ثقافة

 “زهـــــرة حلــــــب”.. رحلــــــة إنسانيـــــة شاقـــــة

ما تزال قضية تسفير الإرهابيين وتغاضي الحكومة والأحزاب التونسية عنها تثير النقاش والجدل في تونس، وهناك لجان ما تزال تعمل  لمحاسبة المسؤولين عنها، وموضوعنا ليس عن الشبكات التي عملت علي تجنيد وتسهيل سفر الشباب التونسيين، ليموتوا في سورية تحت شعارات الجهاد والشهادة وإقامة دولة الخلافة،  بل عن الفيلم الذي يتناول فيه المخرج التونسي رضا الباهي هذه الأزمة في فيلمه  “زهرة حلب” ويناقش الفكرة من خلال قصة الشاب “مراد” وحيد عائلته حيث تعمل الأم ممرضة والأب رساماً معروفاً.

كتب الباهي سيناريو الفيلم بالاشتراك مع ريا العجيمي ولعبت البطولة الممثلة هند صبري مع مجموعة من الممثلين التونسيين البارزين، وشارك في الفيلم من سورية بسام لطفي وجهاد الزغبي وناصر مرقبي.

مراد في الثامنة عشرة من عمره كان يعيش حياة طبيعية كأي شاب ينتمي لبيئة اجتماعية وثقافية منفتحة، يذهب إلى مدرسته، يعزف على الغيتار وعنده صديقة ترافقه في نزهاته على البحر وتساعده في دروسه حين يحتاج، أي كانت حياته تسير بشكل عادي إذا تجاوزنا بعض القلق أو الاضطراب الناتج عن انفصال أبويه عقب عودتهما من فرنسا.

لا نعرف كيف اهتدى أحد الإسلاميين إلى مراد مثل كثير من الشباب التونسيين الذين تم تجنيدهم للانضمام إلى صفوف التنظيمات الإرهابية في سورية، وظل يلاحقه من البيت إلى المدرسة إلى النزهات مع صديقته، وفي إحدى المرات جاء إلى بيته وكان الشاب يراجع  دروسه مع صديقته فقام الإسلامي بتوبيخه على ذلك متسلحاً بالقول: “ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما” ثم قدم له هدية قال أن الأمير نزار أرسلها له، وهي عبارة عن اللباس الذي يرتديه الإسلاميون، إضافة إلى هدية خاصة منه وكانت كتاب “السعادة الأبدية” باللغة الفرنسية التي يحبها مراد.

ولم يطل الوقت حتى أصبح مراد أسيراً لهؤلاء الإسلاميين الذين يمسحون عقول الشباب تحت شعارات الجهاد والشهادة في سبيل إقامة دولة الخلافة، وأصبح جاهزاً للتجنيد في داعش، ورافقه صديقه الإرهابي لمقابلة الأمير نزار في مكان منعزل   يعيش فيه الإرهابيون ويخضعون إلى دروس في الدين والعقيدة، ويتدربون على السلاح  ليرسلوا إلى سورية حيث أرض الجهاد، ومن هؤلاء مراد الذي أتت الدروس على ما تبقى من عقله وأرسل إلى سورية مع مجموعة جديدة من الشباب المجاهدين المقاتلين، لإقامة دولة الخلافة المزعومة.

تبدأ الأم رحلة البحث عن ابنها وتسأل كل من يعرفهم: زملاؤه في المدرسة والحي والنادي وصديقته، دون أن تهتدي إليه، والسر كان في صندوق لأغراض مراد احتفظ  فيه بمجموعة من الكتب الإسلامية المتطرفة، إضافة إلى راية داعش، وحينها تأكدت الأم أن ابنها قد تم تجنيده، وتقرر أن تلحق به إلى سورية من خلال التنظيم الذي جنده، وعبر تركيا تصل إلى ريف حلب لتنضم لتنظيم جبهة النصرة الإرهابي قائلة: إنها لا تستطيع أن ترى بلاد المسلمين تغتصب وهي تقف مكتوفة الأيدي،  وهناك تلتقي الأمير الذي يقول لها: “انتو نساء تونس أخوات الرجال، وحلوات كمان” ومن على فراش المرض يخبرها الأمير أبو الوليد أنها جاءت تبحث عن ابنها لتعيده إلى تونس أي أنها غير مؤمنة بالتنظيم فهو يعرف كل شيء ويضيف:  إننا نقيم الدولة الإسلامية في العالم كله وستندمون كثيرا، وينهي حديثه بالقول: أرجو أن أعيش لأشهد سقوط النظام.

انتهى المطاف بسلمى أو أم مراد في بيت كبير كان لتاجر موال للنظام، سافر إلى الخارج واحتله المجاهدون كغنيمة حرب كما قيل لها، وكانت مهمتها تشمل التمريض والطبخ والقتال، والفيلم غني بالحوارات والتفاصيل التي تعبّر عن المنهج الفكري لهذا التنظيم الإرهابي المتطرف الذي جند الشباب والأطباء والصحفيين من كل دول العالم للجهاد في سورية، وقد التقتهم سلمى في الجبهات، وهذه التنظيمات الإرهابية لا تتورع عن ارتكاب كل الجرائم ومنها جريمة الاغتصاب التي تعرضت لها حين أسرها تنظيم إرهابي مناوئ، وطلب الأمير من مقاتليه اغتصابها في حين قام بتوثيق المشهد بكاميرا هاتفه المحمول، لكن سلمى تنتقم وتقتل خمسة من الإرهابيين وهم يتناولون الطعام، ويكون الرد من الحرس فتتلقى طلقة في صدرها ترديها قتيلة، وتكون من بندقية ابنها الذي يكتشف ذلك بعد أن أزاح الحجاب عن وجهها.

“زهرة حلب” فيلم يستحق التحية فقد أبدع مخرجه رضا الباهي، وقدم عملاً يحترم عقل وعين المشاهد، وحشد له كل عناصر النجاح وأهمها السيناريو المتماسك والحوار القوي والممثلين الذين لعبوا أدوارهم ببراعة وحرفية.

 

 

سلمى كامل