ثقافة

في الحوار التلفزيوني والإذاعي

أمينة عباس

قبل بضع سنوات بدأت دعوات للالتزام بالتخصص في مجالات عديدة من مجالات العمل الإعلامي، بعد أن كانت السمة الغالبة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي هي قيام الإعلامي بالإعداد والتقديم والتحرير والمعالجة والتقويم، كما كان الإعلامي خبيراً بكل المناحي والجوانب التي من الممكن أن يتحدث فيها، فهو ملمّ بالقضايا الاجتماعية والسياسية والرياضية والثقافية، وكان من النادر أن نرى إعلامياً متخصصاً في مجال واحد، ربما لأن الاعتقاد السائد كان أن عليه أن يمتلك القدرة على التعامل مع مختلف جوانب عمله وفي الوقت الذي يُطلَب منه ذلك.

اليوم اختلفت الأمور بشكل جذري، ليس على صعيد التخصص في مجال واحد، بل وحتى ضمن المجال الواحد، وباعتبار أن البرامج الحوارية التلفزيونية والإذاعية تُعدّ من أكثر البرامج إثارة للانتباه والجدل في التلفزيونات والإذاعات العربية، تعددت الوسائل والأساليب التي يدير من خلالها الإعلاميون العرب هذه المادة الغنية والجذابة، ومن الملاحظ أن ثمة أساليب أو حتى مدارس تحكم عمل المحاورين اليوم من أبرزها المدرسة التي أرساها التلفزيون السوري والإذاعة السورية منذ تأسيسهما حتى يومنا هذا، وهي المدرسة القائمة على احترام الضيف وتقديره وعدم إهانته من خلال توجيه أسئلة محرجة أو خارجة عما هو متفق عليه في خطوطه العريضة، وبالتالي فإن وسائل إعلامنا المرئية والمسموعة لم تسعَ يوماً إلى تحقيق مفهوم “الخبطة” الإعلامية المتمثلة باستضافة شخصيات إشكالية، غالباً ما تكون إشكاليتها قائمة على قضايا ساذجة وأقل من ثانوية ولا تضيف شيئاً إلى ثقافة المتلقي على أي صعيد، بينما تلجأ وسائل إعلام عربية إلى أسلوب آخر من أساليب الحوار الإعلامي قائم على ازدراء الضيف ووضعه في قفص الاتهام، وغالباً ما تكون القضايا المثارة في هكذا نوع من الحوارات قضايا شخصية ولا تهم جموع المتلقين، وقد (برعت) الفضائيات اللبنانية في هذا النوع من الحوارات سعياً وراء حشد أكبر كمٍّ ممكن من الإعلانات ضمن الحوار، وأما النوع الثالث فيقوم على استضافة ضيفين وإشعال نار الخلاف بينهما حول قضايا سياسية بالدرجة الأولى، وهو أسلوب ينقسم بدوره إلى نوعين: الأول هدفه الوصول إلى فائدة ما.

والثاني هدفه صبّ مزيد من الوقود على القائم من الأزمات وإشعال أزمات جديدة.

وتبقى وسائل إعلامنا السورية المثال الأنصع على المادة الحوارية الأنيقة والاحترافية الهادفة إلى الوصول إلى نتيجة متوخاة ومفيدة للمتلقي بمختلف توجهاته.