ثقافة

ابتكرنا أيها الحب

تقدم أيها الحب في أسطورتك الأبدية وانثر نسائمك البلسم وعطرك الهفهاف على مدينتي، تقدم وادخلها من كل الجهات واخترقها من كل المساحات، حوطها من كل الجهات، تقدم بلا استئذان واطرق أبوابها السبع المشرعة للشمس، للعشق، للربيع، للأغنيات.. اخترقها بنورك القدسي معمدا مفاصلها بصلوات الرحمة، ومقبلا مساحتها وسنواتها وساكنيها المنشدين اسمها القدوس في الأعالي حد المسرة والسرور، مدينتي الضوء ملكة العصور وصحوة الدهور بفم تاليها.

لا تجزع واجترعها قبلة من حياة احرث بها وازرع واحصد ما شئت من قمح العطاء، متى شئت وشاء السلام أهلا بك فقد حان وقت القطاف.

أيها الحب تعال ووشوش سرك في أذني تفاصيلها لأعلم ما العمل حيال “بيبانها” المسكونة بدمي فوراء كل باب يجلس التاريخ بعنفوانه ويحكي المجد قصصه الخالدات.. كيف لنا نحن المعتدين باسمها أن نعتذر عن فعائلنا بها، أن نستسمح من ورد وطئته أقدامنا، من ياسمين مشرد يقطن أهدابنا عن كل ذاك الدم النازف من الشريان إلى الشريان..عن طرق باتت مهجورة، ومعالم باتت مقهورة، عن براعم جمدها صقيع الظلام حد النحيب وعاشت أرواحها “فدوة” لعواصف هوجاء أثقلت جذورها وأنهكت وسادة رقادها ورقادنا حد الممات، عن طين معمر للقبور يقص حكاية غرابين البين وأوشحة الهلاك الأسود الزائر بنيانها، القاتل أبناءها في عمر اليراع بفرحة مكتومة حدا تجاوز البكاء.

غريبة موحشة باتت شوارعها، تنتظر يد أم حنونة تمسح بزيتها الشفاء جبينها، وتشرح صدرها من ركام الأنقاض وهدير الذاكرة المسجونة المصلوبة بفتوى التغير وعناوين الإفتاء والصلاح.. أنجدها أيها الحب فزفيرها بات موجعا، يجلس الصبر في الحوانيت بها وفي غياهب الارتجالات ينتظر مخلصا، يأخذ الزائل ويقذف بالأهوال في حفر النسيان.

تقدم يا صوت الحقيقة فمدينتي لا صوت ولا منجد لها إلا صوتك، وصوتها بات همسا وعويلا يرتطم بجدران النكران والظلم، ويتمزق إربا في وقع الظالمين بافتراءاتهم التي جهدت أن تقتنص البيوت قبل أبوابها، وأصحابها قبل مدائنها لتدور حبيبتي وندور معها في فلك أشباح مهزومة، تنهش الروح وترضرض الأجساد قرية قرية، وحارة حارة، حد الخبث في انتشاره المسرطن الذي يلوي ساعد الأمل ويقسم العناوين طائفة طائفة، ويحتل الابتسامات بغزاة وعداة.

تقدم أيها الأبدي بخطواتك الرزينة الجهات والغايات، احمل سيفك جهز عدادك وعدتك وعناوينك قلوبنا المختومة بعشق مدينتي وأسماؤها الحسنى الملفوظة بفم الله إن تكلم فكانت رمزا محتوما عرشها الأرض وملكوتها السماوات.. اسم يشرع سلطته على المعتدين، يلفظه أطفالها قبل رجالاتها والأجنة في الأحشاء، كل من وراء بابه مدافعا ولم يمسك بندقيته، وبندقيته حبه وإيمانه بأسمائها وصفاتها المنزلات.

كل في مدينتي يحتسي ترياقك بصمت العارفين، فاسقهم كؤوسك جرعة حب لينير الخطوات، ليكتمل المسير، لتتكاثف النبضات، سلما واصلا موصولا بين نبوءتها النصر وبين تباشيرها بالفتوحات تقدم الحق وقلبي وشموع البراهين عشقا صارت مغمورة بمائك السلسبيل وصحوة الانتماء، ليسقي التراب ويخفف حزن المآقي ببنيان مرصوص يعلي اسمها يسوي عوسج الشوك حول “البيبان”.. ضوءا من شهد الحياة يقول: مدينتي الحب صارت معمورة بوهج النور الذي يكفكف دمع الشهيد، ويلثم سكون الأمهات الثكلى المحزونة بقبل الأغنيات.

ابتكرنا وابتكرها أيها الحب لنليق بها ونستحق العيش فيها أمثولة المعجزات..شآمي الهيام الجوهرة المسكونة وزينة العاليات.

رشا الصالح