ثقافة

دور المؤسسات الوطنية العاملة في خدمة اللغة العربية

أمام ما يعرف بانفتاح لغتنا على جميع المستجدات المؤلمة، وما يواجهه الشباب من تهميش طوعي للغة العربية -مواقع التواصل الاجتماعي-، وأمام الانزياح الثقافي الذي يشير إلى انسحاب من الانتماء اللغوي الحضاري قد تصل لغتنا إلى الانقراض، وقد أقام مجمع اللغة العربية ندوة بعنوان “دور المؤسسات الوطنية العاملة في خدمة اللغة العربية”.

تحدث رئيس المجمع د. مروان المحاسني حول الحال الذي وصلت له لغتنا فقال:

أصبحت اللغة العربية السادسة المعتمدة في الاجتماعات الدولية، فهل لأن عدد الناطقين بها قد تعاظم بشكل فجائي وهذا ما جعل الهيئات الدولية مضطرةً لقبولها أم أن ماينشره العرب بلغتهم في ميادين العلوم أو مساهماتهم الكبيرة في استكمال الحداثة قد ألزمت الهيئات الدولية بضمها إلى لغات أخرى لها مساهمات في تطوير العلوم؟.

وكان لمجمع اللغة العربية دور في تمكين اللغة ومنها إيجاد البدائل عن كلمات تركية تتناول أمور الحياة اليومية، حيث انبرى المجمعيون لإطلاق تسميات عربية تتضمن المعنى المقصود ولا تخرج عن المألوف، ساعية لتخليص لغتنا من ألفاظ حداثية غازية يستسهل العامة استعمالها للتعبير عن التفاصيل اليومية. والمهمة الأكبر لمجمعنا اليوم هي تطوير اللغة العربية كي لا تغرق ثقافتنا في الأمواج المتضاربة للعولمة، لذلك وجدت لجنة لكل من العلوم الدقيقة تستعرض مصطلحاته وتعيد النظر في تطابقها مع التعريف العلمي للمصطلح، بالإضافة إلى لجان تفصيلية لألفاظ الحضارة في المجالات المختلفة ولعلوم البيئة سريعة التطور ولمصطلحات المعلوماتية والتقانات الحديثة ولجنة خاصة بشؤون الإعلام، أما اللجنة المختصة بعلوم اللغة العربية فهي تعيد النظر في الألفاظ والأساليب، لإيقاف زحف العامية إلى الخطاب الفصيح وهناك لجنة خاصة تهيئ معجماً لدلالات أبنية الألفاظ.

دور الجامعة

وأكد عضو الهيئة التدريسية في جامعة دمشق د.محمد موعد أن لجنة تمكين اللغة العربية في وزارة التعليم العالي قامت بمجموعة من الإجراءات التي تستهدف الحفاظ على اللغة العربية من قبل الجامعة، والتي تتمثل باقتراح التدقيق اللغوي للرسائل العلمية في الجامعات السورية، واقتراح إنشاء دبلوم التأهيل في تخصص اللسانيات الحاسوبية والذي سيحتاج إلى جهد ودعم مالي، وسيكون ذا رؤية شبه متكاملة العام القادم، إضافة إلى رفع سوية اللغة العربية في الجامعات السورية عبر تأهيل المعيدين بدورات متابعة إضافة إلى تطوير المصطلحات العلمية وإنشاء قسم اللغة العربية لغير المختصين في الجامعات، وإعادة النظر في كتب اللغة العربية التي تدرس في الجامعات. وأكد موعد على ضرورة أن تؤخذ هذه المقترحات على محمل الجد ووضع الخطط لتلافي الضعف الشديد الذي يعاني منه أبناؤنا في فهم اللغة العربية والنهوض بها لتصبح من أساسيات حياتهم.

وزارة الثقافة

ولا يخفى على العالمين بخصوصية اللغة العربية  تضافر عاملين حاسمين في تردّي وضع العربية الأول هو عامل خارجي وقد وصفه د.عبد السلام المسدي بالقول: قد تعمى الأبصار لو أنها أنكرت أن سلاح الكونية الثقافية الغازية إنما هو اللغة وأنه هدفها المبتغى، وقنصها الأمثل، والعامل الآخر هو ذاتي داخلي يتمثل باللهجات العامية.

وقد أورد د.ثائر زين الدين منجزات وزارة الثقافة في سبيل تمكين اللغة العربية ومنها: إصدار سلسلة “قضايا لغوية” تُعنى بشؤون العربية المعاصرة والتعريب والمصطلح والدخيل والتأصيل، وإطلاق مسابقة حفظ الشعر العربي السنوية، وإقامة فعاليات عدة، وإعادة إطلاق جوائز سامي الدروبي للترجمة وحنا مينة للرواية وعمر أبو ريشة للشعر بعد توقفها من عام 2007، وحرصت الوزارة على إقامة محاضرات دورية شهرية في المراكز الثقافية تصب في تمكين اللغة العربية، وانتظام الاجتماعات الدورية الشهرية للجنة الفرعية ومناقشة كل ما يطرأ من قضايا تمس اللغة، بالإضافة إلى حرص الوزارة على أن تكون جميع مطبوعاتها باللغة العربية الفصيحة بل نشرت كتباً تصب في خدمة العربية في سلسلة “التمكين للغة العربية”، وإقامة ندوة الأربعاء الثقافية الشهرية التي تعرّف بأعلام الأدب والفكر في سورية وطباعة الندوات في كتب مستقلة، وحرصت الوزارة في جميع دورياتها ومجلاتها الصادرة على سلامة اللغة العربية وإحالة جميع السلاسل من مختلف الاختصاصات إلى خبراء لغويين لتنقيتها، وإصدار مديرية إحياء التراث العربي في هيئة الكتاب جملة من النصوص الأدبية التي تقدم عصر البيان والفصاحة في أبهى حلة، وإصدار الهيئة العامة الكتاب الرقمي الناطق ومجموعة كتب الكترونية، وحرصت الوزارة ألا تجعل منابرها مقاماً لأي مادة تقدم بالعامية.

وأشار مدير هيئة الكتاب إلى بعض الصعوبات التي تواجههم منها: عدم استجابة وزارة الإعلام لكثير من المقترحات التي قدمتها اللجنة الفرعية لتمكين اللغة العربية في الوزارة ولا سيما ما يتصل ببعض البرامج التي عناوينها بالعامية، وأداء بعض المذيعين، وقدم د. زين الدين خطة الأيام القادمة وتتمثل بـ إقامة ندوة في الأول من آذار تحت عنوان “العربية والحرب على سورية” يُدعى إليها كبار العلماء المشتغلين بالعربية وشؤونها في مكتبة الأسد الوطنية، واستمرار صدور سلسلة “قضايا لغوية”، وصدور دوريات الوزارة بأبهى حلة لغوية وفنية، والكتاب الرقمي بمعدل كتاب واحد في الشهر، ومحاولة إعادة إصدار كتاب شهري مع دار البعث يوزع مجاناً مع الصحيفة مطلع كل شهر، على أن يتم اختيار الكتاب على نحو يخدم مسألة التمكين للغتنا الجميلة.

نهوض بلغة الضاد

أما د. محمود السيد فتحدث في كلمة لجنة التمكين للغة العربية عن جهود سورية في مجال النهوض بلغة الضاد والتمكين لها، وعلى الكفاية اللغوية بوصفها مفهوماً ومعياراً ومقياساً لتعليم العربية، ومناحي التشديد اللغوي الذي لقي جدالاً وحواراً ساخناً بين المجددين والمحافظين.

وعرض د.السيد جهود مجمع اللغة العربية في وضع المصطلحات وصولاً لمجموعة من التوصيات الرامية إلى الارتقاء بالواقع اللغوي، وأشار إلى أن العبرة في تنفيذ التوصيات على أيدي المنتمين إلى أمتهم والمعتزين بلغتها والعاملين على صونها والحفاظ عليها.

دور اتحاد الكتاب في الحفاظ على اللغة

بدوره قدم رئيس اتحاد الكتاب العرب د.نضال الصالح قراءة للدور الذي يجب أن تنهض به المنظمات الوطنية للحفاظ على اللغة والتمكين لها، وقد ميز بين شخصيتين أساسيتين في الاتحاد حيث قال:

هناك شخصيتان تعنى بتمكين اللغة العربية في الاتحاد هما الكاتب والأديب، والمطلوب من الكاتب أن يحفظ للغة سلامتها، أما الأديب له مهمة الكاتب بالإضافة إلى أن يجعل اللغة ناطقة بالحياة في نصه الأدبي، ولذلك ثمة مسؤولية كبيرة تقع على عاتقه، ومن الخطأ -في تقديري- أن تسمى هذه المنظمة “اتحاد كتاب العرب” إذ يجب أن تحمل اسم “اتحاد الأدباء العرب” لتميز الكاتب من الأديب.

وطرح د.الصالح سؤالاً “هل استطاعت هذه المنظمة أن تكون حارسة للغة وأن تكون ابنة بارة لها؟، وأجاب: نسبة غير قليلة من أعضاء الاتحاد لا يحسنون بناء جملة معافاة لغوياً، والدليل على ذلك بعض إصدارات الاتحاد، أما عن دور المؤسسة لحفظ هيبة اللغة ووقارها مما يصيبها من أذى اقترح إعادة النظر في آلية قبول الانتساب إلى الاتحاد، بأن يكون شرط القبول كتابة صفحة مباشرة أمام لجنة مختصة ترفق بطلب الانتساب وعلى أساسها تقبل عضويته، وإقامة مؤتمرات عامة وليس سنوية فقط، بالإضافة إلى امتحان في اللغة العربية في مدرج جامعة دمشق لأعضاء الاتحاد، وألا يسلم أي مخطوط إلا مرفقاً  بتقرير من مختص لغوي بسلامته اللغوية.

جمان بركات