ثقافة

صحافة المواطن المستقبل الآن

لم يرد الأديب “حسن م. يوسف” في محاضرته التي ألقاها في ثقافي كفرسوسة جاءت بعنوان “صحافة المواطن المستقبل الآن” أن تكون تقليدية أو حتى أن يتسم هو بهذه الصفة، بل أراد ولو بشكل سريع أن يمر على هذا العنوان على أمل أن يأخذ الحضور -على قلة عددهم- معهم أفكاراً عسى أن تكون ذات نفع لهم، وحاول أن يعرض مداخلته بشكل حديث، لكن وسائل التقنية في المركز لم تساعد على ذلك، فكانت البداية مع محاولة سريعة لاستعراض تاريخ الصحيفة والصحافة معتبراً الافتتاحية هي “أس” الكلام، وأن الصحافة ما هي إلا بناقل للأخبار، فالصحافة عبر التاريخ مورست بشكل بدائي في منطقتنا، وأول مكان لها كان في المعابد القديمة حيث كانت تنحت الأخبار على صخور وتوضع في المداخل ليتسنى لكل الناس قراءتها، وتطرق إلى مثال بأن أول صحيفة متعددة اللغات كانت حجر رشيد المكتوب بثلاث لغات، السفلى بالخط الديموطيقي الذي يفهمه العوام، اليوناني، والثالث الهيروغليفي المخصص للكهنة، وأول جريدة بالمعنى الدقيق لها أي ورق وحبر وأخبار كانت “الديلي كورانت” التي صدرت في لندن عام 1702، وعندما صدرت هذه الجريدة كُتب عن الصحافة “إذا كان التاريخ هو الذي ينشئ الأحداث فإن الصحافة هي صدى هذه الأحداث وهي لا تكذب، إلا إذا نقل إليها خبر كاذب، وعلى الملوك والأمراء أن يتركوا لها حرية المرور والانتشار تدعيماً للحريات”. وقد عرف العالم العربي الجريدة من خلال الحملة الفرنسية على مصر مع نابليون بونابرت الذي أصدر جريدتين باللغة الفرنسية، وبعد فترة  أصدرت واحدة بالعربية واسمها “الحوادث” وقد توقفت هذه الجرائد بمجرد انتهاء الحملة النابلوينية.

أول ظهور لصحافة المواطن

بعد المرور السريع على تاريخ الصحافة، انتقل “يوسف” إلى موضوع محاضرته “صحافة المواطن” التي يرى أن مفهومها قد بدأ متزامناً مع الحادي عشر من أيلول حيث أن كل وسائل التواصل التقليدية من تلفون وفاكس اختنقت، وبالتالي كان التوجه نحو الوسائل الالكترونية مثل الانترنت والإيميل هو البديل، لسهولة انتقال الكلام والصوت والصورة،  أول من استخدم المصطلح بشكل موثق في ذلك الوقت  الباحثة الكولومبية الأمريكية “كلمينسيا رودريغز”، التي لم تكن وحدها من حاول أن ينحت المصطلح فكان هناك كاتب تقني أمريكي يكتب في مجال الكمبيوتر”دان غليمور” والتي أطلق عليها اسم “صحافة القواعد الشعبية”، وهناك مصطلحات مختلفة مثل الإعلام البديل، صحافة الشارع، الصحافة التشاركية والإعلام مفتوح المصادر، كما أطلق الإعلام الديمقراطي كنوع من الصحافة له دلالته المستقبلية، لأن كل مواطن يستطيع أن يكون صحفي بواسطة الموبايل الذي يحمله.

ويعرّف “الأديب” مصطلح صحافة المواطن على أنها صحافة ينشئها مواطن أو مجموعة مواطنين يلعبون دوراً فعالاً في عملية جمع المعلومات وتحليلها وإجراء المقابلات وتداولها بغرض تقديم أخبار مستقلة وموثقة وصحيحة. ويتساءل “يوسف” إن كان هذا أفضل تعريف مثالي، وكيف تحققت صحافة المواطن على أرض الواقع، موضحاً أنها تحققت بشكل أسوأ بكثير من هذا التعريف المفرط في مثاليته.

المؤسسات الإعلامية وصحافة المواطن

وما تزال المؤسسات الإعلامية الكبرى تدعي أنها المصدر الأساسي للحقيقة، نظراً لأن أخبارها تمتاز بموضوعية وثقة أكبر من الأخبار التي يسجلها المواطن أو المدون، وهنا يجد “يوسف” أن وسائل الإعلام التقليدية تتسم بخطاب من طرف واحد هو التلفاز الذي يقدم الحقيقة كما يراها وعلى المشاهد تقبلها، فلا يستطيع أن يتفاعل معه أو يعطيه رأيه بما يقول، فأهم السمات في المؤسسات الإعلامية التقليدية هي تبعيتها للمالك، ويطرح مثالاً عن جريدة نيويرك تايمز التي نشرت فضيحة “ووترغيت” سنة 1972، ويتساءل “لو أن صاحبة الجريدة قررت في تلك اللحظة أن ترفض نشر التقرير كان من الممكن أن لا نعرف ما حصل، وكان الرئيس نيكسون قد نجا من مشكلة كبيرة، ولربما تغيّر تاريخ البشرية.

ويرى المحاضر أن استخدام صحافة المواطن أخذ طريقه للظهور قبل احتلال العراق عندما رأت إدارة قناة “بي بي سي” عدم قدرتها على توفير العدد الكافي من المصورين الصحفيين لتغطية الملايين من الناس الذين سيخرجون للتظاهر في مختلف بلدان العالم للتعبير عن مواقفهم ضد الحرب، فما كان من المحطة إلا أن طلبت من مستمعيها ومشاهديها موافاتها بالصور ومقاطع الفيديو التي يلتقطونها بكاميراتهم الرقمية أو بهواتفهم الذكية، وهذا يوضح أن المؤسسات الإعلامية الكبرى بدأت تعترف بأهمية وخصوصية مواقع التواصل الاجتماعي وصحافة المواطن، التي كان مجالها الأوسع عندما ظهر “الفيسبوك”عام 2003 و”التوتير” عام 2006، وقد استثمرت المؤسسات الإعلامية الكبرى صحافة المواطن بشكل مدروس خلال ما سمي بـ “الربيع العربي” فكانت أول تجربة ميدانية لصحافة المواطن في بلادنا.

الصحافة وخياراتها

كذلك تمر الصحافة بلحظة فريدة في تاريخها، فلأول مرة يتم تهديد هيمنة الصحافة كحارس لبوابة الأخبار ليس من قبل التقنيات الحديثة فحسب، بل من قبل الجمهور الذي تقوم بخدمته، هكذا وصفها “يوسف” متسائلاً: كيف سيكون مستقبل الصحافة؟ هل ستموت الصحافة التقليدية؟ هذا سؤال المستقبل وحده كفيل بالإجابة عنه الخيار الوحيد المتاح أمام الصحافة التقليدية هو إما أن تجاري تطور العالم أو أن تندثر فليس هناك خيار آخر، ففي الماضي كان الخيال الإبداعي يسبق التكنولوجيا ويمهد لها، أما الآن بعصر النانو تكنولوجي أصبح الخيال من يلهث وراء التقنية.

وكان للأديب “يوسف” وقفة صغيرة مع فكرة أرقته قليلاً حول “ما الذي ينتظر البشرية في المستقبل؟ فالسياق العام يتجه نحو تعزيز وهم بأن الفرد حر، يختار طريقة عيشه، لكن في الحقيقة  تقوم حكومة العالم الخفية بتحويله إلى عبد من خلال التقنية الذكية التي تخضع للتحكم المركزي” وسؤال صغير “من يخدم الآخر؟ أنا أم الهاتف الصغير؟”.. قلق أراد بكل صدق أن ينقله للموجودين مضيفاً “من لا يتسلح بالعلم يكون ضحية له”.

علا أحمد