ثقافة

السينما الوثائقية تتكامل مع المدوّنات التاريخية

أقيم في مكتبة الأسد بدمشق المعرض التوثيقي الأول بعنوان “دمشق في العيون” تكريماً لدمشق عاصمة الثقافة والفنون والتراث، العصية على الانكسار ونحن على أبواب الانتصار على الحرب الإرهابية، دمشق التي تغنى بها الشعراء وكتب عنها كثيرون، ومازالت أقدم عاصمة في التاريخ موضع اهتمام المفكرين والباحثين.

محاورة بين المدن
جمع المعرض بين المخطوطات والكتب والصور التوثيقية والطوابع وكان للأفلام التوثيقية حضور كبير في المعرض لتتضافر الصورة البصرية مع المدوّنات التاريخية، وقد شغلت المخطوطات والكتب النادرة الحيز الأكبر، حيث عرضت  أقدم مخطوطة ” تاريخ ابن عساكر” المجلد الأول، مع مخطوطات عن محاسن دمشق وفضائلها، تضمنت الآيات والأحاديث الشريفة التي ذُكرت فيها دمشق والأشعار التي تغنت بها، وتحدثت مديرة المخطوطات والكتب النادرة السيدة أمينة الحسن حول مخطوطة “المحاورة بين المدن” للطرابلسي التي تعود إلى 1282هجرية، وهي مؤلفة من وريقات قليلة لكنها غنية جداً وصفتها بأنها أجمل ما في المعرض، وهي محاورة بين المدن”دمشق والقدس وعكا وبيروت وطرابلس وحماه وحمص وغيرها، بغية تقرب كل مدينة من الوالي فتتغنى بمفاتنها، ففازت دمشق، لما فيها من مفاتن جميلة، أيضاً توجد مخطوطة عن المزة يتغنى المؤلف بهوائها العليل ومائها.
وحفل المعرض أيضاً بمخطوطة لعبد القادر بن بدران مختصرة عن كتاب “منادمة الأطلال ومسامرة الخيال” للمؤلف ذاته، هي خلاصة عن أربعين مخطوطة وكتاب من كتب التاريخ، إذ تكلم عن دور القرآن ودور الحديث والجوامع، مثل الدلامية في الجسر الأبيض أو الجزرية في باب شرقي، ومثال عن دور الحديث دار الفاضلية عند قبر السلطان صلاح الدين الأيوبي، والمدارس الفقهية مثل المدرسة العمرية في الصالحية والمدرسة الظاهرية والعادلية الصغرى والكبرى، والرباط إذ يوجد في دمشق عشرون رباطاً ،وهي الزوايا الصغيرة لدراسة العلم منها رباط الوزراء في السويقة، وأيضا دار النورية في العصرونية، إضافة إلى الترب، والترب مثل الرباط بناها أهل الصلاح لطلبة العلم الفقراء للمرحلة الابتدائية مثل التربة الأسدية في جبل قاسيون، مع ذكر الجوامع مثل التوبة والبغا، والبيمارستانات الطبية مثل القيمري في شيخ محي الدين، والنوري تحت المئذنة الغربية للجامع الأموي.
كذلك تضمن المعرض مجموعة مخطوطات مثل مخطط مدينة دمشق للأسواق التي تعود إلى عام 1910، ومخطط لأبنية في العهد الأيوبي تعود إلى عام 1850، ومخطوطة لدمشق بعنوان”دمشق تطوير وبنيان”-مدينة مشرقية إسلامية.
كما تضمن صوراً للأزياء الشعبية والجامع الأموي في أواخر القرن الخامس عشر، وصوراً بالبعد الأفقي لمدينة دمشق، مع مجموعة من الطوابع المستوحاة من معالم مدينة دمشق.  وفي الجانب الآخر من المعرض كانت هناك مجموعة كبيرة من الكتب عن دمشق ومبدعيها: “دمشق نزار قباني، ونصير شورى وفخري البارودي، وصور وطرائف من مجتمع دمشق، والحكايات الشعبية الشامية، والتقاليد والعادات الدمشقية.
حكاية الأبواب السبعة
ووثّقت الصورة البصرية والموسيقا معالم دمشق في مجموعة أفلام توثيقية منها، “أسواق وخانات دمشق” إخراج وإعداد المؤسسة العامة للسينما، وقصة “حي العمارة والعقيبة” إخراج وإعداد أكرم العلبي، وقصة “حي الميدان والصالحية” إخراج وإعداد لطفي لطفي، أما فيلم الافتتاح فكان “حكاية الأبواب السبعة” إعداد وإخراج المؤسسة العامة للسينما، تميّز بموسيقاه الشرقية ووصفه التاريخي لأبواب دمشق وفي الوقت ذاته رصد الحركة اليومية للمكان، ومن خلال التعليق السردي نقرأ تاريخ أبواب دمشق مثل باب جيرون الذي يسمى اليوم باب النوفرة، باب البريد من أبواب دمشق الداخلية، باب المدينة الكنعانية الغربي، وكان فيه دار أبي الدرداء، ويقع في غربي المدينة، ويتألف من ثلاث فتحات: الكبيرة في الوسط وفتحتان جانبيتان، وهو حارس المدينة ولقب “بثغر دمشق”، شهد هذا الباب ملايين الناس من كنعان وآرام ويونان ورومان وآشور وأمويين وعباسيين، وفاطميين وسلاجقة ومماليك وأيوبيين وعثمانيين وفرنسيين وإنكليز، وتتالت عليه الأقوام حتى الآن، وتابع الفيلم وصف الأبواب ليصل إلى الباب الشرقي الذي يقع في شرق البلد وهو أكبر الأبواب، وكان له دور كبير أيام الرومان ويتألف من ثلاثة أبواب، سُدّ اثنان وبقي الباب الشمالي، بُني أيام كركلا قبل مئتي سنة قبل المسيح عليه السلام ، وهو باب ثابت وصل إلى القرن العشرين كما بناه الرومان، ودخل منه خالد بن الوليد عند فتح دمشق، وتتالت في الفيلم حكاية الأبواب السبعة.
وعُرض فيلم”دمشق جوهرة بين الحاضر والماضي” إعداد وإخراج أحمد رامي الغزي، الذي يعمل في مكتبة الأسد، لتأخذ “موسيقا رقصة ستي” دور السارد والبطل فعلى نغماتها صوّرت كاميرته معالم دمشق القديمة بأحجارها وأقواسها وأسواقها وزيناتها، لتتوقف عند سوق البزورية بكل ما يحتويه من أعشاب ومجففات وصناعات، وأفردت كاميرته مساحة كبيرة لتصوير معالم المسجد الأموي بتقنيات التصوير الحديثة، وتضمن الأغنيات الشامية التراثية دمج  فيها مقاطع من أفراح أعمال البيئة الشامية على رقصات تلك الأغنيات بصوت هدى شعراوي، ووفاء موصلي مما أكسب الفيلم جمالية خاصة.

ملده شويكاني