ثقافة

صلاح دهني.. سينما الحب الذي كان

يُعَد السينمائي صلاح دهني الذي رحل عن عالمنا منذ أيام قليلة أحد أهم رواد السينما في سورية بعد خمسينيات القرن الماضي، فهو أول من كتب في النقد السينمائي بشكل موضوعي، وكان أول من أقام مهرجاناً سينمائياً في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية عام 1954 كما ساهم في تأسيس المؤسسة العامة للسينما، ونقابة الفنانين واتحاد الكتّاب العرب ومهرجان دمشق السينمائي، وأصدر العديد من الكتب في مجال السينما، وله تجليات أيضاً في مجال القصة والرواية والإخراج المسرحي والسينمائي.

أبو النقد السينمائي

وفي حوار أجريتُه معه عام 2002 في صحيفة “البعث” رأى الراحل أن النقد السينمائي مرتبط بوجود السينما، وبالتالي فإن السينما أو الحركة السينمائية هي التي تربّي كتاباً ونقَّاداً، لافتاً إلى عدم حضور النقد السينمائي عندنا بسبب عدم وجود متابعة للعمل النقدي، معترفاً بأن بعض الأقلام الصحفية في بلدنا أسهمت في وجود هذه الثغرة من خلال فتحها المجال لكل من أراد أن يكتب النقد السينمائي أكان مؤهلاً لذلك أم لا، مشيراً إلى أن النقد السينمائي ازدهر في فترة السبعينيات والثمانينيات وظهر عدد لا بأس به من النقاد الذين جرفتهم الحياة شيئاً فشيئاً بعيداً عن النقد، وكان يرى أن النقد تَحَوَّل إلى انطباعات فردية لا تقدم شيئاً، في حين أن النقد الحقيقي يحتاج إلى ثقافة سينمائية واسعة وإلى متابعة للحركة السينمائية في جميع أنحاء العالم، منوهاً إلى أن النقد بحاجة إلى وجود ما يسمى بـ “السينما تِك” أي مكتبة الأفلام، فالنقاد من خلال هذه المكتبة يتعرفون إلى السينما ويرون كيف تَطَوَّرَ هذا الفن ومن هم مبدعوه وما هي الإبداعات الجديدة والأفلام التي شَكَّلَت مفاصل أساسية في الحركة السينمائية، وبهذا يصبح لديهم مخزون سينمائي هائل، وعندها فقط يتمكنون من كتابة ما هو جديد ويستطيعون أن يحللوا عناصره ليقدموا شيئاً مفيدا .

مسيرة غنية

بعد أن أنهى الراحل دهني دراسة الإخراج في معهد الدراسات السينمائية العالية في باريس وعلم الفيلم في معهد الفيلمولوجيا في السوربون عاد إلى بلده، وبعد تأسيس وزارة الثقافة عمل فيها بصفة خبير سينمائي، وحينها بدأت فكرة مشروع إحداث المؤسسة العامة للسينما تدور في ذهنه عام 1960 انطلاقاً من أنه يجب ألّا ننتظر من القطاع الخاص أن يقوم بالدور اللازم لإحداث حركة سينمائية وأن الدولة يجب أن يكون لها نصيب فيها.. فتقدم بمشروعه لوزارة الثقافة آنذاك فَقوبِل بالتجاهل، إلى أن جاءت ثورة آذار عام 1963 حيث وافق مجلس قيادة الثورة على إحداث المؤسسة العامة للسينما وتم البدء بإرسال بعثات لدراسة السينما في مصر والاتحاد السوفييتي، وقد أصبح الدارسون فيها فيما بعد الركيزة الأساسية في العمل السينمائي، وبيّن في الحوار أن الطموحات كانت دوماً ومنذ بداية تأسيس المؤسسة الارتقاء بالحركة السينمائية فكان العمل فيها يتم وفقاً للخطط الخمسية لتحقيق ذلك، لتتوصل في نهاية الثمانينيات إلى إنتاج 20 فيلماً روائياً.

في العام 1956 أحدث دهني أول مهرجان سينمائي في الوطن العربي وآسيا وكان ذلك ضمن إطار معرض دمشق الدولي، وشارك في هذا المهرجان 13 دولة، منها مصر وفرنسا وإنكلترا والإتحاد السوفييتي وألمانيا، ولو أتيح لهذا المهرجان الاستمرار لكان أحد أعرق المهرجانات السينمائية في العالم إلا أنه توقف في السنة التالية عندما جاءت إدارة جديدة للمعرض ورفضت إقامة الدورة الثانية له، وفي العام 1979 شارك مرة ثانية في تأسيس وإحداث مهرجان دمشق السينمائي.

الأبطال يولدون مرتين

بقي فيلمه الروائي الوحيد “الأبطال يولدون مرتين”، وهو يتحدث عن الطفل فؤاد البري الذي يبلغ سن الحادية عشرة وقد فقد أمه وأباه في حرب 1967 وقضي حياته التالية في كنف رجل عجوز طيب في مخيم اللاجئين الفلسطينيين قرب غزة، ويُصدَم الطفل بمشهد هجمات القوات الإسرائيلية على المخيم والمداهمات والاضطهاد ونسف البيوت، فيقرر الانضمام إلى القوات التي تقاوم الاحتلال، ويصطدم برجال العدو عبر المطاردات والملاحقات، وينجح الطفل بالهروب والتخفي ويكتسب قوة وصلابة، ويترصد سيارة دورية عسكرية معادية ويلقي عليها قنبلة مولوتوف جعلت منه بطلاً حقيقياً.. وقد شارك في الفيلم الفنانون عماد حمدي، عصام عبه جي، فراس دهني، صباح الجزائري ، منى واصف، يعقوب أبو غزالة.

وقَدَّم الراحل في فترة من الفترات عدة أفلام وثائقية مثل “زهرة الجولان” و”نزهات صيفية” وغيرهما، وكان يرى أن الفيلم السينمائي الوثائقي جزء لا يتجزأ من الحياة السينمائية، فعن طريقه نتعرف إلى الحياة اليومية للناس في جميع أنحاء العالم، كما شارك في أكثر من 100 مهرجان سينمائي عربي وعالمي، وكان يرى أن المهرجان وسيلة لتفعيل النشاط الثقافي عامة ولتنشيط فكرة السينما أمام الجمهور ومناسبة لإرواء ظمأ الجمهور لبعض الأفلام التي لم يتسنَّ له مشاهدتها.

عرفه جمهور الإذاعة والتلفزيون من خلال العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية حول السينما، ففي العام 1989 بدأ بتقديم برنامج “عالم السينما” وكان استمراراً لبرنامجه الإذاعي الذي سبق وأن قدمه عام 1952 واستمر به لغاية العام 1974 حين توقف بعد أن رفض تحويله لبرنامج منوعات، ثم عاد لتقديمه وقد استمر به لمدة 15 عاماً، وكان يرى أن الهدف من هذا البرنامج إشاعة الوعي السينمائي بالدرجة الأولى وتذكير الناس بفن السينما وأهميته في العملية الثقافية والإبداعية، كما أسهم دهني في تأسيس مجلة “الحياة السينمائية” عام 1978 وكانت صوتاً مهماً في مجال السينما، وتُعد اليوم مرجعاً عاماً للباحثين والدارسين .

مؤلفاته :

في الأدب : -ملح الأرض- رواية- دمشق 1972-حين تموت المدن- قصص- دمشق 1976- الانتقال- قصص- دمشق 1986- أصوات في الليل- فصول مسرحية وإذاعية- دمشق 1986- ديان بيان فو- مسرحية- دمشق 1956- رسالة مفقودة- مسرحية  لكاراجياله-  ترجمة- بيروت 1955- البلطة- رواية لسادوفيانو- ترجمة – دمشق  1964- المفتش العام – مسرحية لغوغول- ترجمة- بيروت 1954- 16قصة جديدة من العالم- ترجمة- بيروت 1988.

في السينما : -قصة السينما- دراسة- بيروت 1951-قصة السينما في سورية- دراسة- ( بالاشتراك مع رشيد جلال) – دمشق 1963-دعوة إلى السينما- دراسة- دمشق 1979-سينما سينما- دراسة- دمشق 1979- حياة غودار وأعماله- ترجمة- حلب1972 -السينما الجديدة- ترجمة عن اليونسكو – دمشق 1974- قضايا السينما والتلفزيون في العالم العربي- دراسة- دمشق 1992-معجم المصطلحات السينمائية- عربي، فرنسي، انكليزي، بالاشتراك- دمشق1965.

أخرج للسينما : – “الأبطال يولدون مرتين” – فيلم  روائي طويل- 1977 أفلام وثائقية قصيرة: نزهات صيفية- الماء والجفاف- أخبار الثقافة- المعجزة الخالدة- بصرى- الآثار العربية في سورية-  الزجاج في سورية في 40 قرناً- زهرة الجولان- ابن النفيس- الفن العربي الإسلامي.. وغيرها.

أمينة عباس