ثقافة

معرض الخط العربي السنوي في مكتبة الأسد

يحسب للخطاطين السوريين تفوقهم في فن الخط العربي خلال السنوات الخمسين الماضية، وتميزت دمشق بأعلام هذا الفن مثل بدوي الديراني وممدوح الشريف في النصف الثاني من القرن الماضي وقبل ذلك بقليل، وقبلهم الخطاط رسا الذي زينت خطوطه بعض جوانب الجامع الأموي، وتعتبر دمشق حاضرة ثقافية وعمرانية حتى أن بعض الفنون والحرف التقليدية تكنى بها، وفي مجال الخط العربي ظهرت ملامح مدرسة دمشقية في هذا الاتجاه لم تكن خليطا من فنون بلدان مجاورة، بل تفوقا وخصوصية تتصف بالبهاء والجمال وتضيف إلى ما كتبه الآخرون رغم تسمية بعض الخطوط بأسمائهم، ولا ندعي أن في بلاد الشام أجمل ما كتب العرب، بل لا بد من الاعتراف بدور دمشق في تطوير جوانب في مساحة هذا الفن لما يمثله من هوية تخص العرب والمسلمين.

وعلى هامش المعرض السنوي لفنون التصوير والنحت والخزف والتصوير الضوئي والفنون التشكيلية الأخرى، هناك حصة سنوية للخط العربي في معرض مشترك مع فنون أخرى كالتصوير والخزف أقيم في قاعة المعارض في مكتبة الأسد، عرض عدداً من اللوحات الخطية قاربت الثلاثين عملا تحاكي الخطوط واللوحات الخطية  التقليدية وتلتزم أنواع أقلامها “الثلث الجلي والعادي والديواني والديواني الجلي والتعليق والكوفي ..” وتقارب في التنفيذ والصناعة أدوات اللوحة التقليدية المشغولة على الخامة التقليدية من الورق المعالج “المقهر” بلونه الأصفر المعتق وبعض الزخارف التزيينية التي تخدم العمل الخطي، مع العلم أن الزخرفة والتذهيب أساس لوحة الخط التي تنوعت من المشق العادي والرقاع والحلية وصفحات خط النسخ والتسويد، وقد حضر في جانب الخط التقليدي اتجاهات جديدة تعنى بالخط العربي كقيمة تشكيلية منها أعمال الفنان محمد غنوم وبعض الأعمال الأخرى التي لا تتعدى مستوى السطحية، بل قللت بحضورها من خصوصية هذا المعرض باعتباره معرضا للخط العربي وليس للتجارب الحروفية والأعمال التجارية الساذجة، وربما يغيب عن ذهن القائمين على هذه المعارض أن هناك عدداً كبيراً من الخطاطين السوريين تغيب أعمالهم عن المشاركة، ولم يتم السؤال عن أولئك وعن أسباب الغياب، ومنهم أساتذة ومعلمون في هذا الفن، وقد أخبرني أحدهم وهو مقيم في دمشق وأستاذا لأجيال من الخطاطين أن تواضع مستوى المعرض الفني يبعدني عن المشاركة، وربما المبلغ الذي يدفع من قبل وزارة الثقافة مقابل اقتناء اللوحة لا يساوي ثمن قلم خاص بالخط مثل “قلم أزميرود أو كرافوس” أو حتى ثمن طبق من الورق الخاص بكتابة اللوحات الخطية، مع العلم أن مهنة  الخطاط لم تعد مهنة يمكن العيش منها وذلك بسب التقنيات الطباعية الجديدة التي حولت هذه الفئة من الحرفيين إلى خارج قوس العيش من المهنة، وبالتالي تراجع عدد المشتغلين فيها، ما عدا أولئك المسكونين بعشق الخط العربي وإنتاج اللوحة التي لا تلقى رواجا في صالات العرض ولا عند المقتني المهتم بالأعمال الفنية، وأضحت لا تنافس موجة الفنون واللوحة التشكيلية التي تحتشد بكل أنواع القبح تحت مسميات الحداثة وأخواتها، مثلما تلاقي من إهمال من قبل مفاصل الثقافة الرسمية  التي لا تعترف إلا بهذا المعرض ومعرض آخر للطلاب خريجي المعهد المتوسط التقاني الذي يخرج كل عام دفعة من الشباب الجدد الواعدين، ويتضح مدى غياب الجدية من خلال البوستر الخاص لهذا المعرض العتيد، فقد أتحفنا بلوحة لفنان غير سوري على البوستر الخاص بمعرض الخط السنوي للخطاطين السوريين، ربما أهل الواجب والتقليد على ثقة بأن الوادي عميق ولا صوت فيه إلا ما يسمعون بمستوى أدواتهم، لكن الواقع الفني أغنى وأجمل وأهم مما يتصورون، ودليل ذلك عدد الجوائز التي يحصدها الخطاطون السوريون في المسابقات الدولية، وقيمة التجارب السورية خير دليل على حق أهل الخط بمعرض يليق بهم وبخطوطهم الأصيلة.

أكسم طلاع