ثقافة

الريادة الشامية في عصر سيف الدولة

ألقى د. عيسى العاكوب محاضرة في مجمع اللغة العربية بدمشق بعنوان “المدرسة الشعرية الشامية في عصر سيف الدولة الحمداني” تطرق فيها إلى محاور عدة، وتركز الحديث على الشعر العربي في إقليم عربي واحد هو الشام، في امتداده المتعالم له في العهود العربية والإسلامية الأولى، وفي عصر واحد هو عصر سيف الدولة الحمداني في حلب، حيث يقول المحاضر في آفاق المسألة: “منذُ جاهلية العرب كانت الشام مأمًّاً لشعراء كبار، كالنابغة الذبياني وحسان بن ثابت، كما كانت بيئة عربية تحتضن الشعر وتقيم لأعلامه وزناً كبيراً، وتنتج الشعر وحين استظلت الشام بظل شجرة الإسلام، كان لها تقدير خاص جاء نصاً في القرآن الكريم، والحديث الشريف وآثار الأصحاب الكرام، ولا ينبغي أن يُغفل أن الشام غدت عاصمة الإسلام بعد سنة أربعين هجرية، وإذا كانت الإمارات والدول في تاريخ العرب بيئات راعية للأدب شعراً ونثراً كانت الشام مغرِس الفحولة الشعرية عند العرب، وثمة ما هو لافت للنظر في التعامل مع شعراء الشام في القرون الثلاثة الأولى للإسلام، وهو أنهم ظلوا ينسبون إلى قبائلهم فالأخطل تغلبي وجرير والفرزدق تميميان، والراعي نميري. وحتى في القرن الثالث استمر هذا التقليد فأبو تمام والبحتري طائيان وما هذا بغريب فإن الطابع العام للدولة الأموية أنها دولة عربية اليد والقلب واللسان، حتى إن الجاحظ يقول دولة بني العباس أعجمية خراسانية، ودولة بني مروان عربية أعرابية.

وقدم د. العاكوب إلماعة سريعة عن الحياة الأدبية في بلاط سيف الدولة وعن البيئة التي هيأها للشعر والشعراء حيث قال: “كانت حلب عاصمة سيف الدولة تشع ألقاً وإشراقاً وتوافرت رعاية كبيرة للفنانين والمبدعين في ظل هذا الحاكم العربي، الذي حاز رياستي السيف والقلم، وتبنى فلسفة عجيبة تجمع بين بناء الأوطان ورعاية الإنسان، وأنشأ جيشاً نصفه من شعراء البوادي، ونصفه الآخر من أُمراء الحواضر كان بلاط سيف الدولة في حلب، ومدينة حلب على الجملة، موئلاً يفد إليه أصحاب الفنون المتفوقون من أصقاع عالم ذلك الزمان، ليجدوا الأمان والتشجيع والعيش الكريم، وفي ظلال كهذه تتفجر ينابيع الإبداع في الشعر والكتابة الفنية والخطابة وعلوم اللغة والفلسفة والموسيقا والرسم والتصوير، فقد كان كل ما في عاصمة سيف الدولة في عصره يثير الهمم ويدفع إلى التخليق ويحرك النفوس ويهز الطباع.

وتطرق الباحث في محاضرته إلى المدرسة الشعرية الشامية منوهاً إلى القَصد العام والخاصيات فيقول: “في الاصطلاح العام تعني المدرسة الفكرية، أو المذهب العقلي ونعني بالمدرسة الشعرية الشامية في عصر سيف الدولة مجموعة الشعراء الذين عاشوا في بلاد الشام من أهل هذه البلاد، ومِن الذين جاؤوا إليها من العراق وفارس وتأثروا بطريقة شعرائها في إبداع الشعر، وقدموا فيها شيئاً من أشعارهم، وراقهم السكان والبلد والفن في ذلك العصر، وأطلق عليهم اسم المدرسة الشعرية الشامية لإيماننا بوجود خصائص فكرية وفنية جامعة نسبياً بين هؤلاء.

أما خاصيات هذه المدرسة فتتمثل أولاً بالتفوق والسبق، ويأتي ثانيها الجزالة والعذوبة، والفصاحة والسلاسة وثالثها استيفاء البراعة وكمال الصناعة ورونق الطلاوة.

ويلفت المحاضر إلى أعلام المدرسة الشعرية الشامية في عصر سيف الدولة حيث أن رعايته الشعر فعلت فعلها في إتاحة فضاء فني يجذب إليه شعراء كباراً من الديار الشامية ومن عراقيي العرب والعجم ومن خراسان وما وراء النهر، فيقول: “نشأ في بلاط سيف الدولة ما يشبه أن يكون اتحاداً للشعراء العرب في ذلك العصر. ولا يشك في أن من يفدون على هذا البلاط من الشعراء هم من الطِّراز المبدع المتقن، وأن الأشعار التي تقدم من الطراز المهذب المهيأ لقبول الأنظار الفاحصة الناقدة من الأمير الحمداني نفسه، ومن بطانته من علماء العربية وشعرائها الكبار، ومن أعلام المدرسة الشعرية الشامية في هذا العصر أسماء لامعة في ديوان الشعر العربي، مثل: أبي العباس أحمد بن محمد النامي، وأبي الحسين الناشئ الأصغر، وأبي القاسم الزاهي أبا فراس الحارث بن سعيد وأبو الطيب المتنبي وغيرهم الكثير.

وختم د. العاكوب محاضرته بالحديث حول ما قدمت المدرسة الشعرية الشامية في عصر سيف الدولة نموذجاً يكاد يكون فذاً في تاريخ الشعر العربي في الصورة وفي المضمون، فكان أن اتسم الغرس الشامي في الشعر بالمتانة وشدة الأسر وفصاحة الأداء، وصفاء البداوة مع حلاوة الحضارة، واستخراج الجواهر الشعرية من معادنها.

علا أحمد