ثقافة

كيف قهوتك..؟!

يسألوني “كيف قهوتك” وأنا أضع قدمي اليمنى على عتبة الأربعين.. أرد بخجل “أنا لا اشرب القهوة” خوفا أن اخبرهم بأني اشربها حلوة جداً كباقي القرويين فأسقط من أعينهم ثقافياً.. أخذت عن هؤلاء الرائعين أبناء الأرض كل شيء ابتداء بالقهوة الحلوة وانتهاء بطيبة القلب وبساطة الحياة.. ولي شرف كبير في ذلك..
يسألني أحدهم مستغرباً أنت بنت مدينة ما علاقتك بعادات القرويين! فيجيب قلبي بغصة أبدية.. نعم أنا متمدنة رغما عني، لكن جذوري ابحث قليلا ستراها ضاربة هناك حيث مرقد أمي ومولد أبي..
كتبت الكثير من السرد والنثر، وقرأت الكثير من الشعر والأدب لكنني لم أجلس يوما على شرفة مطلة على البحر أو في مقهى يعانق بردى وعذوبته.. أو في ظل شجرة في غابات الفرلق.. ولم يكن يوما من الأيام فنجان القهوة السادة صديقاً لي، ولم يرافق كتاباتي ومسيرة أحداثي الذاتية كما كان بالنسبة للشعراء والكتاب والفنانين.. وووو.. وكان دائما يخطر ببالي ما قاله محمود درويش من باب التصنيف والفرز.. (كيف تكتب يد لا تبدع القهوة..!!).
أهم حدث كان يجمعني بقهوتي وقصصها أن أبي كان يفضل القهوة التي أعدها له.. وظل يقول إن لها سراً.. وكنت أجهل هذا السر حتى ذقت قهوة صنعتها ذات فضول بيدي فأعدت وجهة نظري بقهوتي وبما كتبت..!
لي صديقة كانت تحيا على القهوة ونكهاتها.. كانت تقول لي كلما سألتها عن الرابط الذي يجمعها بتلك السمراء الجميلة.. أخالك تحبينها أكثر ما تحبينني؟! (القهوة يا صديقتي يقبع في فناجينها الكثير من الحنين والذكريات.. القهوة ليست مشروباً وحسب..هي صديقتنا في الحزن والفرح ووسيلة غاية في السحر لفض أي نزاع بين طرفين.. وهي ثالث أي عشيقين).
وصديق عزيز كان يقول لي ممازحاً.. (في الحقيقة أخجل فيك وبقهوتك القطر تلك.. اشربي القهوة سادة فالقهوة يا عزيزتي تفقد رونقها ومذاقها الخاص بالإضافات.. أصلاً هي تشبهك جداً..).
وكنت كلما جلست في مكان عام وطلب أحد من الجالسين على طاولة بجانبي “قهوة بوجه” ينتابني فضول أن أمد عنقي لرؤية هذا الوجه أهو ضاحك أم باكٍ أم مخدوش بما يعطيه ملامح فتى يبتسم لفتاة.. ويطول الحديث بين الأصحاب عن ذاك الوجه إلى أن يذوب ويتلاشى بين شفاه أتعبها الانتظار..
بعد هذا العمر المعجون بالتعب والذكرى.. خصصت لنفسي ركوة نحاسية شامية النقش ونار خفيفة كالحب الذي ينشأ سريعاً بين هديلين على غصن..
“كيف قهوتك” يسألني ويعد فنجانين بوجهين واحد مبتسم وآخر كأنه كان يبكي.. قبل ثلاثين عاما كنت أبكي عندما كانت أمي رحمها الله تقول لي زاجرة.. “عيب يا ريما أن تتذوقي ما بقي من قهوة في فناجين الآخرين.. وحتى الآن أبكي كلما هممت في الصباح لأجمع فناجين سهرة الأمس…!.
لينا أحمد نبيعة