ثقافة

حيدر حيدر في “إلى حد ما”: يومياتي غير صالحة للنشر

من حيث قرر أن يكون ملاذه ومستقره على الرغم من ابتعاده عن العاصمة.. من حصين البحر أطل الروائي حيد حيدر على الجمهور السوري مؤخراً عبر الفضائية السورية في برنامج “إلى حد ما” الذي يعدّه ويقدمه الإعلامي نضال زغبور في حوار مطوّل عن أسرار الحياة والأدب، وهو من الحوارات القليلة التي أطل من خلالها حيدر الذي وصف الحوار بأنه ليس سهلاً.
لم يفكر حيدر كما جاء في اللقاء أن يكون كاتباً في يوم من الأيام، رغبة منه في أن يكون قارئاً فقط وعارفاً بأسرار الحياة والمجتمع والبشر، لتكون “آلام فرتر” لغوته أول كتاب يقرأه، وسرعان ما امتدت يده إلى الأدب الكلاسيكي والواقعي والاجتماعي المنتشر في سورية ولبنان ومصر، مبيناً أن حلب التي راح إليها ليدرس في معهد إعداد المعلمين عام 1951 شهدت على بداياته في عالم الكتابة، فكتب فيها قصته الأولى “نورا” التي نشرها في إحدى الصحف، فكانت التجربة الأولى ونوعاً من التدريب على كتابة القصة التي استهوت حيدر، وبعد تخرجه من المعهد عام 1954 تفرغ للتدريس وللمطالعة لتمتين تجربته والتمكن من أسلوب الكتابة.
أدرك حيدر بإحساسه أنه سيكتب منذ البداية بطريقة مختلفة عما هو معروف على صعيد اللغة والزمن الذي بدأ يأخذ عنده طابعاً غير مستمر، فتمرد على الطريقة التقليدية في الكتابة والتي كانت سطحية وغير عميقة وذات صفة أخلاقية ووعظية –برأيه- فكان أحد الذين خرجوا عن هذا الاتجاه بفعل التطور الذي حدث في الأدب، والانتقال من الواقعية إلى التعبيرية التي تعنى بالزمن والمكان والنفس البشرية من الداخل، فكان من الكتّاب الحداثيين الذين أحدثوا نقلة نوعية في مجال الكتابة الروائية والقصصية، مشيراً إلى أنه تأثر كأبناء جيله بالثقافة الأوروبية المترجمة في مصر وبيروت وثقافة القرن التاسع عشر.

هدم المقدس السائد
كانت الكتابة بالنسبة لحيدر من أجل التعبير عن الحرية والدعوة للتنوير والعدالة والبحث في مصير الإنسان العربي، فكان مشروعه إلى حدِّ ما يكمن في هدم المقدس السائد، والتبشير بشيء آخر مختلف له علاقة بالوعي والعقل والانتقال الحضاري وخلق مجتمع جديد، مؤكداً أن المحرمات أعاقت تطور الرواية العربية باستثناء تجارب قدَّمَها الذين خرجوا عن المألوف وكانوا ضد المفهوم التكفيري المعادي للعقل، مؤكداً أن قلة هم الذين صمدوا وواجهوا التيار السائد، والأكثرية تماهت مع ما هو سائد.
وانطلاقاً من قناعة حيدر أن الأديب الحقيقي هو الأديب الذي ينقد المجتمع بكل تفاصيله لا يكتب أدباً خيالياً، وما يكتبه له علاقة وثيقة بالواقع والمجتمع، وهو في كل ما كتبه حاول أن يقوم بدوره في تعرية المجتمع السوري والعربي بكل أطيافه، منوهاً إلى أن مهمته ككاتب أن يكتب عن التنوير ونقد ما هو راكن أو مستقر، أما التغيير فهو من مهمة الأحزاب والمؤسسات، معترفاً أنه محبط لأن رسائله ككاتب لم تصل ولم تحقق الهدف، خاصة وأن الحركات التقدمية الثورية منذ البداية وحتى  الآن تعيش انتكاساتها، مؤكداً أننا ما زلنا نعيش عصر الظلمات.
لم ينفِ حيدر أنه يكتب بلغة شعرية، مؤكداً أن ما من فصل كان في يوم من الأيام بين الشعر والنثر، مشيراً إلى أن اللغة هي جسد المعنى، والاندماج بين اللغة والأسلوب والمعنى هو أمر أساسي، وهو كغيره من الكتّاب له لغته التي تميزه عن الآخرين، موضحاً كذلك أنه يلجأ في كتاباته إلى الأسطورة ليس هرباً من المحرمات والرقيب، بل لأن الأسطورة برأيه جزء من تاريخنا وحياتنا الإنسانية، وهو يأخذ منها رمز الاستمرارية في الحياة المضادة للموت وعلاقة الإنسان بالطبيعة، وهو لا يعتمدها بشكلها الجمالي بل بتوظيفها ضمن سياق الرواية، وهو يتفق مع الراحل عبد الرحمن منيف من أن الرواية تاريخ لمن لا تاريخ له، منوهاً إلى أن الرواية عمل أدبي عن فرد ومجتمع وتداخلهما معاً بانسجامهما وتضادهما، والرواية برأيه عمل نقدي يهدف إلى التنوير والعدالة والحرية.

وليمة لأعشاب البحر
في روايته “وليمة لأعشاب البحر” قدم حيدر رؤيته للعالم، ولم يتوقع أبداً أن تحدث تلك الضجة التي أثيرت حولها من قبل الإسلاميين الذين نظموا مظاهرات ضدها أُحرقت الرواية فيها ومُنعت من التداول والكتابة عنها لمدة 12 سنة، إلى أن قامت لجنة تحكيم في مصر بالإقرار بأن الرواية لا تسيء للدين، معتبراً حيدر أن هذه الرواية شكلت محطة مهمة له على صعيد الانتشار، وهي التي طُبعت أكثر من عشرين مرة، منوهاً إلى أنها كانت تجربة أكبر منه وقد مزج فيها بين الجزائر والعراق لدرجة أن نقاداً كثيرين تحدثوا عنها كتغريبة جزائرية عراقية، مبيناً أن المكان فرض عليه دائماً خياراته في مجال الكتابة، وشهدت الأمكنة التي حط رحاله فيها نتاجات كتابية متنوعة، متحدثاً أيضاً عن كتابه الذي تناول فيه حياة المطران كابوتشي، مشيراً إلى أنه كُلف من قبل منظمة التحرير الفلسطينية بكتابة سيرته وحياته وقد أنجز هذا الكتاب بعد أن أمضى 25 يوماً برفقة كابتوتشي، أما هو فلا سيرة ذاتية يكتبها اليوم، ويكتفي بتسجيل يوميات غير صالحة للنشر لما تحتويه من أسرار.. وعن تجاهل المحيط الأدبي السوري والعربي له أشار إلى أن الشخص الناجح يكثر أعداؤه، خاصةً عندما لا يكون مندمجاً سياسياً، حينها تتجاهله المؤسسات فيبتعد عن الأضواء، ليخرج إلى الساحة الأدبية الكتّاب الذين يسعون للشهرة والجوائز التي لا يسعى إليها حيدر انطلاقاً من قناعته أن الكتّاب الذي يجرون وراء الجوائز ليسوا كتّاباً حقيقيين.
وعن عدم تكرار تجربة نقل روايته “الفهد” من فن الكتابة إلى فن السينما بيَّن حيدر أن سبب ذلك يعود لسيطرة سينما المؤلف على السينما السورية، حيث المخرج ذاته هو الذي يؤلف ويخرج وأحياناً يمثل، فابتعد الجميع عن الأدب المرجع الأساسي للسينما، منوهاً إلى أن عملاً كعمل “وليمة لأعشاب البحر” مثلاً يحتاج لإمكانيات كبيرة لتنفيذها سينمائياً.
وقبل روايته “المفقود” كان حيدر يعتقد أنه لن يعود لكتابة الرواية، إلا أن الأحداث وما مرت به سورية حرّضه على الكتابة لتسجيل موقفه اتجاه ما يحدث، فكانت وثيقة انتقد فيها الطائفية والقوى الدينية والإرهابية، وأشار حيدر إلى أن “المفقود” آخر ما كتبه على صعيد الرواية، موضحاً أنها رواية وثائقية تتحدث عن جندي سوري خُطف من قِبَل داعش وآواه صديق له من الرقة، فظل نحو سنة ونصف بعيداً عن عيون داعش.
كما أكد أنه كان يائساً ومحبطاً في بداية الأحداث في سورية، أما اليوم وبفضل انتصارات الجيش العربي السوري أصبح  لديه أمل وتفاؤل كبير.
ولا يفكّر حيدر بالقارئ عند الكتابة، وهدفه فكرة التنوير والحرية العدالة، كما يرى أن من حق القارئ أن ينقد ما يكتبه، ومن حقه كمؤلف أن يرد، وقد قرأ مؤخراً مذكرات سرية لتشيخوف، وهي مذكرات لا تشبه يومياته، كما يؤكد أن لا طقوس كتابية لديه، إلا أنه لا يكتب يومياً وينتظر قدوم الليل للكتابة، أما القراءة فهي عادة يومية حيث يقرأ ما يزيد عن 3 ساعات يومياً.
أمينة عباس