دراساتصحيفة البعث

معابــر المــوت فــي اليمــن

موقع: كونسورتيوم نيوز 7/2/2018
ترجمة: سمر سامي السمارة
يرى “كاثي كيلي” أن زيارة بول رايان الأخيرة إلى الخليج أكدت مجدداً على دعم الحكومة الأمريكية للهجوم الذي تقوده السعودية على اليمن، والذي خلق قدراً كبيراً من المعاناة الإنسانية.
في الثالث والعشرين من شهر كانون الثاني الماضي، انقلب قارب مكتظ بأشخاص تم تهريبهم قبالة ساحل عدن في جنوب اليمن، وكُدس ما لا يقل عن 152 لاجئاً مهاجراً من الصومال واثيوبيا في القارب، وأثناء وجودهم في عرض البحر قام المهربون بسحب البنادق عليهم لابتزازهم بهدف الحصول على مزيد من النقود، ووفقاً للغارديان، انقلب القارب الذي كان يحمل عشرات الأطفال على متنه.
تعرض الركاب بالفعل للمجازفة في رحلة محفوفة بالمخاطر من الشواطئ الأفريقية إلى اليمن، عبر معبر يجعل الناس عرضة للوعود الكاذبة والخاطفين الجشعين، والاحتجاز التعسفي، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وقد دفع اليأس المُطبق للاحتياجات الأساسية مئات الآلاف من المهاجرين الأفارقة إلى اليمن، على أمل الانتقال في نهاية المطاف إلى بلدان الخليج طلباً للعمل، لكن اليأس والقتال في جنوب اليمن كان مروعاً بما فيه الكفاية لجعل معظم المهاجرين الذين صعدوا على متن قارب التهريب في 23 كانون الثاني يحاولون العودة إلى أفريقيا.
وفي إشارة إلى أولئك الذين غرقوا عندما انقلب القارب، قالت لين معلوف، مديرة بحوث الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية: “تبرز هذه المأساة المؤلمة مجدداً مدى استمرار الحرب المدمرة في اليمن بالنسبة للمدنيين. ففي ظل القيود القاسية التي فرضها التحالف الذي تقوده السعودية، يجد العديد من الأشخاص الذين جاؤوا إلى اليمن فراراً من الصراع والقمع في أماكن أخرى – يجدون أنفسهم مجبرين على الفرار، مرة أخرى، بحثاً عن الأمان، وبعضهم يلقى حتفه في هذه العملية “.
في عام 2017، وصل أكثر من 55،000 مهاجر أفريقي إلى اليمن، أكثرهم مراهقون من الصومال واثيوبيا، حيث تدفع فرص العمل النادرة، والجفاف الشديد الناس إلى حافة المجاعة.
من الصعب عليهم ترتيب أو تحمل الانتقال إلى خارج اليمن، ليصبحوا محاصرين في أفقر بلد في شبه الجزيرة العربية التي تواجه الآن -مع العديد من بلدان شمال أفريقيا المنكوبة بالجفاف- أسوأ كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي اليمن، ثمانية ملايين شخص على شفا مجاعة بسبب الحرب التي تقودها السعودية، والتي تترك الملايين دون طعام ومياه صالحة للشرب. وقد عانى أكثر من مليون شخص من الكوليرا خلال العام الماضي، وأضافت آخر تقارير: إن انتشار مرض الخناق أدى إلى مزيد من الرعب، كما فاقمت حرب التحالف الذي تقوده السعودية، وانضمت إليه الولايات المتحدة، ودعمته منذ آذار 2015 البؤس للمواطنين، وأطالت أمده مع قصفه للمدنيين والبنية التحتية، واستمرار الحصار الذي حال دون نقل المواد الغذائية والوقود والأدوية التي يحتاج إليها كل يمني.
ودعت معلوف المجتمع الدولي الى “وقف عمليات شحن الأسلحة التي يمكن استخدامها في الحرب”، وللاستجابة لذلك، يتعين على المجتمع الدولي وقف جشع المقاولين العسكريين العابرين للحدود الذين يجنون أرباحاً طائلة من بيع أسلحة بمليارات الدولارات للمملكة السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين ودول أخرى في التحالف. وعلى سبيل المثال، ذكر تقرير لـ “رويترز” في تشرين الثاني 2017 أن السعودية وافقت على شراء ذخيرة دقيقة التوجيه من مقاولي وزارة الدفاع الأمريكية بنحو 7 مليارات دولار، كما اشترت دولة الإمارات العربية المتحدة أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات.
وفي المقام الأول سوف تستفيد شركتا رايثيون وبوينغ من الصفقة التي كانت جزءاً من اتفاق أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار بالتزامن مع زيارة الرئيس دونالد ترامب للمملكة السعودية في أيار من العام الماضي.
وصل رئيس مجلس النواب الأميركي بول رايان إلى السعودية مع وفد من الكونغرس للاجتماع مع الملك سلمان، ومن ثم مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي دبر حرب التحالف بقيادة السعودية على اليمن، وعقب الزيارة، التقى رايان والوفد مع حكام من الإمارات العربية المتحدة، وقال رايان متحدثاً إلى مجلس الإمارات للشباب الدبلوماسيين: ” كونوا مطمئنين!!!”.
وبخلاف الحقيقة الراسخة للدعم المالي السعودي الكبير للإرهاب، تغاضت تصريحات رايان عن الهجمات العسكرية التي يشنها تحالف السعودية على اليمن، والتي تدعمها وتنضم اليها الولايات المتحدة، ويمكن القول: إن الحرب هناك تقوّض الجهود الرامية إلى مكافحة الجماعات الإرهابية التي ازدهرت بسبب فوضى الحرب، ولا سيما في الجنوب التي تخضع لسيطرة الحكومة المتحالفة مع السعودية.
في الواقع، لم تتوان الولايات المتحدة عن بيع القنابل العنقودية والصواريخ الليزرية والسفن القتالية لحصار الموانئ الحيوية إلى دول التحالف الذي تقوده السعودية لاستخدامه في تدمير البنية التحتية لليمن، وخلق الفوضى، وزيادة معاناة المدنيين.
وبدوره، لم يرد رايان أي ذكر للمجاعة، والمرض، والتشريد الذي يعاني منه الشعب اليمني، وتجاهل ذكر انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة في شبكة السجون السرية التي تديرها دولة الإمارات العربية المتحدة في جنوب اليمن، وقد خلق رايان والوفد بشكل جوهري هالة من الاهتمام بحياة الإنسان للتستر على الإرهاب الفعلي الذي أقحمت السياسات الأمريكية من خلاله شعب اليمن والمنطقة المحيطة فيه.
يعيش من لا يستطيع الحصول على الغذاء لإطعام عائلاتهم حالة رعب تخوفاً من المجاعة المحتملة التي ستطال أطفالهم، ويواجه أولئك الذين لا يستطيعون الحصول على مياه شرب صالحة توقعات مرعبة من الجفاف أو المرض، فالأشخاص الذين يفرون من القنابل والقناصة والميليشيات المسلحة الذين قد تحتجزهم تعسفاً يرتجفون فزعاً عندما يحاولون إيجاد منافذ النجاة.
كان لدى بول رايان، ووفد الكونغرس الذي سافر معه، فرصة استثنائية لدعم المناشدات الإنسانية التي يُطلقها مسؤولو الأمم المتحدة، ومنظمو حقوق الإنسان، وبدلاً من ذلك، قال رايان: إن المخاوف الأمنية الوحيدة الجديرة بالذكر هي تلك التي تهدد الناس في الولايات المتحدة، وتعهد بالتعاون مع الطغاة القمعيين المعروفين بممارستهم انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في بلدانهم، وفي اليمن المحاصر.
يعطي “الصالحون” الذين يضعون، ويسوُقون للسياسة الخارجية للولايات المتحدة ولمبيعات الأسلحة مثالاً على القسوة الفظيعة، واللامبالاة للمهربين الذين يقامرون بحياة الإنسان في معابر بالغة الخطورة.