ثقافة

مخلص الورار تجربة طويلة متنوعة

تتقارب الفنون فيما بينها باعتبارها لغة تعبير وحياة، يعيشها الفنان شغوفا ومنفتحا بأدواتها مستكشفا ومؤثرا في محيطه الإنساني، يسلك دروبا يجد فيها ضالته وقرارة نفسه العلوقة باللون والخط والظل والنور والقيم، حيث يومياته موازية ليوميات أخرى تفرضها مطالب العيش أحيانا، أو تفرضها الميول القريبة لذاك الحب الذي يعيش فيه ولأجله، وقد أتحف وأفرح زميلنا الإعلامي مخلص الورار هذه الأيام بافتتاح معرض لأعماله الفنية في المركز الثقافي العربي بأبي رمانة، ضم عشرات الأعمال المتنوعة في القياس والمعالجة، وإن غلب حضور المصور الزيتي في اللوحات، بقي ذلك الفنان المشغول بالتجربة الغرافيكية التي حضرت في معظم الأعمال صغيرة الحجم، والتي تمثل أغلب أعمال المعرض من حيث العدد، تلك الأعمال تنوعت في مساعي التجربة التي تختبر مقدرة الفنان على الخوض في مسارات تقنية تعتمد التهشير الملون والدقيق للمساحات التي تؤلف موضوعها الذي تعدى مشهد المنظر الطبيعي، إلى التجريد اللوني ومحاكاة الحرف العربي في بعض الأعمال والمرور على الهواجس التجريدية البحتة، لكن بقي المنظر الطبيعي حاضرا بسلطته التي تحتفل باللون والسطوح الخشنة أحيانا والمهشرة بالأداة الحادة أو المنقاش والمشرط، مقاربة أعمال الحفارين وأعمال التيبو غراف والمحفورة وحيدة النسخة والملونة بروحية المصور والرسام الذي تلهمه الدرجات اللونية جلاء العمل الفني وتشكل بهاء صنعته. كما حضر البورتريه الإنساني كموضوع آخر في عدد من اللوحات الصغيرة المتجاورة في العرض والمعالجة التشكيلية الموحدة للعديد من الوجوه التعبيرية، إضافة لعدد غير قليل من الأعمال الحروفية الملونة بمعالجة تصويرية زخرفية، بعيدا عن منطق الكتابة المجودة والخط العربي المتقن، مما أضاف نافذة جديدة للتعرف على إمكانيات الفنان ومشاغله التشكيلية العديدة، في مسعى أن كل ما فيه من زيادة خير؟!
لعل ما يميز هذا المعرض هو الزخم الكبير والمزدحم للأعمال، فأكثر من سبعين لوحة مرصوفة على جدران صالة غصت بجمهورها من إعلاميين وأصدقاء للفنان، وأكثر من اتجاه فني وأسلوب في أعمال اللوحات في دلالة واضحة على أن المعرض أنجز في فترة زمنية طويلة ومتقطعة، لكن الملامح الأساسية واضحة لتجربة تستحق الاحترام، استطاعت أن تجد حيزا من اليوميات لإنتاج لوحة والبحث في مضامين تشكيلية جديدة كشرط أساسي لأي مسار تشكيلي يخوضه أي فنان محترف للعمل الفني، وقد استطاع ووفِق هذا الفنان المثابر على ترويض فكرة اللوحة والجمال بالشكل الكافي لجعل الأمر ممكنا، وإن غابت في هذا المسار الطويل فرادة الشخصية الفنية والموحدة في المعرض, مما أوقع الفنان في مطب إدارة العمل الفني وعرضه، فلا يمكن أن تقول كل شيء في لوحة، بل فكرة واحدة مهما كانت بسيطة نجعل منها كل شيء في معرض يكفي أن يجعل الأمر مميزا وحاضرا بقوة، أكثر من عشرات اللوحات الموزعة في أفكار وتقنيات لم تختبر بعمق وبحنكة خبيرة.
أكسم طلاع