ثقافة

حارس مرمى

منذ فاجعتي المبكرة على هذه الأرض, أقصد ولادتي الطارئة, التي لا ذنب لي فيها. الطامة الكبرى تكمن في سطوتي على روح شقيق لي كان اسمه أحمد, وان أحمل اسمه فيما بعد, وأنا وبصدق العالم كله, لا ذنب لي في ذلك, أحمد اسم أحبته “سعدى”  أقصد أمي.

لم تمنحني الحياة الفرصة لتجريب هكذا شعور, شعور الإحساس بوجود شقيق لي, لديّ الكثير من الأخوة, بيد أنه لا شقيق لي, هكذا إذا أنا بلا شقيق, وسطوت على اسم شقيقي أحمد, الذي لم يقدر لي أن أراه, ولست السبب في ذلك.

هنا أتقاطع مع الأديب المصري عبد الحكيم قاسم مبدع (الأخت من أب, ودفتر العائلة), إضافة إلى الأديب الاسباني (خوسيه كاميلو سيلا) حائز نوبل-, كذلك الفنان التشكيلي الهولندي: ( فينسينت فان غوخ), كذلك الفنان العالمي (سلفادور دالي) الخ.

لكن هؤلاء نالوا ما نالوه من المجد والأضواء والشهرة والنجومية. أما أنا المذبوح من الخاصرة إلى أقصى امتداد البحر, موجة تغتال موجة, وما كنتُ الزبد بل كنت الرمل الذي لا أصداف له, لا بحارة ولا نوارس  ولا منارة, ولا عاشقاً ينتظر معشوقته. ولا أمّاً تنتظر ابناً غاب عنها في زحام الأرصفة والوقت والحياة.

ولأنني كنت الأصغر سناً في المدرسة (لأني مسجل على اسم وميلاد شقيقي أحمد) فقد كانت تمارس ضدي كل أنواع القهر والعذابات, ابتداءً من عريف الصف, مرورا بمعلم الصف, وانتهاء بتهكم أبي عليّ حين أفشل في حفظ جدول الضرب.

كان المطلوب مني أن أكون حارسا للمرمى, وكنت أقبل بذلك رغماً عني, كنت أواجه أحد عشر لاعبا بمن فيهم حارس مرمى الفريق الخصم. وهكذا بدأت طفولتي مع اللعب (حارس مرمى), فيما بعد ومع مرور الزمن تحوّلت حراسة المرمى إلى قدر لي, قدر لم أختره ولا ذنب لي فيه. لم ترق لي الفكرة في بداية الأمر, إذ اعتقدت أنني ضحية طفولة ليست لي, ولأنّ الأمر تحوّل إلى حقيقة لا مفرّ منها, خصوصاً في حصة الرياضة, فقد اعتبرت ذلك قدراً وعليّ القبول به. ولأنني مولع  بالكتابة والمطالعة, فقد تأملت طويلاً عنوان “حارس مرمى”, حارس.. يا إلهي؟! هذا يعني أنه على الحارس أن يكون أميناً على ما يحرسه, بدأت أتابع حراس المرمى المتألقين والناجحين, استمتعت بآخر مباراة لعبها حارس المنتخب الإيطالي (دينوزووف) وكان في الأربعين من عمره, فقلت لنفسي حراس المرمى يعمّرون, وفيما بعد تابعت حارس مرمى المنتخب الإيطالي (بيفون ), والذي مازلت أتابع أخباره, لأنني أحب المنتخب (الأزوري– الإيطالي).

استمرت حياتي فيما بعد كحارس مرمى, حاولت جاهداً ومازلت, أن أكون حارساً أميناً لكل اللواتي والذين أحببتهم, لكن المحزن في الأمر أنني فيما فات, كنت أتوقع هجمات من أحد عشر لاعباً, بيد أنّ مرماي الآن معرض لعشرات الهجمات, المتسللة, والحكم لا يرفع إشارة التسلل.

من طرائف تجاربي في حراسة مرماي, وبمنتهى الأمانة أنّ أحد إخواني– في دفتر العائلة– كان يشاركني ذات المباراة, وكان يلعب بمركز قلب الدفاع– في غفلةٍ مني سجّل هدفاً في مرماي, وقال لي: إنه خطأ. والحكم اعتبر الهدف سليماً, ولم يعتذر أخي, منذ تلك اللحظة ومرماي مشرّع للإخوة القتلة, ولأصدقائي الخونة. والآن تماماً لم تعد لدي شباك تهتز ولا خشبات ثلاث, ولا مدافعين, ولا أخوة, ولا أحد.. فقط قبيلة من المتسللين إلى ما تبقى من الحنين وألم الذكريات الموغل بالشجن, ولم يعد هناك حكم ليرفع راية التسلل.

أحمد عساف