ثقافة

“الترجمة في سورية.. مشكلات وحلول” والمشــــروع الوطنـــــي للترجمــــة

واصلت ندوة “الترجمة في سورية، مشكلات وحلول” فعالياتها لليوم الثاني حيث قدم أ.عدنان جاموس ورقة عمل بعنوان “المترجم بين الحق والواجب يرى  فيها أن الترجمة هي أنجح وسيلة تعارف بين الأمم والشعوب وخصوصاً في مجال الإبداع بالترجمة، وقد وضعت عدة خطط للترجمة على الصعيد القومي والقطري، ولكن لم تتوافر لها الإمكانيات اللازمة من أجل تنفيذها لأسباب موضوعية وذاتية، وبالتأكيد إن تلبية هذا الشرط على النحو الذي يضمن الوصول إلى النتيجة المبتغاة تتطلب تشكيل لجنة تضم اختصاصيين واسعي الاطلاع، يُكلّفون بمتابعة كل جديد يصدر في أي فرع من فروع الثقافة، وينتقون الأعمال المناسبة الجديرة بالترجمة على أن تتسم هذه الخطة بالمرونة وبقابلية الاغتناء بأي مقترحات. وأضاف جاموس أن أهم مشكلة بالنسبة للترجمة تتمثل في واجب المترجم الذي ينبغي أن تكون ترجمته أمينة وخالية من الشوائب ليأتي النص مكافئاً للنص الأصلي، بالإضافة إلى مشكلة المكافأة التي سينالها المترجم لقاء جهد الترجمة، التي يجب أن تكون مجزية ومتناسبة مع مقدار الجهد المبذول. والعيوب في الترجمة لا تقتصر على لجوء البعض إلى الترجمة الحرفية، بل تتعدى ارتكاب أخطاء تشوه المعنى المقصود وتحرفه، وخاصة في الحالات التي تؤدي فيها رداءة الأسلوب أو ركاكة السبك إلى الالتباس وغموض المعنى إلى الإبهام، ولفت إلى أن الشرط الأول لإنجاز ترجمة أي نص من لغة إلى أخرى هو إتقان المترجم كلتا اللغتين بالقدر الذي يؤهله للقيام بهذه المهمة، والتعمق في معرفة معاني الكلمات وظلالها وتلوينها حسب السياق الذي ترد فيه، ويتطلب الإحاطة بالقواعد النحوية والصرفية في اللغتين، والواقع، إن إحاطة المترجم بجميع المعطيات المذكورة في ترجمة النصوص الإبداعية تيسر له تحقيق التواصل الروحي مع الكاتب، ومشاركته مشاعره وعواطفه، ولابد للمترجم من أن يراجع الترجمة بإمعان بعد إتمامها مقارناً إياها بالأصل، ومتيقناً من قراءته الصحيحة لكل كلمة.

الترجمة السياسية

والترجمة تخصص يتداخل مع تخصصات أخرى ويتأثر بها، ومن هذا انطلقت ناهد هاشم من سؤال إشكالي حول دور الترجمة في نقل المعرفة، وإعادة كتابة النصوص الأصلية، خاصة في ظل الأزمات السياسية التي تفرض على الترجمة والعاملين فيها عوامل تأثير خارجة عن العالم الداخلي للنص، وهي عوامل مرتبطة بمنظومة قيمية وثقافية متعلقة بالمتلقي الذي تخاطبه الترجمة.

وقد عالجت ناهد هاشم في ورقتها الإشكالية على مستويين الأول نظري يلقي الضوء على الترجمة ودراستها من منظور نقدي مقارن، ومستوى تطبيقي يقدم أمثلة عن علاقة الترجمة بالمتلقي وتأثرها بعوامل خارجية عن المألوف عن النص وفضائه اللغوي. وتساءلت: هل للترجمة والمترجمين دور في الأزمات السياسية يختلف عن دورهم في حال عدم وجود مثل هكذا أزمات؟ وهل الترجمة عمل يتأثر بالخلفية الثقافية والأيديولوجية التي تحكم المترجم؟ لتجيب أن الترجمة مهمة وطنية وضرورية لفهم الذات والآخر، بمعزل عما يصدر باللغات الأخرى عن سورية سواء كنا نتفق معه لجهة الرواية التي تقدم فيه أم لجهة اللغة والخطاب المستخدمين، فنحن  بترجمتنا لما يكتبه الآخرون عنا نستطيع فهم مدى فهمهم لما نعانيه وكيفية تصويرهم وتمثيلهم له، إن حركة ترجمة معاكسة -وهذا طموح كبير- سيحتاج خطة وطنية وإستراتيجية طويلة الأمد لتحقيقه، ومن مشكلات الترجمة السياسية هي منهجية ترجمة المصطلحات التي تحمل إشكالية سياسية بين البعد اللغوي والثقافي، وعلى المترجم قراءة ما ينشر عن الأزمة السورية كنص يحتاج إلى تقنيات تمزج بين اللغوي والثقافي ليقدم معنى مفهوماً وواضحاً، فالمترجم كمثقف له رأي تجاه النص بين الحياد والانخراط فيه، وختمت بتساؤل: هل يتوجب على المترجم أن يتبنى الحياد الكامل تجاه النص الذي يترجمه فيما يتصل بمصطلحات ومفردات قد تشكل حساسية لدى المتلقي؟ أم عليه أن يكون منخرطاً في عملية إعادة إنتاج النص بما يلائم المتلقي؟.

أخطاء في الترجمة

وتحت عنوان “الأخطاء في الترجمة من اللغة الفرنسية إلى العربية” قدمت د.ريم الأطرش بعض الحلول المقترحة حيث قالت:

التعامل مع أخطاء الترجمة اللغوية والثقافية موضوع غني وهام في مجال الدراسات اللغوية المتخصصة في الترجمة، إذ إن لها تأثيراً على مختلف المجالات في الحياة الثقافية والاجتماعية والمهنية. وتتطلب الترجمة معرفة لغوية جيدة للغتين لغة المصدر ولغة الهدف، والمسألة الرئيسية التي نود طرحها هي الأسباب الأساسية للأخطاء التي يرتكبها المترجم الذي يحمل العربية كلغة أم حين يتصدى لترجمة نص فرنسي. في الواقع، يمكن للغة الأم أن تكون سبباً مباشراً للكثير من الأخطاء في الترجمة، ومن الممكن أن تساعد في تجنب مثل هذه الأخطاء، ومن المعروف أن عملية الترجمة تمر بالمراحل التالية: فهم معنى النص المترجم، ثم إعادة صياغة المعنى المراد في النص الأصلي وعلى الأخص في النصوص الأدبية ومراجعة النص باللغة الهدف من أجل التأكد من إيصال المعنى بالشكل الصحيح ومن صحة اللغة المترجم إليها ومن التعابير المستخدمة، وثمة مشاكل ثقافية في الترجمة نابعة من عدم فهم عادات شعب اللغة المعنية وتقاليده ونمط معيشته.

وقدمت د. الأطرش اقتراحات للترجمة قائلة: يجب وضع تمارين في الترجمة تهدف إلى تجويد اللغتين الفرنسية والعربية في سبيل تحسين إستراتيجية التعليم والتعلم، ويمكن للمعلم اختيار نصوص تحتوي مشاكل، وعلى المتعلمين إيجاد الحلول لها مثل حرف الجر والظرف واستخدام الأزمنة والتذكير والتأنيث والمفرد والجمع والتعريف والتنكير وإنشاء قاموس ثنائي اللغة للاستخدام الشخصي بالإضافة إلى تمرين التدريب على العمليات الأساسية في الترجمة، وفي النهاية علينا محاولة فهم العملية العقلية التي يقوم بها المترجم من أجل خلق النص المترجم المكافئ للنص الأصلي من ناحية المعنى والأسلوب، والتركيز على العملية التي تخلق الترجمة أكثر من الترجمة ذاتها.

معهد الترجمة

من جهته قدم د.فؤاد الخوري إضاءة على مسيرة المعهد العالي للترجمة في جامعة دمشق منذ بداية تأسيسه عام 2006، وذكر أقسام المعهد المكونة من ثلاثة أقسام أساسية الترجمة التحريرية والترجمة الفورية والترجمة السمعبصرية وهي قسم جديد يفتتح لأول مرة ويدرس في الشرق الأوسط، والمعهد يتميز بتخريج طلاب وإعطاء ترجمة متميزة على الشاشة من دوبلاج وغيره، وهناك تقنية استخدام الحاسب نعتمدها في الترجمة التي يعتقد معظم الناس أنها مجرد برنامج “وورد” تحرير نص وقواميس وأشياء من هذا النوع، لكن في الواقع هناك أدوات جداً متطورة تسهل على المترجم الوقت والجهد تساهم في توحيد الترجمة وتبقى أفكار النص منسجمة مع بعضها. وقد صممنا في المعهد أجهزة وكبائن متميزة جداً للترجمة الفورية لا يوجد لها مثيل في الشرق الأوسط تضع الطالب في جو المؤتمرات حيث يسمع خطاباً ويترجمه تلقائياً، وليس من شروط –حسب الخوري- التقدم للمعهد الحصول على معدل عال في الجامعة، ويحق لكل الاختصاصات التقدم شرط النجاح في اختبار القبول.

بين النظرية والتطبيق

والترجمة الفورية الشفهية من أبرز التخصصات في العصر الحالي لما تتمتع به من ميزة تواصلية وتفاعلية في آنية تختصر الزمان، ولم تغفل الجهات المعنية في سورية عن الأهمية التي يضطلع بها هذا التخصص اللغوي التواصلي الحديث، فأوعزت إلى المعنيين والمختصين بتأسيس المعهد العالي للترجمة والترجمة الفورية، وحول هذا الموضوع تحدثت د.لميس العمر عن”الترجمة الفورية بين النظرية والتطبيق” وأشارت إلى رؤية الكثيرين للترجمة الفورية أنها مهنة ثانوية وتحصيل حاصل لتعلم لغة ثانية، في الوقت الذي يجب أن ترتكز فيه ممارستها إلى قاعدة معرفية متينة في مختلف الجوانب اللغوية والثقافية والتخصصية، وكل هذا يتطلب من المترجم التبحر في عوالم اللغتين، وهناك عدة معوقات تواجه هذه المهنة، كعدم وعي دقيق حول متطلبات المترجم الفوري وتحديات المهنة معرفياً وصحياً ومهنياً، وعدم وجود توصيف وظيفي واضح المعالم، بالإضافة إلى تجاهل أهمية دعم وتمكين المترجم الفوري من خلال نشاطات التدريب المهني الأولي على بيئة العمل اللوجستية والعملية، وتجاهل المشاكل الصحية المصاحبة لظروف عمل المترجم الفوري مثل تعرضه لضرر أو تلف دائم في حاسة السمع، أو وظائف الذاكرة. إضافة إلى أن المترجم الذي يعمل بصفة حرة أو مؤقتة مع إحدى المنظمات قد يواجه ضعف جودة أدوات وبيئة العمل وعدم تفهم الجهات التي يتعامل معها للحدود الدنيا من متطلبات العمل.

وطرحت د.العمر بعض المقترحات منها: المطالبة بتأسيس مرجعية اعتماد مهنية قادرة على ضبط معايير المهنة قانونياً وعملياً وأخلاقياً وتحسين ظروفها وواقعها في البلد، ورفع الوعي حول أهمية الاعتراف بمهنة الترجمة الفورية، وتشجيع أعضاء الهيئة التعليمية المختصين في المؤسسات الأكاديمية المعنية بإجراء أبحاث أكاديمية في مختلف مجالات الترجمة والترجمة الفورية.

مشكلات الترجمة في سورية

ومن جانبه رأى الأستاذ حسام الدين خضور أن واقع الترجمة يعاني من مشكلات مركبة ومترابطة وبالتالي حل إحداها يساعد على حل الأخرى فمهنة الترجمة غير منظمة وربما لم تتطور إلى درجة تحتاج فيها إلى تنظيم، ومعظم المشتغلين بها ليست عملهم الرئيسي فهم معلمون وأساتذة جامعات وموظفون في إدارات الدولة، بالإضافة إلى عدم وجود مترجمين مؤهلين في العديد من لغات العالم التي تلعب دوراً فاعلاً في الشأن المعاصر مما يسهم في تفاقم المشكلة.

وفي سبيل مواجهة هذه المعوقات يرى خضور أنه من الضروري وضع خطة تتشارك فيها الجهات المعنية للعمل على ما أطلق عليه المدير العام للهيئة السورية للكتاب اسم “المشروع الوطني للترجمة”، الذي يتطلب مجموعة من الإجراءات يرتبط تنفيذها بعمل جهات مختلفة في مقدمتها الجامعات السورية لأنها مصدر الموارد البشرية التي تحتاج الترجمة إليها، وكذلك تشكيل لجنة دائمة تعمل على تنسيق الجهود بين المؤسسات العامة والخاصة المعنية بالترجمة، ومحاولة إيجاد حلول لمشكلة مهمة جداً وهي تعرفة الترجمة.

وأوصى خضور بعدة اقتراحات منها: الفصل بين الترجمة والتأليف- الإسراع في وضع خطة تنفيذية للمشروع- العمل على حل مشكلة مادة الترجمة من معارض الكتاب العربية- إقامة ورشة عمل تجريبية للترجمة يشرف عليها المعهد العالي للترجمة بالتعاون مع مديرية الترجمة في الهيئة العامة السورية للكتاب- تخصيص جائزة تشجيعية سنوية لأفضل كتاب مترجم- تعزيز العلاقة بين مديرية الترجمة ومجمع اللغة العربية في دمشق لحل المشكلات اللغوية التي تنشأ.

جمان بركات- علا أحمد