النحل يضل طريقه في “طريق النحل”

بين حب البقاء في الوطن وملاحقة حلم السفر بحثاً عن حياة خالية من الحرب والأزمات، يقدم المخرج عبد اللطيف عبد الحميد فيلماً لطيفاً بعنوان “طريق النحل” –تأليفه وإخراجه- يحكي قصة “ليلى، جيانا عنيد” طالبة في كلية الطب البيطري يقع في حبها ثلاثة شبان، ويبدأ الصراع عبر حكاية وجدانية في ظل حالة من الحرب والفوضى والكثير من الإحباطات والألم الذي تولده هذه الظروف على علاقة حب عاصف بين رجل وامرأة، ليبقى اتخاذ القرار في ظرف مأزوم وصعب أمراً في غاية الصعوبة، خاصة عندما يفقد الإنسان أغلى مالديه كالأب والأم وأخ صغير، وآخر يكبرها في السن ينتظر أوراق الهجرة إلى كندا، عندها يصبح الإنسان مضطراً للمفاضلة والاختيار مهما كلفه ذلك من ألم وحرمان، و”ليلى” الفتاة الواقعة في حيرة من أمرها يضعها المخرج أمام مواقف يصعب فيها الاختيار بين طلب “عادل” ابن خالتها وخطيبها السابق اللحاق به إلى ألمانيا، و”رمزي، يامن الحجلي” الشاب الذي يعمل في الإسعاف ويملك موهبة تقليد الأصوات، وبين إعجاب الرجل الوسيم والممثل “سليم”، بيير داغر، وفي النهاية تختار الحب مع الشاب “رمزي” والبقاء في وطنها رغم كل ما يمر به من ألم.

كوميديا

لم يتوقف المخرج المبدع عبد اللطيف عبد الحميد يوماً عن رسم الابتسامة والضحكة على وجوهنا، فهو المتميز والقادر دائماً على صنع كوميديا، وهي الطابع في كل أفلامه وبطريقة مختلفة في كل مرة. وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء عند عرض فيلم “رسائل شفهية” نرى أنه لم يخرج أحد من صالة إلا والدموع تملأ العيون من كثرة الضحك، وتحت مطر الشتاء يتعرض بسام كوسا للرمي بأحذية لينا حوارنة في فيلم “نسيم الروح”، وفي “طريق النحل” الذي لم نجد فيه قصة حقيقية أو عميقة إلا أن لحظات الضحك لم يستغنِ عنها عبد اللطيف، فهي الحالة الوحيدة التي غلبت على الفيلم دون إنكار بعض لقطات الجرأة التي لم تغير من مجرى الأحداث أبداً، فقد  وجدت دون أي توظيف.

ظهور خاص

في فيلم “العاشق” وتحديداً يوم الافتتاح أخبر المخرج عبد الحميد عن ظهور خاص للمخرج جود سعيد، وكان الواضح من خلال حماسته أن الدور مهم جداً، حتى ينتاب المشاهد شعور أنه سيغير مجرى الأحداث ويقلبها رأساً على عقب، لتكون المفاجأة بظهور مخرج “مطر حمص” بلقطة وحيدة يتيمة لا تفعل شيئاً وكما يقال “وجودها وعدمه واحد، لكنها مرت”. ومن جديد في فيلمه هذا يعيد الكرة المخرج بما يسميه ظهوراً خاصاً في فيلم “طريق النحل” ولكن هذه المرة بفارق عدد الأشخاص في الظهور، فقد “استخدم” أربع شخصيات وكانت البداية مع ظهور الممثلة سلاف فواخرجي بمشهد بسيط جداً وكأنه من حياتها اليومية، وفي مشهد آخر يجمع عبد الحميد في جلسته الكاتب حسن سامي يوسف والروائي محمود عبد الواحد وهم يتناقشون عن الفيلم الجديد، وأغلب الظن أنه مشهد لم يكن ذا أهمية كبيرة وكأنه زيادة لقطات لا أكثر ولا أقل، أما أن يظهر المخرج أحمد إبراهيم أحمد بدور صغير جداً لا يتجاوز الدقيقة الواحدة بدور طبيب في غرفة الإنعاش فهو سؤال يستدعي إشارات استفهام كثيرة، ويبقى يدور في الذهن هل هذه المداخلات هي مجرد ظهور خاص كأسماء مهمة يمكن أن تنقل الفيلم للمهرجانات العربية أم هو بالفعل زيادة لمشاهد الفيلم الذي استمر لـ ساعتين تقريباً، والسؤال الأهم هل لدينا نقص بالكادر التمثيلي حيث لا يستطيع أحد أن يؤدي دور طبيب؟.

مواهب

ولا أحد ينكر عبقرية المخرج عبد اللطيف في الكتابة والإخراج، إلا أن السينما أو الدراما أو أي نوع من أنواع الفنون يبحث فيها المشاهد عن الفكرة لينجذب إلى العمل الفني، وقد أظهر مخرج وكاتب “طريق النحل” من الكوميديا مايكفي، وعندما خرجنا من صالة العرض وسئلنا عن رأينا بالفيلم كان الجواب “ضحكنا كتير فقط”.

في الفيلم يبحث المخرج عن ممثلة لفيلمه الهادف والمهم جداً، لتكون المفاجأة في النهاية أنه مجرد فيلم يمكن وصفه بأنه لا يمت للأهمية بصلة، ولا يملك شيئاً من الحب الوهاج –حسب تصريح المخرج-، في اللحظات الأولى من الفيلم يبحث المخرج عن موهبة مميزة لفيلمه ويقع الاختيار على الفتاة “ليلى” التي اختارها دون أي اختبار أو امتحان لتكون بطلة فيلمه “العظيم” وتمارس دورها وكأنها متمكنة وتملك من الخبرة ما يكفي لتلعب دورها دون أي خطأ أو تكرار في المشاهد، فهل التمثيل أصبح بالفعل مهنة متاحة للجميع؟. ومن ناحية أخرى يملك رمزي “يامن الحجلي” موهبة تقليد الأصوات، ومن المفترض من يملك موهبة عليه استثمارها في تغيير مجرى الأحداث أو تطويرها، لكنها كانت مجرد أداة عادية تستخدم لأجل ضجة إعلامية لا أكثر.

أخيراً

“طريق النحل” فيلم يحكي قصة “عادية” مستمدة أحداثها مما يجري من أحداث في سورية، يعالج من خلاله بعض هواجس الشباب السوري في سنوات الحرب الغاشمة ويلعب دور البطولة فيه ممثل لبناني، لا يمكن إنكار الدور الجميل الذي أداه بيير داغر، إلا أن السؤال الأهم هل اختفى الفنانون السوريون جميعاً ليتم الاستعانة بممثل لبناني أم أن الدور الذي لعبه داغر يفوق قدرات الممثل السوري؟ أم هناك غاية أخرى؟.

جمان بركات