ثقافة

بلال خريس: السينما مساحة التي أعبر فيها عن وجودي الحقيقي

دراسة اللغة العربية لم تجعل المنتج والمخرج اللبناني بلال خريس يتنازل عن حبه للسينما، بل على العكس مكنته من كتابة سيناريوهات أفلامه، فهو متخصص في تقديم الأفلام التوثيقية ذات الصبغة الدرامية “الديكو دراما” بالإضافة إلى عدد من الأعمال السينمائية وعمل درامي تلفزيوني واحد.

“البعث” التقت المخرج خريس على هامش ملتقى “المقاومة ثقافة وانتماء” الذي أقيم مؤخراً في دار الأوبرا بدمشق، وعن بداياته مع عالم الإخراج تحدث:

تحتاج اللغة العربية لشخص هادئ ورزين وأنا شخصية عملية، ولم أجد نفسي في دراستها، إلا أنه بفضلها أصبح لدي قدرة على التعبير عن أفكاري بطريقة أوسع واستطعت امتلاك مفردات لفظية متينة، كما خصّبت خيالي، فهي عالم مليء بالمعاني والأفكار وتفتح الأفق أمام المخرج. وبعدها شاءت الظروف دخولي عالم السينما والعمل التلفزيوني، وفي هذا المكان شعرت بوجودي، فأنا لا أمّل منه وقد تصل أحياناً فترة عملي في المونتاج لمدة 20 ساعة، وبالمجمل دراسة الأدب العربي مكّنتني من كتابة سيناريوهات أفلامي بنفسي، لأن أغلب أفلامي من تأليفي.

< وعن رؤيته للدور الذي يمكن أن تقوم به السينما ضمن الانتشار التقني الكبير يتابع خريس:

<< نحن اليوم في عصر التقنيات والآلات التي تتطور يومياً، وأصبح هناك أجهزة خفيفة الحمل، قبل ذلك وزن كاميرات السينما ثقيلة جداً وتحتاج لفريق عمل كبير، أما اليوم أصبح عدد الفريق أقل وتقنية الصورة صارت أفضل ووصل المونتاج إلى حالة متطورة جداً، وهذا الأمر سهّل على صنّاع السينما صناعة فيلم، ومن ناحية أخرى إن لم يواكب المخرج هذا التطور لن يصل إلى هدفه أبداً، وأنا شخصياً أواكب التطور دائماً من أجل جذب الشباب دون إنكار دور الذكاء الإنتاجي في كيفية إنجاز عمل يتواءم مع هذا العصر.

ويدافع عن أعماله التي أضاف إلى إخراجها مهمة منتج منفذ بعبارة “المنتج يحمي المخرج” وعن الإنتاج يقول مخرج فيلم “أيام بلون الورد”:

المنتج دائماً يبحث عن التوفير وأنا أكرهه وخاصة التوفير السلبي، أنا أحب أن يكون الكادر الذي يعمل معي مرتاحاً مادياً ليعطي أفضل ما عنده، لذلك قررت العمل لوحدي وأن أكون منتجاً منفذاً بالموازنة، وهي أشبه بحالة هروب من شركات الإنتاج، فالشركات المحترمة تقدّر الإخراج وتمنحه كل ما يلزمه، وبالمقابل هناك شركات  تهتم بالتوفير فقط وتريد الربح، لكنها لا تدرك أن التوفير ينعكس خسارة على سوية العمل، وأنا شخصياً لست ضده إن كان في الكواليس وليس على حساب العمل.

“الديكو دراما” وأهمية التوثيق

تخصص المخرج خريس في إنتاج الأفلام الوثائقية بإطار درامي، وعن مسيرته في هذا المجال قال:

<< قدمت فيلماً روائياً طويلاً بعنوان “القلادة” عن جنوب لبنان، وفيلم دراما بين فرنسا وإيران، وبدأت عام 2004 بالعمل مع “الجزيرة الوثائقية” التي كنت أعشقها، ووقتها كانت القناة متألقة تحمل قضية المقاومة، مع أنهم لا يعملون في مجال الدراما لكنني استطعت إدخال هذا العنصر وكتابة المشاهد رغم أن الوثائقي يعتبر أكثر مصداقية كونه مع أشخاص حقيقيين، أما في الأفلام الأخرى فنحضر ممثلين يتقنون التعبير. كما أن المخرج في الفيلم الوثائقي عمله متعب أكثر لأنه يعتمد على أشخاص عاشوا التجربة وينتظر اللحظة المناسبة للانفعال ليلتقط التعبير المناسب للحدث، في الواقع، الفيلم الوثائقي خطير من ناحية التأثير بالمشاهد، وأنا بذلت جهداً كبيراً مع ضيوف الفيلم الوثائقي لإظهار الإحساس الحقيقي الذي إن لم يتواجد من الصعب أن يصل للمشاهد.

الفيلم بإحساسه

< وفي زمن الحرب، الشباب بحاجة إلى أفلام تدخل الفرح والسرور إلى القلوب، فالحرب بالنسبة لهم واقع، والأفلام الوثائقية ليست ضمن أجندة الشباب، إلا أن خريس يراها ضرورية فيقول:

<< الحقيقة، هناك أفلام لا تصلح إلا أن تكون وثائقية، وهذه الأفلام يكون تأثيرها أكبر في نفوس الناس، فمثلاً التعبير في اللوحات الفنية يكون في الإحساس واللوحة الأفضل هي التي تستحوذ بمشاعر المتلقي أكثر، وأنا ما زلت حتى هذه اللحظة أحضر فيلم “أيام بلون الورد” بشغف بفضل الأشخاص الذين صوروا المشاهد بعد عشر سنوات من تحرير الجنوب مما أعطى للفيلم إحساساً عالياً، فالفيلم مهم بحضور إحساسه.

“الجارف” ورسالته

< ولم يحتوِ فيلم “الجارف” إلا على المشاهد المباشرة التي يعترض عليها خريس دائماً، فالأسلوب المباشر يضعف الفيلم، ولكن المخرج يضطر للعمل –أحياناً- بطريقة مباشرة، وعن تصوير الفيلم يقول المخرج:

<< تزيد الظروف القاسية من التصميم والتحدي لعمل أفضل، وفيلم “الجارف” أخذ الكثير من الوقت خاصة أنه في العراق، ومهنياً أنا في غير بلدي ومع أشخاص لا أعرفهم وليسوا من فريق عملي وهذه كانت بداية الصعوبة. ولدت فكرة الفيلم وترجمتها على أرض الواقع خلال أسبوعين فقط، حيث كنت استمع للقصص الحقيقية وأحوّلها فوراً إلى مشاهد سينمائية. واليوم عندما أرى “الجارف” أنسى التعب كله وأتفاجأ أنه بهذه الدقة، وأنسى لحظات الخوف عند دخولنا “بيجي” لنصوّر بعد شهور قليلة على تحريرها وداعش تبعد عنا مسافات قليلة، أردت التصوير في الأماكن الحقيقية لإعطاء الفيلم بعداً واقعياً صادقاً.

 

التلفزيون والسينما

< ولا ينكر بلال خريس اهتمامه بالتلفزيون، فهو يحب العمل في المجالين السينما والدراما، وعن مشاريعه في الدراما يقول:

<< أتمنى العمل في المجالين رغم اعتماد السينما على إيقاع مختلف عن التلفزيون، قلكل مجال أدواته وخصوصيته، وهناك العديد من المخرجين السينمائيين أخرجوا أعمالاً درامية لكنهم لم ينجحوا بسبب استخدامهم تقنية السينما، فالأخيرة تحتاج لأسلوب مختلف في التعاطي، وأنا شخصياً مع العمل الذي يحمل قضية إنسانية فمثلاً لم تكن أفلامي كلها عن المقاومة وإنما قدمت  أفلاماً منوعة، منها فيلم بعنوان “أوركسترا في رجل” يحكي قصة شاب موهوب يعزف على عدة آلات، وأنا على يقين أن الشخص الذي يعزف موسيقى ويغني من المستحيل أن يصبح إرهابياً وهي رسالة مهمة في هذا الزمن، ومن الضروري اليوم العمل على أفلام وأعمال فنية منوعة فنحن بأمس الحاجة إليها.

< وعن أهمية ملتقى “المقاومة ثقافة وانتماء” الذي أقيم في دار الأوبرا بدمشق مؤخراً، في مثل هذه الظروف تحدث:

<< هذا الملتقى مهم جداً لعدة نقاط الأول هو التعرف على أشخاص جدد يعملون في ذات الخط “خط المقاومة”، ثانياً هذه الفعاليات ترسخ وتؤكد على فكرة المقاومة والتي لطالما كانت سورية رأس الحربة فيها لمواجهة المشروع الصهيوني مقدمة شهداء أبطال ورعت نشاطات فنية وثقافية توازي في أهميتها الجهود العسكرية.

جمان بركات