ثقافة

أعادت غسان إلى المسرح لوتس مسعود: اتفقت مع أبي.. واختلفت مع أخي

كتبت لوتس مسعود نصها المسرحي “كأنّو مسرح” والذي من المقرر أن يرى النور على خشبة المسرح مع نهاية العام الحالي بإخراج أبيها الفنان غسان مسعود، وقد استوحت مضمونه من كل الأفكار التي تدور في أذهان السوريين وهم يعيشون حرباً منذ سبع سنوات بكل ارتداداتها، من الآراء السياسية المتعددة ووجهات النظر المختلفة، وتؤكد أنها عالجت ذلك عبر نصها بشكل بعيد عن المباشرة والوعظ التي مل منهما السوريون، خاصة وأنهم يتلقون الأخبار والقصص بشكل حي ومباشر من خلال نشرات الأخبار.

جمهور ذكي
وترى لوتس أن المتلقي أصبح يريد ما يحترم ذكاءه وثقافته، وهو القادر على التمييز بين ما هو جيد وما هو سيء، والتفاعل مع مادة غنية عندما تقدَّم له، مشيرة إلى أنه يجب أن لا نستخف بعقله فنستسهل ما نقدم له وخاصة الجمهور المسرحي المعتاد على ارتياد المسرح والقراءات والدلالات المسرحية، والذي لديه قدرة على ترجمة كل الصور والمَشاهد، وهذا ما يجعل مسعود تعول عليه كثيراً على ما ستقدمه عبر نصها “كأنو مسرح” مع إيمانها أن القراءات له ستختلف بين متلقٍّ وآخر، وهذا برأيها أمر طبيعي وصحي لأن العرض الذي يقدم قراءة واحدة للجمهور عرض غير ناجح.
يتناول نص “كأنو مسرح” قصة مخرجة مسرحية تحاول أن تجمع السوريين بكافة وجهات نظرهم وآرائهم السياسية ضمن عمل مسرحي واحد، موضحة أن شخصية المخرجة في العمل تمثل سورية الأم التي تحاول أن تلملم جراحها وتجمع أولادها، معترفة لوتس ككاتبة أن الحديث عن ما هو جديد في النص أمر غير ممكن، لأن الأفكار الأدبية والمسرحية قُدِّمَت كلها منذ الملاحم الإغريقية، وأن الجديد الذي يجب أن يطالَب به يكمن في الطريقة وكيفية معالجة هذه الأفكار من خلال قراءات ومعالجات جديدة، لذلك تعاملت لوتس في نصها مع سورية كأنثى وأم تحاول جمع أولادها حولها لرأب الصدع بينهم.
ولأن نصها “كأنّو مسرح” ينتمي للعبة “مسرح داخل المسرح” توضح أن الأسلوب فرض نفسه على النص، وهي لم تختَره عن سبق إصرار، فكانت الحكاية فيه حكاية مخرجة مسرحية تستعد لتقديم عمل مسرحي تشارك فيه مجموعة من الممثلين، ولا تنكر مسعود أن هذه الطريقة قد تضيع الجمهور قليلاً أثناء عملية المشاهدة بين ما هو ضمن العمل المسرحي الذي تحضِّر له المخرجة وما بين أحداث مسرحية لوتس، وهي لا ترى ضيراً في ذلك، ومن خلق هذه الحالة لدى جمهور ما زال يعيش حالة من عدم التصديق بأن ما يجري في سورية حقيقي أم خيال، وهذا ما حاولت مسعود أن تنقله على المسرح من خلال الطريقة التي اعتمدتها لتقول ما تريد قوله.

سبع سنوات عجاف
وتوضح لوتس أنها سبق وأن كتبت أربعة نصوص مسرحية سابقة وكان والدها  الفنان غسان مسعود دائماً يطلب منها أن تضعها جانباً لأنه يميل لما تكتب، لقناعته أن كتاباتها تقدم شيئاً مختلفاً على صعيد الكتابة المسرحية التي تقوم على تقديم مادة محترمة شبيهة بما كان يقدَّم في فترة التسعينيات التي تأثرت بها، وبقيت في ذاكرتها على مستوى طريقة الكتابة فيما يخص المشاهد والمونولوجات والحوارات بين الشخصيات الموظفة بشكل صحيح، لذلك تحاول في كتاباتها أن تمزج بين هذه الطريقة والطريقة الشبابية، وهذا ما أعجب فناناً مسرحياً قديراً كغسان مسعود الذي سبق وأن قدم أعمالاً بتلك الطريقة كمخرج وممثل، وقد بات اليوم راغباً في تقديم أعمال برؤية شبابية كالطريقة التي تكتب بها لوتس التي لا تخفي أن والدها ساعدها كثيراً على صعيد الكتابة حين كان يلفت انتباهها للتفاصيل التي لها علاقة بالشخصيات، وإضافة خطوط درامية جديدة لها علاقة بالأحداث السورية الحالية، منوهة إلى أن نص “كأنو مسرح” مختلف عن النصوص المسرحية السابقة التي كتبتها، وخاصة على صعيد التواصل مع الواقع الحالي في سورية بتلخيصه لسبع سنوات عجاف مر بها السوريون عبر شخصيات تتحدث كيف كنا وكيف أصبحنا ولماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه.

رصيد من الألم
عاشت لوتس الحرب بتفاصيلها وهي تخطو خطواتها نحو عمر 18 وهو عمر النضوج الفكري والعقلي، وكانت ترى كل ما يحدث دون أن تستوعبه، مثلها مثل كل السوريين الذين بعمرها أو أكبر، وهذا شكَّل لديها تراكماً كبيراً من المشاهدات اليومية، وكان من الضروري برأيها أن يخرج على شكل كتابة، وإن كانت مقتنعة أن التراكم الذي خلَّفته الحرب فينا ليس من السهل أن يتبدد.. من هنا كتبت ولديها رصيد كبير من الألم فكتبت بشكل تلقائي وقد ساعدها في ذلك أن لديها مخزوناً كبيراً من القراءات المختلفة وهي القارئة الجيدة منذ طفولتها لتشيخوف وهو أكثر من أثَّر فيها على صعيد الكتابة من خلال أسلوب السهل الممتنع، فكان يقدم أفكاراً بسيطة وعميقة بنفس الوقت وبطريقة سهلة، وهذا ما تحاول انتهاجه في كتاباتها.
ولأنها تنتمي لجيل مختلف عن الجيل التي ينتمي إليه الفنان غسان مسعود تعترف لوتس أن والدها كان يرى أشياء لا تراها، وقد تناقشا طويلاً دون حدوث أي خلاف بينهما، مؤكدة أنه تقبَّل كل اقتراحاتها دون أية مجاملة لها على صعيد السلبيات الموجودة في النص ودون أن يمارس عليها سلطة الأب أو الفنان المسرحي، فكان يقدم تصوراته ويعرض رؤاه مقابل أن يسمع آراءها ويناقش مقترحاتها احتراماً منه لدورها ككاتبة للنص، وهذا ما اعتاد أن يفعله مع الكتّاب الآخرين، وحين تتضارب الآراء بينهما يتم التوصل لحل وسط يرضي الطرفين، مع قناعاتها أن الكاتب ينحاز دائماً وبقوة لكل حرف يكتبه، إلا أنها مدركة تماماً أن المخرج لديه الحق في إجراء التعديلات التي يراها مناسبة .
وعن نأي غسان مسعود عن المشاركة في العرض كممثل تبيّن لوتس أن والدها المخرج عندما يُعجب بنص من النصوص فإنه ينأى بنفسه عنه كممثل ويميل لإخراجه كمدير للعمل ككل من الخارج ليرى كل تفاصيله بشكل أوضح وأدق لقناعته أن خوضه فيه كممثل إلى جانب الإخراج سيشوش على عمله كمخرج.

متصالحة مع نفسها
ولأننا تعودنا في وسطنا الفني محاولة الأبناء الابتعاد عن آبائهم لإنجاز مشاريع خاصة بهم ولا تربطهم بالآباء خوفاً من انتقادات البعض، تبدو لوتس متصالحة مع نفسها على هذا الصعيد لثقتها الكبيرة بنفسها وبما تفعله، معترفة أنها وبعد إنجاز فيلم “المخاض” إخراج شقيقها السدير ومن كتابتها وبطولة أبيها سمعت مثل هذا الكلام، وهناك من قال أن غسان مسعود أدخل أولاده عالم الفن، مبينة أن هذا الكلام أضحكها كثيراً، وتبيّن أن أبيها لو كان يريد إدخالهما لعالم الفن هكذا دون سبب لكان الأَولى به أن يدخلهم لعالم التمثيل، وهذا ما لم يحدث، بل على العكس تماماً فهو يحاول أن يبعدهم عن هذا العالم، ومشاركة أخيها السدير في مسلسل “نبتدي منين الحكاية” جاءت بدعوة من المخرج سيف الدين سبيعي دون أي تدخّل لأبيها في هذا الأمر، لذلك تؤكد أن الموهبة لا يقف في وجهها أحد، ومساعدة أبيها لها في بداية طريقها ليس أمراً مخجلاً، إلا أن الزمن سيكشف إن كانت موهوبة أم لا، لأن لا أحد قادر على أن يدعم أحداً طوال العمر، وهي مؤمنة أن الجمهور واعٍ وسيميز بين الموهوب وغير الموهوب، لذلك فهي تدرك جيداً أن مهمتها بعد هذا العمل ستكون أصعب بكثير لتثبت لنفسها أولاً أنها كاتبة مسرحية جيدة حين تقدم تجارب أخرى مع أشخاص آخرين مختلفين لا تربطها بهم أية علاقة.
“المخاض”..
ومابين الكتابة السينمائية والأخرى المسرحية وإن كانت تميل أكثر لجانب دون آخر توضح أننا يومياً كبشر لدينا اكتشافات جديدة على صعيد ما نحب وما نكره، فتتغير الخيارات وأحياناً تتعدل بشكل يومي، لذلك ما زالت خياراتها على صعيد الكتابة السينمائية والمسرحية غير محسومة، إلا أنها تعرف جيداً أنها تميل للاثنتين معاً أكثر من الكتابة للتلفزيون، لأنها ترى وجود تقارب كبير بين الكتابة المسرحية والسينمائية في اعتمادهما الكبير على الاختزال والتكثيف وإيصال فكرة معينة بطريقة ذكية عبر دلالات بعيدة عن الثرثرة والإطالة، وهي هنا لا تقلل من أهمية الكتابة التلفزيونية التي يضطر فيها الكاتب للإطالة مشيرة إلى أن فيلم “المخاض” هو تجربتها الاحترافية الأولى، وقد جاءت بعد عدة تجارب كتابية أو إخراجية أولية، منوهة إلى أنها كتبت نص “المخاض” منذ 3 سنوات بعد أن شاهدت فيلماً أجنبياً يتحدث عن امرأة حامل وقد أصابها بعض ما يصيب النساء الحوامل من تغيرات هرمونية تؤدي إلى نوع من التخبط تعيشه المرأة، مبينة أنها كانت تشاهد الفيلم والحرب على سورية في ذروتها، فنشأت فكرة فيلمها حين تساءلت لو كانت هذه المرأة في سورية فما هي الهلوسات التي ستعيشها وذاكرتها ذاكرة حرب، وهي حين حملت فُتح الباب أمام هذه الذاكرة وتجسدت تلك المخاوف التي جعلتها ترغب في التخلص من الجنين خوفاً من أن يأتي مشوهاً كالعديد من الأطفال الذين شوهتهم الحرب وشاهدت صورهم، موضحة أن الكتابة السينمائية بما تحتمل من إشارات ورموز ودلالات أشارت إلى أن هذه المرأة الحامل تمثل سورية لتخبطاتها ووجعها الذي تعاني منه أثناء الحرب ومحاولة البعض النيل منها لتفقد فرصة الحياة، إلا أن هذه المحاولات تفشل كما تسقط كل هواجس المرأة الحامل حينما تلد في النهاية طفلاً سليماً ومعافى، وما الطفل إلا إشارة لسورية جديدة ستولد مستقبلاً بعد كل هذا المخاض الذي تعاني منه اليوم.
ولأن لوتس تؤمن بأن الكاتب هو مجموعة تجاربه وما من كاتب يستطيع أن يخرج من جلده لا يسوؤها أن يقال أنها تكتب وفق منظورها كامرأة شابة وهي التي تطرح مواضيعها عبر شخصيات نسائية، مؤكدة انحيازها للنساء ولأوجاعهن وآلامهن، لذلك تعترف أنها تكتب انطلاقاً من نفسها وبماذا تشعر، ولأنها مؤمنة أن المرأة بمقدار ما تملك من هشاشة لديها قدرة كبيرة من القوة، والدليل أنها وخلال 7 سنوات تأذت كثيراً ولكنها ظلت قوية كسورية التي ظلت موجودة كدولة وكينونة، وبغض النظر عن تسمية ما تكتبه بالأدب النسوي فهي لا تعتبر ذلك تهمة وستستمر طالما أنها قادرة على تقديم أفكار جيدة بشكل عميق وصحيح، بغض النظر عن التسميات التي يطلقها البعض عليها.

بين جيلين
تعاملت لوتس مسعود مع أخيها السدير كمخرج من الجيل الشاب في نص “المخاض” ومع أبيها كمخرج في “كأنو مسرح” وحين سألتُها مع من اتفقت أكثر ومع من اختلفت أشارت بصراحة وعكس ما هو متوقع أنها اختلفت كثيراً مع أخيها، أي مع جيلها وهو الذي ينتمي لمدرسة التجريب التي تتطلب فك الشيفرة، في حين أن لوتس ورغم صغر سنها تنتمي للمدرسة الواقعية الأبسط التي ينتمي إليها غسان مسعود، ومع هذا تؤكد أن أخيها السدير من أكثر الأشخاص الذين تثق بعمله لموهبته الكبيرة في ترجمة ما تكتبه، لذلك كانت تحترم خياراته أثناء التصوير.
وأشارت أن لديها نصاً تود أن تطرحه على المخرج عبد المنعم عمايري وهي المعجبة بتجاربه التي تابعت معظمها، وعلى صعيد السينما هي اليوم بصدد ترجمة فكرة للممثل محمود نصر صاحب الخيال الواسع والمختلف، وذلك بعد أن أكّد لها أنها قادرة على التعبير عنها بشكل جيد.
أمينة عباس