخسارة التي طغت على عقول أجيال عربية عدة، نشأت وتربى وعيها على ما قدمته لها هذه الميديا العسكرية بكل ما للكلمة من معنى.

تمّام علي بركات