ثقافة

إحسان العرّ.. الخبرة في احتمالات جديدة

يشهد للفنان النحات إحسان العر حضوره في الحياة التشكيلية السورية بمساريها اليومي النقابي بصفته رئيس إتحاد الفنانين التشكيليين وأستاذاً في قسم النحت في كلية الفنون الجميلة، وشغل رئيس القسم لسنوات كما شغل مواقع إدارية أخرى في الجامعة، إلى جانب نشاطه الإبداعي المميز وبصمته الخاصة التي أكدها منذ سنوات تخرجه وحصوله على شهادة الدكتوراه، وما نفذ من أعمال نحتية تنوعت بين التجريدية والتجسيدية والأعمال المفاهيمية، كما منحته خبرته في أعمال فن الميدالية ذلك الحس التقني الواعي المبني على الخبرة الأكاديمية العلمية، وأضحى من أوائل النحاتين السوريين الذين يتعاملون مع خامات متعددة ومتباعدة في الأداء، أكسبت التجربة صفة الخصوصية والسعة في التنوع والتجدد، كما يعرف عنه بحثه الجاد في الأعمال المعدنية وخاصة الأعمال المباشرة في مادة الحديد المعروفة ببأسها ودهشة النتائج التي يمكن الوصول إليها في الأعمال التركيبية المباشرة والأعمال النصبية الكبيرة، مثلها مثل الأعمال البازلتية المنفذة بمفهوم الفكرة المفتوحة على التأليف المفاهيمي الجديد الذي خاضه النحات العر منذ سنوات فاتحا الطريق أمام العديد من النحاتين المجدين نحو الولوج في لغة من الحوار المفتوح بين العمل والمتلقي، وجعل أفق الفكرة واسعا أمام احتمالات جديدة من المعنى وتردداته في لغة الفن والتعبير, وفي هذه الأيام تدخل هذه التجربة معتركا جماليا جديدا بالتعامل مع مادة الخشب، هذه المادة النبيلة التي حاورها النحات العر بلغة تجريدية محببة للمتلقي تتصف بلطف التعبير والسلام، والعبارة البصرية التي اعتنت بالحركة اللينة وجعلت منها الموضوع الأساس للمعرض الجديد الذي افتتح في غاليري جورج كامل مؤخراً، ضم 17 عملا نحتيا من مادة الخشب وعملا واحدا من المعدن، وبورتريه على حامل تمت دراسته بعناية، أما البقية من الأعمال فتوزعت بين ثلاثة أنواع من الخشب جاء النصيب الأكبر منها منفذا على خشب الصنوبر.

هذه الأعمال تنتمي إلى فنون نحت الحجرة أو الصالون، تقارب بلغتها التجريدية وتكويناتها المدروسة القائمة على الارتكاز والتوازن الأفقي حينا وترتفع بتسام نحو الشكل العامودي المنتصب بتوازن ثابت، هذا التكوين مرده النفسي إلى روحية الفنان وسلوكيته المتزنة التي تعنى بالانضباط والحسابات البنائية الأكاديمية، فكانت الأعمال امتداد وجدانه البصري ولغته المتوازنة المتأنية، وإن فتن بالموسيقا والحركة وحاول في أغلب الأعمال تقريبها إلى النحت والاستفادة منها كعنصر أساس في العمل، إلا أن فتنته بالنحت المصري واضحة جلية، خاصة في آثار الفنان المصري محمود مختار العظيمة، تلك النصب التي تمتد إلى النحت الفرعوني وتجسد الإنسان المصري ومواضيع وادي النيل، كانت هذه الأعمال تحتفي بالحركة والتأليف والرومنتيكية في الموضوع  المتجوهر في البناء الانسيابي في جملته الإنسانية التعبيرية، حيث ضخامة المادة ورقة الحركة والـتأليف، ويتضح من خلال الجوانب الملتفة واللينة والسطوح المهشرة التي أغنت القيمة الفنية، ولم تكن زجا أو ازدحاما تزيينيا، بل بوظيفة الإغناء والتنوع في الإيقاع البصري.

يرتقي هذا المعرض لمصاف المعارض الأكثر أهمية والتي تشهدها العاصمة وبكم غير عادي، فيه من المتواضع وفيه من الغالي والثمين، وقد وفقت إدارة صالة كامل للفنون الجميلة باستضافتها لهذه الأعمال محققة تقدما واضحا في رصيدها الفني، وأثبتت جدارتها في منافسة الكثير من صالات المنطقة العربية رغم الحرب وآثارها على حياة السوريين، إلا أن هذه المعارض النوعية بجمهورها جعلت من الحياة شيئاً أكثر من ممكن ومتفوق برافعة الجمال والإبداع التي تميز بها السوريون.

أكسم طلاع