ثقافة

هشام شربتجي.. إنجازات دراميةمهمة

تجربة درامية مميزة خاضها شيخ الكار هشام شربتجي في الآونة الأخيرة؛ تمثلت في إخراجه لمسلسل “مذكرات عشيقة سابقة” وهو عمل مليء بالمضمون القيّم والبعد الأخلاقي، تدور قصته حول زوجة تلعب دورها الممثلة اللبنانية “نيكول سابا” تخون زوجها لسنوات طويلة، وهي معذورة ولكن ليس كثيرا للأسف، فالزوج لم يكن يروق لها لأسباب تمّ تضخيمها لتقوية المبرر، فهو لديه ماض لا يعجبها من الناحية القانونية، وهذه نقطة ضعف في القصة، تعامل معها المخرج بنجاح، ذلك أن شخصية الزوجة في قصة العمل، لا يروق لها الزوج لأسباب عاطفية أيضا، وها هي تعثر على حل لمشكلة القانون بطريقة لا تخطر على بال، وهي الارتماء في أحضان حب آخر؛ إن ثغرة من هذا النوع في السيناريو، تتمثل في سؤال قد يطرحه الجمهور: ما الذي تعاني منه الشخصية تماما؟، هل تعاني من أن زوجها لديه مواصفات غير قانونية؟ أم أنها تتوق للعثور على حب آخر؟، إذا كان الخلاف حول سلوكيات زوجها غير القانونية، فلماذا تبحث عن الحل بمعية رجل آخر؟، والجمهور قد يسأل أيضا: لو أن زوجها كان زوجا جيدا في الحب، هل كانت لتلاحظ مشاكله القانونية، لأن السنوات الطويلة التي أمضتها في حل مشاكلها “القانو-عاطفية”، تشي بأنها تأقلمت مع الزوج غير القانوني، ومع العشيق العاطفي، فسكن صوت الضمير أو انخفض بعد أن عثرت الشخصية على ما تشتهي من حب وهيام.
الاعتناء بالتفاصيل الإبداعية من قِبل المخرج، ساهم كثيرا في إخفاء تلك الثغرة الكبيرة في النص والتي كما أسلفنا تتلخص بماذا تريد الشخصية، فأمام مشاهد الغرام المحببة للجمهور العربي، لن يسأل أحد عن تفاصيل من هذا النوع، كالشخصية والحبكة وما إلى هنالك من أمور بسيطة.
إن هذه النقلة النوعية، التي يخطوها شيخ الكار في مسيرته المهنية، تقدمه أكثر للجمهور العربي، وتفتح أمامه آفاقاً لمستقبل أفضل، فهو يعمل الآن مع الفنانة “نيكول سابا” والتي عرفها الجمهور بفيلم انتشر كالنار في الهشيم “التجربة الدانمركية” الذي تقاسمت بطولته مع النجم المصري عادل إمام، فلعبت فيه دور حسناء أوروبية تقتحم عالم الوالد المنشغل بمنصبه كوزير، فتؤدي جرأتها وآراءها في الحب، إلى إيقاع الفتنة والعداء بينه وبين أبنائه الشباب، في حب جماعي، فيتمرد الابن على الأب، لأنه يعشقها هو ووالده في آن.
هذه القفزة النوعية والإنجاز المهني الكبير للمخرج هشام شربتجي في التعامل مع نجمة بهذه الشهرة والانتشار، كان قد سبقه إليه مخرجون سوريون آخرون، اشتغلوا أيضا مع كل من “سابا” و”نادين نسيب نجيم” في مسلسلات تميزت بطابعها التشويقي، وهناك أخبار أن “نجيم” والممثل السوري عابد فهد، سوف يشتغلان مع مخرج سوري آخر في مسلسل “طريق”، وذلك في استعارة لبطلي مسلسل “لو”، بينما تحل نيكول سابا في “الهيبة2” مكان “نجيم”؛ مخرجو الانتظار وبقعة ضوء ومرايا وغيرها من أفضل الأعمال السورية، يتطورن ويتطور مستواهم الفني في أعمال من هذه الفئة، طبعا لا ننسى مخرجا ثالثا، ذهب ليشتغل على التحولات الفكرية في “الرياض” وعلى “العاصوف” الذهني هناك، وأخيرا وليس آخرا، المخرج الذي عرفه الناس بالتغريبة الفلسطينية والزير سالم، بدأ هو أيضا في تطوير مسيرته الدرامية، وكان سباقا في هذا المجال، ومن أعماله الأخيرة على سبيل الذكر: “العراب” و”أوركيديا” وهما أيقونتان أثارتا الكثير من الأسئلة، كان أبرزها: هل هو حقا نفس المخرج؟.
وبما أن هذه الهجرة للكفاءات الدرامية والتي تتمثل بأن كل مخرج يأخذ فريق التصوير بالكامل وهم من خيرة المشتغلين في هذا المجال، وذلك ما لا يمكن أن يقبل به “شيخ الكار” فلا بد أن يقف على مجريات الأمور، يؤرق ذهنه سؤالا حيوي وضروري: كيف يمكن له أن يعيد للكار أبناءه وألقه؟، فغادر مستعجلا في إثرهم وهناك ظهرت لديه ميول إبداعية ذات طبيعة إرشادية، ورغب في أن يعلمهم الكار على أصوله، وأن يعطيهم أكثر من معينه الذي لا ينضب، واعتزم خوض تجربة عملية “استاجات” ليعطيهم نصائحه الإخراجية الأخيرة، والتي تند عن تجربته وخبرته الإبداعية، فقد حان الوقت لذلك، فباشر بالعمل على “مذكرات عشيقة سابقة”، وقد أتت الدروس بديعة، منها أن على المخرج أن يركز على الفن أولا قبل كل شيء، بغض النظر عن أجرته، وأيضا على المسلسل أن لا يتوقف عن العرض في قرابة منتصفه، لأن روعته الفكرية وعمق مضامينه التعليمية، يتنافران بعض الشيء مع آداب العرض الدرامي الرمضاني.
لا بد أن جمهور الدراما السورية ينتظر بشوق جديد المخرج هشام شربتجي، متلهفا ليرى أثر تلك التجربة على المسلسل السوري الذي ينوي إخراجه لهذا الموسم في أعمال جديدة قد تشكل سقفا إبداعيا جديدا، ومضرب مثل بالتألق قد يفضي إلى استعادة هذه الصناعة لمخرجينا الذين في سعيهم وراء الأجور العالية، أهملوا درامانا وحقوقها عليهم وواجباتهم تجاهها.

تمّام علي بركات