ثقافة

مسلسل “الواق الواق”..إلى اللقاء في الجزء الثاني

صحيح أن المسلسلات تقوم عادة بالترويج لمشروعها كونه مادة سوف تُباع، وكون هذه صناعة، شأنها في ذلك شأن أي صناعة أو سلعة أخرى، فلا بأس أن يصدر بعض الأخبار المقتضبة عن المشروع، تمهيدا لتسويقه، لكن ما يصدر عن مسلسل “الواق الواق” منذ أشهر عدة، يتعدى الترويج، فنحن أصبحنا نعرف عن القصة أنها، التالي: (مجموعة بشرية سقطت بهم طائرة في واحة صحراء مصر، بينهم الفلاح والعامل والمثقف والعالم ورجل الأعمال الانتهازي الذي يفرض سلطة على موارد الواحة، ممارسا حكما شموليا على هذه المجموعة من البشر مرتكزا على سلاحه وذكائه وجبروته) ولكن عذرا! ربما وقعت في الخطأ والقصة التي بين قوسين ليست هي قصة “الواق الواق” بل قصة أخرى تشبهها، وهي التي ظهرت في  فيلم “البداية” -1986-لمخرجه “صلاح أبو سيف” ومؤلفه “لينين الرملي”، ولكن ربما لأنها تشبه قصة مسلسل “الواق الواق” فقد التبس الأمر عليّ، ويا ليت المشكلة اقتصرت على معرفة القصة فقط، بل تعداها وأصبحنا نعرف شخصيات محددة منها، الآن نعود إلى قصة “الواق الواق” ولكي لا نطيل عليكم بسرد قصته عودوا سبعة اسطر فقط إلى الخلف وانظروا إلى الكلمات التي بين القوسين، ثم استبدلوا الواحة بجزيرة، والطائرة بسفينة”، أما الشخصيات فربما قام كاتب” الواق واق” بتبديلها نيابة عنكم، وليس فقط كل ما سبق هو ما عرفناه عن المسلسل، بل لقد دخل الكاتب في نقاش مع الجمهور حول شخصياته، وأخذ يوضح أن شخصية المارشال “عرفان الرقعي” لا تمت إلى “القذافي” بصلة كما ذكرت صحيفة تشرين المحلية -الكاتب لم ينف الخبر حتى تاريخه-.

إن معرفة قصة المسلسل منذ الآن، وقبل أشهر من عرضه، بل كنا قد بدأنا بمعرفتها أثناء بداية تصويره، يدفعنا إلى طرح سؤال: ألا يعتبر ذلك مصادرة لأراء النقاد وحتى الجمهور قبل بدء العرض؟، ما سبق يعني:يجب أن يعجبكم غصبا عنكم! ومن لديه اعتراض أو تساؤل أو شكوك، فها نحن نجيبه عنها منذ الآن، أنت فقط تفرج واستمتع، ولا داعي للتساؤل.

لا شك أن كاتب العمل ومخرجه ومصمم مونتاجه، مرتاحون الآن، فلا داعي لكي يبنوا –على مستوى النص والإخراج والمونتاج- لا داعي أن يبنوا، لحظات تشويق ومفاجأة وإثارة ودهشة بالغرق والوصول إلى الجزيرة، وهذا جزء صعب من المسلسل، يقوم نجاحه على اقتناع الجمهور، بكيفية وصولهم إلى الجزيرة، لا أن يؤسسوا للشخصيات التي لم نعلم بعد القدر الذي يواجهها، فهناك خمس مصادفات، يجب أن تتكرر، لكي يصلوا إلى الجزيرة، أن ينجوا، وأن يعثروا على جزيرة، وأن تكون فارغة من الناس، وأن لا يتوفر مع أحدهم أداة اتصال مع العالم الخارجي، وأن يحدث أن لا تلمحهم أي سفينة أو أي طائرة طوال فترة القصة، مع أن الجزيرة في البحر المتوسط.

الجمهور لن يشعر بنقاط الضعف السابقة التي تآلف معها، لأنه بات يعلم سلفا من خلال فترة الترويج طويلة الأمد للعمل سالف الذكر أن هناك جزيرة خاوية تنتظرهم، ويعلم أنهم سينجون وحتى من سوف ينجو، وكيف هو شكل المنازل التي سوف يبتكرونها، والكثير عن شخصيات العمل، التي عرفنا عليها الكاتب بالمؤتمرات الصحفية، والأخبار المتطايرة في الليل والنهار من موقع التصوير، أي في الأخبار وليس في القصة، إذا عندما يبدأ عرض مسلسل “الواق الواق” ونجلس للمشاهدة، عندئذ ونحن نتفرج سوف نرى قصة نعرف عنها الكثير، فتكون مشاهدتنا بمثابة، مشاهدة للجزء الثاني منه، أما الجزء الأول، فقد أخبرونا عنه الكثير.

ومن يدري ربما يكون دفاع الكاتب أن شخصية الماريشال “عرفان الرقعي” لا تمت بصلة ل “فلان” هو تمهيد لكي لا يظن أحد مستقبلا، أن شخصية الكابتن “طنوس” تمت بصلة أيضا لشخصية الكابتن “نامق” في مسلسل “الأنيميشن” الذي شاهدناه في الطفولة “عدنان ولينا”، المأخوذ عن رواية “المد الهائل” للروائي الأمريكي “الكسندر هيل كي” المعروف بروايات الخيال العلمي.

من المستبعد أن تكون هذه الإجراءات الدعائية والإعلانية بهدف الترويج، لأنه ليس من الحكمة في شيء “حرق” أحداث مسلسل، خصوصا وأن التشويق عامل مهم في الترويج وزيادة نسب المشاهدة، بل إن صُناع العمل يضحون بالتشويق للتغطية على رداءة القصة، فهذه الشخصيات الكاريكاتيرية، يصعب على الجمهور تقبلها إذا رآها للمرة الأولى مع بداية المسلسل، لذلك لا بد من تمريرها على دفعات في هيئة كبسولات درامية، لتهيئه حتى يصبح على أهبة الاستعداد للجلوس والمشاهدة والإعجاب بشخصيات عاشت في خياله منذ أشهر، ورأى أماكنها ومرافعات الدفاع عنها وتوضيحها، ورفع اللبس عنها أيضا.

تمّام علي بركات