ثقافة

خُضْرُ الدِّمَن

غسّان كامل ونّوس

إذا كانت “خضراء الدِّمَن” تعني: “المرأة الحسناء في المنبت السوء”؛ كما جاء في حديث شريف؛ بصرف النظر عمّا هو مختلف عليه من درجة قوّته وضعفه، فإنّنا لا نختلف على معناه، الذي لا يتوقّف على المرأة، التي تبدو جميلة، وتُبدي حسناً وزينة، وضرورة التنبّه إلى أصلها وتربيتها، قبل الوثوق بها، والتزوّج منها؛ خوفاً على الذريّة والحياة والمستقبل؛ بل يمكن أن ينسحب إلى كائنات أخرى؛ ذكوراً وإناثاً، في حالات متنوّعة، وفي مختلف الميادين والمجالات.
ويمكن أن نرى شريحة مهمّة من هذه الكائنات، من الضالعين في الفساد، الذين ظهروا وتكاثروا منذ سنين، وازدادت حركتهم، ويستفحلون في غيّهم خلال الأزمة/ الكارثة التي نعيش؛ نتيجة العدوان المتّصل على سوريّة منذ حوالي سبع سنين، وهم المشهورون عادة بأناقتهم الشكليّة، وربّما اللفظية، والمنظورون في مواقعهم، وترفهم، وبذخهم، ونهمهم.. ونعرف، ويعرفون، أنّهم خرجوا من “الدِّمَن”، التي يخلّفها الفساد، بمختلف أشكاله، وتحوّلاته، ومراكز تمركزه وانتشاره. وعلى الرغم من أنّ على من ابتلي بالمعاصي أن يستتر؛ فمنهم من لا يخجل من هذا، ولا يُنكره، و”إذا لم تستحِ…” واستغراقاً في التخويض القاتم، قد يتباهى بما يرتكب، وينظّر في مشروعيّة ذلك، من باب العصرنة، والحاجة، والدهاء، والشطارة، والفهلوة!
وإضافة إلى ذلك، وإمعاناً في الصيد في السوائل العكرة، وربّما من باب التضليل الفجّ أو الممنهج، والتشويش والتعمية وافتعال الضجيج، وتكثيف التصويت، الغوغائيّ، الذي يحول دون التمعّن والتفكير والتدقيق؛ فإنّ بعضهم لا ينقطع حديثه عن الفساد، والمفسدين في مختلف اللقاءات والتجمّعات الخاصّة والعامّة والرسميّة، وأنّه أصل البلاء؛ داعياً إلى مواجهته، ومحاسبة ممارسيه؛ مُتّهِماً الآخرين به، ومُديناً من يقوم به، أو يسكت عنه، ومنفّذاً أحكامه أيضاً..
إنّهم يستطيعون بأساليبهم، وإمكانيّاتهم المادّيّة والمشهودة، ونفوذهم، ونفوذيّتهم، وزئبقيّتهم، وحربائيّتهم، أن يحصلوا على أيّ شيء، وفي أيّ وقت، ويزايدوا على أصحاب المواقف الحقيقيّة، ويموّهوا على ما يريدون، ويشوّهوا من يشاؤون؛ ويضغطون بكلّ الوسائل والأدوات والأشكال، من أجل ذلك؛ فإنّ كائنات الدمنة بلا حصانة قيميّة وخلقيّة، ولا معنى للكرامة لديهم، والغاية تسوّغ الواسطة.. ولعلّه من قبيل المصادفة المناسِبة، أن يطلَق على العملة المهمّة المعروفة عالميّاً الصفة/ اللون (الأخضر)، وهو ما يذكّر بهم، ويربطهم، بقصد أو من دونه، بمن يريدون في الخارج خراب المؤسّسات والنفوس فيها وخارجها؛ إنّهم تربّوا برعاية أموال الفساد ومفاهيمه، وتعلّموا بطرقه وحِيَلِه، وأخذوا مقاعد سواهم، في الخارج والداخل، وتوظّفوا بالسبل إيّاها، ومارسوا أعمالهم بما تشرّبوه من تعاليم وتعاميم، ووسائل، ومفاهيم روّضت أو حوّرت؛ ليسهل الادّعاء بها، أدلّةً وشواهدَ وبراهين، ليس من السهولة دحضها، ويستطيعون بعلاقات وصفقات، أن يؤمّنوا من يؤكّدها، ويثبتها، ويَحْكُمْ بناء عليها!
إنّهم ليسوا أشباحاً ولا كائنات من الجنّ، وحاشى أن يكونوا من جنس الملائكة، أو كائنات خفيّة، حتّى لا نراهم، أو نختلف عليهم؛ إنّهم بيننا، أمامنا، علينا، في كلّ طريق ومفترق وجسر ومعبر، في أيّ ميدان وحلبة وفوز، ويطلّون، قد يطلّون من أيّ نافذة ومنبر..
يسبقونك في الشكوى من أعراض الفساد، وأمراضه، واستعراض تأثيراته الكارثيّة على الوطن، الذي يتباكون عليه، ويتجاوزونك في محبّته والحرص عليه، وتكريم المضحّين في سبيله؛ فهم يدفعون أكثر، ويستقطبون الأضواء أكثر، ويتسلّقون الدرْجات إلى النوافذ والأسطح بيسر وتسهيلات؛ للظهور والتلويح بالرايات والشعارات، وينحدرون إلى القيعان ليغرفوا، أو ليستغرقوا في طمْيِهِ أسرع، وبلا غضاضة أو تردّد، وبما لا تستطيعه، ولا تريده! ولم يكتفوا بالمظاهر والآليّات، ولا بالوكالات المستوردة، والمنشآت المستحدثة؛ بل صاروا أصحاب فضل؛ بل هم أهل الخير، في زمن الشحّ والسؤال.. ونخشى بعد أن صار ما صار، وبعد أن صالوا وجالوا وشادوا ومادوا، أن يكون لهم قرار، أو فصل، أو رأي ملزم، فيما يتعلّق بقضايا إعادة الإعمار للمادّة والإنسان.. ويصحّ أن نقول بحرقة وأمل وثقة: إيّاكم وخُضْرُ الدمَن!.