ثقافة

باب الوجد… تراتيل للعام الجديد

سينهض الشهداء يوماً، ونذهب إلى رؤيتهم، سينهض ياسمين البلاد راسماً حدود القلب بالبياض الكثيف، وللأشجار حق الوقوف طويلاً لتظل هنا كل عناوين الحياة.

ثمة فرق في اللغة بين ما كان وما سيأتي، فرق جمالي صنعته رؤى الشهداء، صنعته جسارات الرجال الذين زنروا حدود الوطن بقمح قلوبهم ودمها، وسنابلها المتوضئة فجراً عند تخوم الأغنيات، صار العشق سورياً ولم يزل يبارك أرض الشمس ويعمّدها بطهارة السرائر.

صارت أمهات الشهداء كل حقول البيلسان وارتجالات نارنج الحقول في صهوات الناي، قم للوطن وفِّه التبجيلا… لأن القلوب قامت حقاً قامت، و(صلبها الوردي) على صليب ورودها ألهم طريق الجلجلة بأن يظل طاعناً في العشق، طاعناً في القيامة.

قال جريح الوطن: إني وهبت بعضي للأرض لتورق بغير حلم وتتطهر من الظلال الآثمة الفادحة الغلو، لكنها من تبددت مدحورة وعلى إيقاع التوهج ظلت الولادة قدراً آت من مهج القلوب ونقاء ياسمينها.

قد قام الوطن حقاً قام، حاملاً أنينه/ نشيده، ليضرج به الأصابع وخطوط اليدين، وللصغار عصافير القلوب، ظل حبر ابتساماتهم يخصب الأوراق فلا تتساقط إلا لتنهض من جديد، وعلى خط أفقها تماهى النشيد بحبر الصلوات كي تستحق أرضنا سلاماً مجيداً، وطوقاً لشمس لم تأفل في البدء كما في المنتهى، كما في صيرورات العشق السوري على الأرض وفي سماوات النصوص الذاهبة إلى المطلق، إلى حيث مشيئة الكلام/الفعل، في أننا ننجز رؤيتنا، فرؤيتنا ليست محض وشم في ذاكرة الطريق.

وللمغني أن يفترش كل أوردة الدرب لتضوع بالغناء وبهديل اليمام، فما زال اليمام –كعادته- يصلي لتنجو الأرواح وتذهب إلى مواقيتها ومواعيدها/الجمر، وهناك تلون أمكنتها وأزمنتها الجديدة السورية الهوية حدَّ الانتشاء. وتلك الحكايات الملونة، بل المدن الملونة بنداء الحياة وبما خطته أصابع الصغار على بقايا الألواح المتكسرة: يحيا الوطن.

وكم لها من ترجيع، وكم لها أن تتصادى في ذاكرة السوريين لتكون كل جمال الرؤيا لأنها في الدلالة القصوى يحيا الإنسان.

وعلى الثغور والأسوار قال كتاب البحر: ولي أمواجي البرية التي ترسم على شطآن القلوب إيقاع حيواتها النضرة، سيدة الحضور أبداً سيدة ثقافة الحياة، أنا البحر إذاً من كحلت عين الأغنيات لتُبحر بي أشواقكم وأحلامكم، وأصحو على انتباهتكم، بأن الحياة ظلت هنا هوية وانتماء، وأشد بلاغة مما أُريد لها، مما أراده لها أعداؤها العابرون.

ألم يحدثكم قاسيون الراسخ كاليقين، الوادع كقصيدة مرئية، بأن الأرض هنا شديدة الرسوخ بأعمدتها المنتصبة حدَّ السماء.

يا للتراتيل المضيئة في الظلام، كم تُقاوم وتنفخ في الحبر روحاً، وفي حروفها كم مشوا حفاة القلوب ليتطهروا على جسد الأرض/ سورية، قد مشوها لأنهم مشوا إلى أقدارهم، والقدر السوري هو قدر من أحب فقد افتدى، قدر كثافة الأرواح حينما ترسم للوطن كل الأمداء والتخوم والأقاصي، تلك هي مفردات القيامة ليكون العام الجديد نقش في المدونات الجديدة، من تمسح بأعطاف الغيوم كل دمعة، لم تسقط على الأرض، دمعة معلقة بين الأرض والسماء، تفتح ألف شمس، كانت ولم تزل تأريخ حضارة وسفر أبجديات.

وتورق الأناشيد في لحظات الولادة بدمع الأغنيات، وتصبح للأحزان غير نكهة، طوبى لمن رأى كيف يقطر الورد ملحه بحبر الكلمات ابتسامات، ويخلع كل أشواكه لتنجو الأرض بامتداد الحلم فينا، وقال العام الجديد: انتظرتكم حدَّ الشغف أيها الحالمون، بجمال لا يُستنفد وبوعد آتٍ، وبحياة تفوق الحياة.. هي ذاكرة جاءت من المستقبل، وهي من ذهبت إليه بزهو بُناة روحها، وكامل نهاراتها العالية.

أحمد علي هلال