ثقافة

وداعاً نعمان جود.. أبو السينوغرافيا السورية

بعد خبرة طويلة في مجال تصميم السينوغرافيا والديكور المسرحي، ورصيد كبير وغني جداً من الأعمال المسرحية رحل الفنان نعمان جود أحد أهم أركان ذاكرة المسرح السوري وقد وصفه المخرج د.عجاج سليم وهو ينعيه بعد رحيله منذ أيام قائلاً:

آخر الملائكة على الأرض، نعمان جود.. ولمن لا يعرفه: فنان، سينوغراف، حائز على جوائز عالمية في فن الديكور المسرحي، معلّم أجيال عديدة من السينوغرافيين السوريين، وكلنا تعلمنا منه كممثلين ومخرجين.. شكل مع سعد الله ونوس وفواز الساجر أجمل ثلاثي مبدع من خلال المسرح التجريبي.. لا حدود لرقته وطيبة قلبه.. قلب كبير، نقي، أنقى من دمع العين.. لا كلمات تفيه حقه، ولا حزن يعبّر عن ألم فراقه.. نعمان جود ظاهرة اسمها الإنسان بكامل النقاء، يصنع ديكور المسرح، يخلق الجمال وينزوي في صومعته بعيداً عن الضجيج والأضواء.

برج المدابغ

وفي سيرة حياة نعمان جود أنه أحب الرسم منذ طفولته، وقاده هذا الحب لأن يوفَد إلى الاتحاد السوفييتي لدراسة الديكور المسرحي، وهو يعترف في أحد حواراته أنه قبل ذلك لم يكن لديه أي اطلاع على المسرح، ومنذ السنة الأولى بدأ ينجرف إلى فن المسرح حينما بدأ يدرك أن له علاقة وثيقة بالرسم الذي يعشقه حيث الرسم والديكور محاولة لترجمة الكلمات والعبارات إلى خطوط وألوان وأحجام، وبعد دراسة لمدة ست سنوات نال على أثرها شهادة الماجستير بامتياز على مشروع تخرجه الذي كان عبارة عن تقديم تصور سينوغرافي وتنفيذه لمسرحية “الزنزانة” للسيد الشوربجي، وبعد تخرجه مباشرة ووصوله لدمشق عام 1975 كُلف بتصميم ديكور مسرحية “برج المدابغ” تأليف نعمان عاشور وإخراج محمد الطيب، وفي هذا العمل وضع جود كل الإمكانيات المتوفرة على خشبة المسرح ليقدم نفسه بشكل لائق ومحترم، ومع إنجاز العرض كتب عن أهمية الديكور وأنه كان أحد أسباب نجاح العرض.

أهم مراحل حياته

شارك الراحل نعمان جود في إحدى التجارب الهامة في مسرحنا السوري وهي فرقة المسرح التجريبي التي أتيحت له فرصة المشاركة إلى جانب الكاتب المسرحي سعد الله ونوس مدير الفرقة وفواز الساجر مخرجها، وكان له نصيب المشاركة في تصميم السينوغرافيا لاثنين من العروض الثلاثة التي قدمتها هذه الفرقة، وكانت هذه التجربة من أهم مراحل حياته العملية في المسرح، مع الإشارة إلى أن عمله مع الساجر من خلال هذه الفرقة لم يقتصر على أعمالها وهو الذي عمل معه قبلها وبعدها، حيث سبق أن عمل معه في ثاني عمل مسرحي بعد عودته من الدراسة وكان بعنوان “رسول من قرية تميرة” لمحمود دياب عام 1975 في إطار المسرح الجامعي، ليشارك الساجر بعد ذلك وضمن المسرح التجريبي في عملين مسرحيين هما “رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة” و”ثلاث حكايات” لدراغون، وكان ونوس متابعاً لإنجاز هذين العملين، مع الإشارة لمشاركة نعمان جود المخرج الساجر في آخر أعماله المسرحية “سكان الكهف”.

أول سينوغراف سوري

كان الراحل المشارك العربي الوحيد في معرض براغ الدولي لمهندسي الديكور 1991 من خلال عملين هما “سهرة مع أبي خليل القباني” تأليف سعد الله ونوس إخراج فواز الساجر و”المفتاح” تأليف يوسف العاني إخراج أسعد فضة، وشارك في هذا المعرض نحو 35 دولة من كافة أنحاء العالم وفي أوبرا “دايدو واينياس” كان أول سينوغراف سوري وربما عربي يشارك في مثل هذا النوع من الأعمال، وهي أول أوبرا سورية وقد أُنجزت بالتعاون بين وزارة الثقافة والمجلس الثقافي البريطاني.

 

لغة الشرطية

كان نعمان جود يؤمن أن السينوغراف ومصمم الديكور مساهم فعال في خلق الخطة الإخراجية للعمل المسرحي، وأن السينوغرافيا هي من أهم أسباب نجاح العمل المسرحي، وأنها ليست بديلاً عن مفهوم الديكور وإنما هي تطوير له أخذاً بأبعاد واسعة وشاملة، بحيث أصبح الديكور جزءاً من السينوغرافيا، وكان يؤسفه أن يظل ربط نجاح العمل بالمخرج دون سواه، مستغرباً أن يهمَل ذكر باقي عناصر العمل بتغييب جهود فنانين مبدعين لإيمانه أن العمل المسرحي عمل جماعي خلافاً للكثير من الأشكال والأنواع الفنية الأخرى، وقد عمل مع مخرجين كثر بلغة الشرطية في الديكور المسرحي، وهذا الأسلوب كان  يناسب مخرجين ولا يناسب آخرين، وهذا يعتمد أساساً برأيه على أسلوب المخرج نفسه انطلاقاً من قناعته وحقه في أن يصمم الديكور بالطريقة التي يحبها، أي بطريقة الشرطية والرمزية، وهو أسلوب لا يتعارض مع أي مخرج مبدع يطالب به.

وعلى الرغم من اتهام بعض المخرجين له بالتعنت وصف نفسه ذات مرة أنه ديمقراطي في طرح رؤيته الفنية للسينوغرافيا، وهدفه الأساسي مساعدة المخرج في الرؤية الفنية، وعندما كان يشعر أن فكرة ديكوره ستعيق رؤية المخرج يلغي هذا الديكور مباشرة ويُجري نقاشاً جديداً مع المخرج لإيجاد الصيغة المثالية، شارحاً أنه كان يرفض أن يقترح عليه المخرج رؤيته عن الديكور قبل أن يقرأ النص لأنه في هذه الحالة يؤطره ويحدّ من إبداعه، وبعد عدة قراءات يستطيع تكوين رؤية واضحة للديكور يمكن أن تكون مفيدة للنص، ولكن دون فرض فكرته عليه، مبيناً أن تعامله واحد مع جميع النصوص، فهو لا يخضع ولا يأخذ بعين الاعتبار أي جو يخلقه الكاتب  احتراماً لرؤيته.

والراحل نعمان جود من مواليد مدينة اللاذقية 1945 نال شهادة الماجستير في هندسة الديكور المسرحي من مدينة لينينغراد في الاتحاد السوفييتي عام 1975 وعضو في المنظمة الدولية لمهندسي الديكور التي مقرها مدينة براغ منذ العام 1988 وهو العضو العربي الوحيد فيها.

من الأعمال المسرحية التي شارك فيها والتي تتجاوز الـ 100: “حرم سعادة الوزير، الزير سالم، العائلة توت، مركب بلا صياد، أصل الحكاية، كاسبار” وأعمال لمسرح الأطفال ومسرح العرائس، بالإضافة لأعمال تلفزيونية نذكر منها: “يوميات مدير عام، أيام شامية”.

أمينة عباس