دراساتصحيفة البعث

روسيا والصين مصممتان على التخلص من الدولار

 

موقع موندياليزاسيون 29/1/2018
ترجمة: هيفاء علي
تعمل دول أوراسيا بدأب على تطوير وسائل خاصة بها لضمان تحقيق النمو لاقتصادياتها بعيداً عن العقوبات المالية المفروضة عليها من قبل وزارة الخزانة الأمريكية.
فقد أعلنت روسيا مؤخراً أنها سترسل ما يعادل مليار دولار من سندات الدولة باليوان الصيني وليس بالدولار، كما هو معتاد، وهذه أول عملية بيع سندات روسية بهذه العملة، وبينما يبدو مبلغ مليار دولار قليلاً بالنسبة إلى كتلة الديون الكلية لبنك الصين الشعبي، أو مقارنة بالدين الفيدرالي الأمريكي بأكثر من 20 ألف مليار دولار، إلا أن دلالته تتخطى المبلغ الضعيف، إذ تحاول حكومتا الصين وروسيا اختبار مدى قدرة الدولة على تمويل بناها التحتية، ومشاريع أخرى بمنأى عن خطر الدولار الناجم عن بعض الأحداث كالعقوبات المالية التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية على هاتين الحكومتين.

دين روسي ويوان صيني
منذ العجز السيادي لروسيا في آب 1998 الذي سببه الغرب، غدت عمليات التمويل العامة في البلاد حذرة، لأن حجم الدين العام الوطني كان أضعف من كل ديون الدول الصناعية الكبرى، إذ شكل فقط 10,6 من الناتج الخام المحلي السنوي، ما أتاح لروسيا مقاومة عقوبات الحرب المالية المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2014، ودفعها للبحث عن مكان آخر لضمان استقرارها المالي، وكانت جمهورية الصين الشعبية هي هذا “المكان الآخر”، لذلك يخطط وزير المالية الروسي، للمرة الأولى، لبيع الدين الروسي على شكل سندات مقررة بالعملة الصينية، وكانت قيمة العرض الأول الذي تم اختباره في السوق حوالي 6 مليارات يوان، أي ما يقرب من مليار دولار، تم تنظيم عملية البيع من قبل الشركة الروسية العامة “غاز بروم بنك وبنك الصين لتد”، وأكبر بنوك الصين العامة وهما البنك التجاري والصناعي الصيني، تسارعت الحركة جراء تقارير تبيّن أن وزارة الخزانة الأمريكية تدرس النتائج الناجمة عن مد وتوسيع العقوبات التي طالت حتى الآن المشاريع النفطية، ومشاريع الغاز الروسية في محاولة لتشمل حربها التجارية القائمة على العقوبات الدين السيادي الروسي، وسيتم التباحث حول أول قرض باليوان في بورصة موسكو ليتم بيعه لمستثمري الصين الدوليين، وكذلك للمقترضين الدوليين، والروس بمعدل فائدة مغر.. لقد دفعت العقوبات الغربية، أو التهديدات بفرض العقوبات، كلاً من روسيا والصين إلى التعاون بطريقة أكثر استراتيجية حول ما غدا مصدراً بديلاً حقيقياً لنظام الدولار، إضافة إلى أن عروض الدين الروسي باليوان ستعطي نجاحاً كبيراً لرغبة الصين بإرساء اليوان كعملة عالمية معترف بها.
زد على ذلك أن المساعي الخاصة ببدء إصدار دين الدولة الروسي باليوان تمضي جنباً إلى جنب مع تطور هام للارتقاء بقبول عالمي أوسع لليوان مقابل الدولار الأمريكي، وفي منتصف كانون الأول من العام المنصرم، أنهت السلطات الصينية الاختبارات النهائية الخاصة بإبرام عقد دائم حول البترول، ليس مدعوماً بالدولار وإنما باليوان- الصين، أكبر بلد في العالم في استيراد النفط- وحتى الآن، كانت الرقابة والسيطرة على أسواق النفط المالية خاضعة لبنوك وول ستريت وأسواق نيويورك، ولندن وغيرها، إلا أن بروز شنغهاي كمركز هام للعقود حول النفط المبرمة باليوان من شأنه إضعاف هيمنة الدولار على تجارة البترول.
ومنذ حدوث الصدمة النفطية في فترة 1970، وارتفاع سعر البترول400% بسبب دول منظمة أوبك، حافظت واشنطن على نظام ملزم ومتشدد يكون فيه التفاوض حول الإنتاج الأغلى ثمناً في العالم، النفط، فقط بالدولار الأمريكي، ففي كانون الثاني 1974، وقعت وزارة الخزانة الأمريكية مع المكتب النقدي السعودي في الرياض اتفاقاً سرياً يرمي إلى إقامة علاقة جديدة عن طريق بنك نيويورك المركزي، مع عمليات الإقراض من الخزانة الأمريكية لشراء دين الحكومة الأمريكية من قبل شركات البترودولار الفائضة، ووافق السعوديون على إنجاز مبيعات النفط لأوبك بالدولار مقابل معدات عسكرية أمريكية- تم شراؤها بالدولار- وكانت تلك بداية ما أسماه وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، هنري كيسنجر، إعادة تطويق البترودولار.
وفي العصر الحديث، عمل زعيما دولتين فقط من الدول المصدرة للبترول وهما العراق وليبيا على تغيير هذا النظام، وبيع النفط باليورو، أو الدينارات الذهبية حالياً، أما الصين فهي تنافس نظام البترودولار بطريقة مختلفة مع البترو- يوان، إذ تعمل روسيا وإيران بدعم ضمني من الصين، وتتعاون لتفادي فرض الدولار جراء الضغط الأمريكي، ما يشكّل تحدياً كبيراً للدولار الأمريكي أكبر من التحدي الذي شكّله العراق وليبيا، لهذا فإن العقد الدائم حول البترول، المقرر باليوان الصيني، سيتيح لشركاء الصين التجاريين الدفع بالذهب، واستبدال اليوان بالذهب دون الحاجة لوضع النقود في صناديق صينية، أو تغيير العملة إلى الدولار الأمريكي، وبات بوسع مصدري البترول، مثل روسيا، وإيران، أو فنزويلا، المستهدفة بالعقوبات الأمريكية، التخلص من هذه العقوبات بتفادي التعاملات، وإبرام العقود النفطية بالدولار، ففي أيلول الماضي ردت فنزويلا على العقوبات الأمريكية بإصدارها تعليمات لشركة النفط الحكومية، والمفاوضين، بإبرام عقود بيع النفط باليورو، وعدم الدفع بعد الآن بالدولار الأمريكي.
ذهب من أجل النفط!
ستقوم شركة شنغهاي الدولية للطاقة بإطلاق عقود حول النفط الخام مقررة باليوان الصيني، وهذه العقود ستعمل على تنظيم وترسيخ عملية بيع البترول باليوان للصين، وهذا ما اطلعت عليه روسيا عقب العقوبات عام 2014، ما سيسمح أيضاً لمنتجي النفط الآخرين في العالم ببيع نفطهم باليوان بدلاً من الدولار الأمريكي، وسيكون العقد الدائم حول النفط الخام أول عقد للسلع في الصين مفتوح لصناديق الاستثمار الأجنبي، وأمام دور السمسرة والمؤسسات والشركات النفطية، زد على ذلك أن عزوف التجارة عن الدولار الأمريكي من شأنه أن يساعد مصدري النفط كإيران وروسيا، على سبيل المثال، على تجاهل العقوبات الأمريكية، ولجعل العرض أكثر جاذبية واستقطاباً، ربطت الصين العقد الدائم حول النفط الخام مع خيار تحويل اليوان إلى ذهب بكل سهولة في شنغهاي وهونغ كونغ، حيث ستمنح هذه الميزة للعقود الصينية ميزة تنافسية لقيم المصدر الحالي للسوق، وهي مجموعة “برنت اند ويست تكساس انترميديات”.
حالياً، بات بمقدور روسيا وإيران ومنتجين آخرين للنفط بيع البترول للصين باليوان والروبل بعزوفهم عن الدولار بشكل تام، وسوف يشهد العالم هذا التغيير في الأسابيع القادمة عند إطلاق العقد الدائم حول النفط باليوان رسمياً، وللتذكير وضعت كل من روسيا والصين نظام مقايضة/تعويض بين اليوان والروبل الروسي في تشرين الثاني العام الماضي، الأمر الذي سيقلّص مخاطر تنظيم عقود النفط وسلع أخرى، كما تمت مبيعات النفط والغاز الروسي للصين باليوان منذ محاولة الولايات المتحدة عزل قطر عن دول الخليج- أهم مزود للصين بالغاز الطبيعي المسال- وتحولت هي الأخرى، أي قطر، نحو التسعير باليوان، إضافة إلى أن الصين تمارس ضغوطاً كبيرة على السعودية كي تلغي اتفاق 1974 مع واشنطن، وتبيع بترولها باليوان.

إيران ستنضم إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي
سوف تنضم إيران إلى التعاون المتنامي في أوراسيا، وسوف تصبح عضواً جديداً في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده روسيا خلال الشهر الجاري، وحالياً يضم هذا الاتحاد الذي تأسس عام 2015: روسيا، وكازاخستان، وبيلاروسيا، وأرمينيا، وقيرغيزستان، ويوفر منطقة واسعة لحركة البضائع، والخدمات، ورؤوس الأموال، واليد العاملة بين الدول الأعضاء، ويشكّل حالياً سوقاً قوامه 183 مليون شخص، وانضمام إيران إليه مع أكثر من 80 مليون مواطن سيمنح اقتصاديات الاتحاد واقتصادها الهام حافزاً قوياً للازدهار، ما سيخلق سوقاً مشتركة قوامها أكثر من 263 مليون شخص، مع يد عاملة نوعية من مهندسين، باحثين، ومهارة صناعية منافسة بقوة.