ثقافة

فلتعيدوا ما سرقتم من زمن جميل

إنه الماضي وما أدراك ما الماضي..! إنه الزمن الجميل جملة باتت افتتاحية أو خاتمة أغلب أحاديثنا التي قد تدور بيننا وبين الآخرين أو ربما بيننا وبين أنفسنا..
لماذا يكتسب الماضي صفة القداسة لدينا؟ والبحث عن الزمن الضائع أيضاً..
لا نستطيع بعيداً عن كل ما يجري حولنا من خراب أن نسأل لماذا الحنين إلى زمن ماض نسميه بالجميل.. أتراه كان جميلا حقا أم أن للذاكرة غربالا يحتفظ بأطيب الحبات مذاقاً والصور بهاء؟!
ألقسوة الحاضر المعاش مثلاً وقد طالت النزاعات والحرب وأول ما طالت الأمهات والأطفال في سنواتها السبع، وقد وضعت قدمها اليمنى في السنة الثامنة والحال من سيء إلى أسوأ!
أهو حنين لما نسميه في أدبياتنا عادة بالزمن الحلو والماضي العزيز مهما تخلله من قبح نسبي أحياناً.. أم لعله تعويض عن قسوة الراهن..؟ ثم أليس في الزمن الغابر ظلم وقسوة..!
لو شئت الحديث عن الفارق بين زمن وآخر ولاسيما عندما نستقبل أحد الأعياد وأنت تقف على حدود النار ولا يفصلك عن الموت سوى حظ جيد ورائحة بارود تعبق في المكان وتتلف الأرواح.. لقفزت وهتفت فوراً (يا الله كم تأثرت ألعاب الأطفال وثياب الأطفال ونفوس الأطفال بما جرى ويجري في بلادي في السنوات سيئة الذكر السبع الماضية).
هناك مشاهد تأخذك إليها عنوة حيث يؤديها بكل براءة مجموعة من الأطفال يؤرخون  بها لجيل جديد من الألعاب مثال ذلك الطفل الذي يجثو على ركبتيه أمام كرسيين اثنين وقد وضعا كحاجز يشبه الحواجز المنتشرة في أحياء المدينة.. تلك المدينة التي هي الأقدم في التاريخ.. محاكاة صريحة لواقع حياة الناس في بلدهم منذ سنوات.. ويبدأ الطفل الثاني بتفتيشه تماما مثلما تخضع السيارات المتوقفة أمام الحاجز وفجأة يصرخ بصوت فظيع مفخخة ويطلقون أصوات تشبه إطلاق النار(ططططططط) وبانتهاء المشهد يعلو الضحك بين جميع الأطفال ويعودوا لبراءتهم من جديد ليبحثوا عن لعبة أخرى على غرار ألعاب الكبار، حيث الأسف سيد الموقف على تلك الطفولة التي اخترقت من قبل ثقافة الدم والإجرام.. وهذا المثال الذي حاولت ذكره وتوثيقه ما هو إلا المثال الأرحم والأبسط من بين مشاهد وأمثلة كبيرة يحياها ويحاكيها أطفال عصفت ببلادهم رياح وأحداث الربيع الأسود أو المخاض العسر أو الزلزال العربي..
كل هذا يجعلك في حيرة من أمرك وأنت تتساءل عن ماهية الخطاب القادم وبالذات أطفالنا.. ماذا سنخبرهم وماذا سنقدم لهم وكيف سنبرر لهم كل هذا الظلم الذي لحق بهم بلا أي ذنب سوى أنهم من تلك البلاد التي رفضت الانبطاح.. أتذكر جملة مؤثرة قالها ذات يوم حبيب البؤساء المفكر والروائي فيكتور هيغو والتي مفادها (لا تقل لي كم هو القمر مضيء، بل أرني وميضاً من الضوء على زجاج محطم) ما أقرب هذا المعنى إلى الإجابة الممكنة عن سؤالنا حول ماهية أو ما يشبه الخطاب القادم لأطفالنا في السنوات القادمة..لا أعرف لماذا أرى هذا الخطاب أقرب لمأساة بائعة الكبريت ألا تشبه شريحة كبيرة من أطفال بلدي.. أنا أجزم بأن بائعة الكبريت بكل مآسيها قد ترأف لما آل إليه حال هؤلاء الأبرياء..!

لينا أحمد نبيعة