ثقافة

لقد صدق إيسوب

بشرى الحكيم

لم تصمت البلبلة التي أثارها عرض الفيلم الأخير لمخرج “الصدمة” الذي لم يثنه البحث عن الشهرة وتحقيق المكاسب الشخصية عن التعاون مع عدوه والذهاب إليه علناً، بل لعله من المثير تلك الآراء التي جعلت منه بطلاً قومياً ومفخرة تاريخية يمكن لها أن تأتي بالأوسكار لبلده، وكل ذلك تحت ذريعة حرية المبدع والإبداع.
وهكذا البعض يذهب بقدميه إلى عدوه؛ بينما يفتح له آخرون الباب على مصراعيه “دون أن يرف لهم جفن” ليستبيح الأرض كما حدث في الثمانينيات، وبذريعة حرية الرأي والمصالح الخاصة استبيحت  بيروت بشوارعها ومقاهيها ومشاعر أهلها من قبل جنود العدو.
ويبدو أن الاثنين لم يقرأا التاريخ الذي يثبت في كل لحظة أن الأمر لا يقف عائقاً أمام آخرين يستطيعون رمي خلافاتهم الشخصية ونزاعاتهم البسيطة خلف ظهورهم عندما يتعلق الأمر بالخطر الكبير المحدق بالأوطان، يواجهونه برصاصات لا تذهب بجنود العدو فقط، بل تجعله يسارع لتسيير آلياته في الأحياء، بينما توقظ مكبرات الصوت أبناء المدينة على نداءات: “لا تطلقوا النار… ها نحن راحلون”.
ولكن ما الرابط بين الحدثين؟ هي الثقافة بكل اتجاهاتها والتي هي دعامة أي بلد عليه ألا يعتمد على قوته على الأرض فقط؛ إنما على نضج مجتمعه بكل انتماءاته وتوجهاته، ذلك أن الكثيرين حتى اليوم ورغم كل ما مر بنا ونمر به، مازالوا يتشبثون بتلك التحزبات الصغيرة بعيداً عن الإيمان الحقيقي والمعرفة الحقيقية التي تتيح له نظرة شاملة للحياة تساعد على استيعاب إيمانه أياً كانت طبيعته، تجنبنا الفوضى والنزاعات وتصادم النفسيات التي يمكن لها في لحظة ضعف أن تضع المرء أمام خيار من اثنين ليس فيه سوى الدمار، إنما هو باب باتجاهين يتيح إما الذهاب إلى العدو أو التأهيل به؟.
يوما ما قال إيسوب الأديب والعالم الإغريقي: “نحن من يعطي العدو وسائل تدميرنا بأيدينا” ويبدو أنه قد أصاب وأحسن القول؟.