ثقافة

محمد العلبي.. خطوط متصلة ترسم المدينة والحكاية

يعرف عن الفنان العلبي دماثة خلقه ومحبته للآخر وتأثيره في طلابه الفنانين الشباب في كلية الفنون الجميلة، وفي تلاميذ المعاهد المتخصصة بتعليم فن الرسم حيث درّس في أكثر من معهد لسنوات، ويعتبر من الفنانين السوريين المتميزين، حصل على خبرة كبيرة في فن التصوير وفن الحفر الغرافيك, وثبت لنفسه موقعا بين التجارب الجديدة التي تميزت بملامح تدل عليها بوضوح، لا تبعية فيها لأحد ولا تقليد أو تحريف مشوه لتجارب سابقة. له ما يميزه ويمنح تجربته  نكهة خاصة، على خلاف بعض التجارب الجديدة القادمة من فضاءات زرقاء تفتقد للأصالة والبحث، وللهوية الفنية. وقد أصبح الأمر في ظل تأثير الفضاء الإلكتروني أكثر سهولة ومجانية وبلا أمانة عند بعض المدعين والمشوهين، ممن وجدوا في الفن ساحة تؤمن بريقا كاذبا لهم يرضي ذواتهم البائسة، التي غاب عنها أن “حبل الكذب قصير”.

وشهد المركز الثقافي البلغاري بدمشق هذا الأسبوع افتتاح معرض الفنان محمد العلبي ضم أكثر من ثلاثين عملا منفذا على خامات مختلفة، تنوعت بين الورق المقوى والقماش والورق المطبوع، عليه تأثيرات السلم والنوتة الموسيقية في إشارة ذكية لمقدرة الفنان على استثمار التأثيرات الغرافيكية وجعلها خلفية لعمل جديد يجانب الموسيقى في صورة أدواتها، ولا ينتمي لها في حاسة السمع باعتبار أن مجال الصورة هو فضاء البحث والتأليف عند الفنان دون الولوج إلا عالم الموسيقى السمعي إلا بما يخدم حضور الصورة والأثر البصري.

يبني العلبي لوحته معتمدا على ثقافته الأكاديمية فيما يخص التكوين العام الذي ينشد التوازن الصارم، وعلى قدرته في رسم المشهد بالخط الأسود المتصل دون انقطاع، مستعرضا اللعبة الغرافيكية الحاذقة في بناء العمل الفني وإبراز معالمه الكاملة بالخط، ليتبعها لاحقا التعامل مع السطوح بقيم مختلفة من اللون والتهشير الناتج عن استخدام المادة الملونة التي تفي بالموضوع، دون الدخول في غوايات التزيين أو الزخرفة والتنميق أو تفاصيل الظل والنور واللعبة الفيزيائية الشاغلة للمصورين الزيتيين.

يرسم  مواضيعه مثل أولئك الحيارى في قصيدة النابغة الذبياني حيث يرسمون خطوط حيرتهم على التراب، ويخبئون في صدورهم ثمار الجمال والنفس، والفنان العلبي لا تنتابه إلا حيرة الباحث عن غايته في ما اكتشفته يده وهي تمشي بخطوطها المتواصلة دون انقطاع في النفس أو التأتأة ، بل تذهب إلى مرامي ووجدان راسمها الجميلة والمعافاة من قلق أو خوف عابر، يتبع خطوطه من مكان يعلو المشهد بمسافة تمكنه مشاهدة أبعد من المحيط، يبسط الأشكال ويجعلها خطوطا تتقاطع وتتشابك ثم تنتهي بانتهاء الفكرة، ومن ثم تأتي عملية أكساء عالمها الجديد من خلال فرش ألوان  ذات طبيعة مدنية، رمادية، صناعية، عقلانية ومجردة من العاطفة، تحقق غايتها الوظيفية فقط، حيث لا استعراض ولا استجداء. لوحة تخاطب الوعي وتؤثر. تحاور رائيها وتعلق في الذاكرة، لأنها تثير الفراغ والأسئلة الراكدة على عتبات أجوبة استهلكت منذ قرون، محمد العلبي الفنان يعزف على آلة الهارمونيكا ويرسم أعلى من سطح الواقع مشحونا بالأمل والتوق للمستقبل.

أكسم طلاع