ثقافة

في “حرائق”.. النساء الأكثر تضرراً والأشد صموداً

أطلق المدير العام للمؤسسة العامة للسينما مراد شاهين، في مؤتمر صحفي خاص عقد ظهر أمس في دار الأسد للثقافة والفنون فيلم “حنين الذاكرة” للكاتب سامر محمد إسماعيل والذي سيتولى الإخراج فيه أربعة من العاملين في مجال السينما السورية الشابة وهم يزن آنزور، علي الماغوط، كوثر معراوي وسيمون صفية  حيث تتقاطع في النص عوالم حياتية معاصرة في إسقاطات على مراحل سابقة في حياة سورية، فالبيت الذي تجري الأحداث فيه يمثل سورية التي كثيراً ما ضمت منذ العام 1967، وهي بداية أحداث الفيلم، الكثير من المهجرين الذين وفدوا إليها جراء حروب واضطرابات سياسية، وتنتهي في لحظة نازفة بإعلان ترامب قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة الكيان الصهيوني.

حنين الذاكرة

يروي الفيلم حكاية شاب اسمه شاعر، ولد في الخامس من حزيران 1967 لأسرة جولانية مكونة منه ومن أبيه وأمه وشقيقته، حيث تنزح الأسرة الآتية من الجولان العربي السوري المحتل إلى دمشق القديمة بعد دخول قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى بلدتهم، وتقيم في بيت بحي الأمين، وهو المكان الشاهد على أحداث عديدة سوف تتالى على مدار خمسة عقود وصولاً إلى أيام الحرب الإرهابية على سورية، ويرصد الفيلم أربع مراحل من تاريخ سورية الحديث الأولى: حرب تشرين التحريرية عام 1973، وهي مرحلة الطفل “شاعر” حيث نتعرف فيها على قصة حبه مع طفلة لأسرة سورية نازحة من لواء اسكندرون تقيم في البيت ذاته، وفي المرحلة الثانية، مرحلة الصبا والفتوة لشاعر، وهي مرحلة اجتياح بيروت والإخوان المسلمين 1982-1981 ولجوء عائلة لبنانية إلى البيت الذي تقيم فيه أسرته، وتعرفه على نازك الفتاة التي ستعود مع أهلها إلى بيروت بعد قصة حب ـوالمرحلة الثالثة مرحلة الشباب وتخرج شاعر في كلية الإعلام بدمشق عام 1990 ولجوء عائلة كويتية من أصل فلسطيني إلى البيت الذي تقيم فيه أسرته، وقصة الحب التي ستنشأ بينه وبين امرأة كويتية، وتمتد هذه المرحلة حتى عام 2003 بلجوء أسرة عراقية إلى البيت نفسه بعد دخول الاحتلال الأمريكي إلى بغداد، ليرصد الفيلم في  المرحلة الرابعة وهي  مرحلة الرجولة عند شاعر عام 2006 لجوء عدد من النازحين اللبنانيين إلى سورية أثناء حرب تموز، ومن بين النازحات الطفلة اللبنانية التي تعرّف عليها عام 1982 وقد تزوّجت وأنجبت، وتمتد هذه المرحلة حتى عام 2017 وفيها يتزوج شاعر من فتاة نزحت من حمص مع أمها وأخيها الشاب بعد دخول الإرهابيين إلى حي باب السباع عام 2012، حيث نتعرف إلى شخصية شاعر الذي يعمل مذيعاً في إذاعة “صوت فلسطين” بدمشق، وعبر هذه المهنة نطل على حياة كاملة من عمر المنطقة المليئة بالحروب والنازحين من العراق وفلسطين ولبنان وسورية وصولاً إلى اللحظة الراهنة.

الضريبة الأكبر

بيّن الأستاذ مراد شاهين في بداية المؤتمر أن “حنين الذاكرة” فيلم من نوع خاص كونه يأتي تتويجاً لخمس سنوات من مشروع سينما دعم الشباب، حيث كان من الضروري –برأيه- وبعد خمس سنوات من العمل في هذا المشروع، أن ترتقي المؤسسة به لمرحلة أخرى تجسد بدعم من وزير الثقافة بكتابة سيناريو فيلم روائي طويل من قبل الكاتب سامر محمد إسماعيل ليسند الإخراج فيه لأكثر المخرجين الشباب المتميزين، من هنا شُكّلت لجنة فنية قامت وفق معايير فنية وتقنية باختيار أربعة مخرجين، مع إشارته إلى أن عدد الشباب المتميزين كانوا أكثر من هذا العدد وستتاح لهم في السنوات القادمة خوض مثل هذه التجربة.

ونوه شاهين أنه ينتظر من هذه التجربة نتائج مرضية جداً لإيمانه بالقدرات الكامنة للشباب والتي توضحت في كل المشاريع الجديدة والقديمة التي شاركوا فيها، وهي مشاريع  تهدف إلى تمكين الشباب الموهوبين من أدواتهم وتعريفهم على التقنيات، دون أن ينكر أن المخرجين الشباب من خلال فيلم “حنين الذاكرة” يتحملون مسؤولية كبيرة، وتمنى أن يكونوا من المدركين لأهمية هذه الفرصة التي منحت لهم، وهي فرصة قد تفتح باباً لفرص أخرى في المستقبل، وأشار إلى وجود مشرف فني عام للفيلم هو المخرج جود سعيد لخلق توليفة معينة وهوية واحدة للفيلم، مع تأكيده على أن كل مخرج لديه طريقة وأسلوب وهذا أمر جيد، فمن خلال هذه الأمزجة المختلفة سيلاحظ المتلقي الفرق بين كل مخرج وآخر، وأكد أن التقييم الكامل للتجربة لن يكون إلا بعد إنجاز الفيلم ومشاهدته من قبل الجمهور، وأن مقولات الفيلم كثيرة لعل أبرزها أن النساء هنّ من يصنعن الأجيال ويدفعن الضريبة الأكبر في الحرب، ونوّه  شاهين إلى أن هكذا تجربة ليست جديدة على مؤسسة السينما التي قدمت سابقا تجربتين قبل ما يزيد عن الأربعين عاما من خلال فيلم “رجال تحت الشمس” الذي كتب نصه نجيب سرور ـ نبيل المالح ـ قيس الزبيدي ـ محمد شاهين ـ مروان المؤذن وتكون من ثلاث قصص، “الميلاد” إخراج محمد شاهين، “اللقاء” إخراج مروان المؤذن، “المخاض” إخراج نبيل المالح وأنتج الفيلم عام 1970.. أما التجربة الثانية فكانت من خلال ثلاثية “العار” المأخوذة عن نصوص للفنان فاتح المدرس وهي “رشو آغا” التي أخرجها بشير صافية باسم “العبد” والقصة الثانية “خيرو العوج” أخرجها بنفس الاسم وديع يوسف، والثالثة “عود النعنع” التي أخرجها بنفس الاسم بلال الصابوني أنتج الفيلم عام 1974.

سورية البيت والملاذ

أما الكاتب سامر محمد إسماعيل فقد أكد أنه لم يتناول في نصه الحروب كموضوع أساسي وإنما كانت خلفية للأحداث التي تدور، مع إشارته إلى أن الفترة الزمنية التي يتناولها هي فترة لها خصوصية عالية بالنسبة للإنسان العربي، الذي ومنذ أكثر من نصف قرن وهو يعيش هذه الحروب بأشكال مختلفة، لذلك أراد أن يسلط الضوء على هذا الإنسان الذي لم  تتركه الحروب يعيش بهناء، فسورية قاطرة الوعي العربي كانت هي البيت والملاذ لكل أبناء المنطقة والفيلم يوجه سؤال: إذا ما تعرض هذا البيت لخطر فأين سيذهب هؤلاء الذي اعتصموا بأبواب دمشق السبعة؟  وأوضح أن الفيلم سيكون وثيقة عن زمن بأكمله وأنه لكل الشرائح، لأنه يتحدث عن أوجاع وهموم الناس الذين عاشوا في ظل الحروب التي تتالت عليهم بكل أشكالها.

ولم تنكر المخرجة كوثر  معراوي التي ستتصدى لإخراج المرحلة الأخيرة من الفيلم بأنها  تخوض تجربة جديدة بالنسبة لها، وبأنها شعرت بالخوف في بداية الأمر، إلا أن ذلك تبدد بعد أول لقاء بينها وبين المخرجين الآخرين، خاصة وأنها وجدت تقارباً بين الأفكار على الرغم من اختلاف أسلوب ورؤية كل مخرج عن الأخر، في حين عبّر المخرج يزن أنزور عن سعادته بوجوده بين مجموعة من المخرجين الشباب المتميزين، دون أن ينفي التنافس بينهم لقناعته أنه حالة إيجابية وضرورية يحرّض كل مخرج على تقديم أفضل ما عنده، دون أن ينكر أن التعامل مع الزمن في هذا الفيلم أمراَ صعباً، وأوضح أنه سيقوم بإخراج مرحلة التسعينيات. أما المخرج علي الماغوط فبيّن أن هذه التجربة مسؤولية كبيرة وأن نجاح الفيلم مرتبط بمدى التعاون بين جميع المخرجين وتوحيد الرؤى بينهم، وأشار المخرج  سيمون صفية إلى الدور الريادي للمؤسسة العامة للسينما التي ساهمت في تشكيل الوعي البصري من خلال أعمال الرواد، ولذلك لا يستغرب أن تشجع تجارب الشباب لاكتشاف رؤى جديدة في عالم السينما.

الأم السورية

ورأى الفنان سعد مينة أن مشاركته في هذا الفيلم هي أول تجربة سينمائية له وما شجعه على المشاركة هو السيناريو الجميل الذي أغراه والمكتوب بحرفية عالية، وأوضح أن الفيلم بحاجة لأربعة مخرجين لأن كل مرحلة من مراحله لها خصوصيتها بأفراحها وأتراحها، وأنه يجسد فيه شخصية الفدائي، وهي شخصية تعنيه بشكل مباشر، وقد وعى في فترة الثمانينيات على صدى هذه الشخصية التي كان لها مكانة مقدسة في عيون الناس، ونوّه إلى أن نص “حنين الذاكرة” جماهيري والمطلوب أن يصل للناس بطريقة صحيحة وبشكل صادق دون خداع أو مبالغة.

في حين أكد الفنان لجين إسماعيل أن مشاركته في هذا الفيلم ستشكل إضافة حقيقية له في مسيرته الفنية، ونوّه إلى أن النص مكتوب بطريقة جميلة وهو ما كان يعنيه في الدرجة الأولى، فهو متنوع ويرصد مراحل زمنية متعددة وأن حاجته إلى أربعة مخرجين كان ضرورة حتمية.

أما الفنانة علا باشا والتي تجسد في الفيلم شخصية مريم الأم السورية الشابة التي تحملت ظروف الحرب وكانت قادرة على الصمود وتربية جيل كامل، أوضحت أنه سبق وأن شاركت في أكثر من فيلم قصير من أفلام المخرجين الشباب، وهذا ما شجعها على الاستمرار بهذه التجربة التي تتيح للشباب مخرجين وممثلين العمل في السينما من خلال أعمال راقية ومهمة.

أمينة عباس