ثقافةصحيفة البعث

“ليل العالم”… شاهد على الحرب ودعوة للحياة

لوحات الفنان محمود جوابرة في معرضه “ليل العالم” الذي تحتضنه حالياً صالة “الآرت هاوس” هي شاهد على ما فعلته الحرب في أرواحنا، ومرآة لتهشم ذاتنا الداخلية، ولكنه بالرغم من سوداويته ممتلئ بدعوة للحياة ونفض غبار الألم وإشعال شمعة من قلب الظلام، وعن معرضه أوضح الفنان جوابرة: “ليل العالم” هو مختارات من مجموعة أعمال نفذتها خلال فترة الأزمة بدءاً من 2013 حتى منتصف عام 2016 أي خلال أربع سنوات وكنت بشكل طبيعي كأي شخص مثقل ومسكون برموز كثيرة، فالأزمة ليست اجتماعية فقط بل ثقافية وفنية أيضاً، لذلك ستكون الأعمال بشكل طبيعي متأثرة بذلك، وقد كانت مشاعري وانفعالاتي متأزمة وتعيش حالة الليل في هذا العالم الذي تركنا في حالة القتامة.

دعوة للحياة

ويضيف جوابرة: بما أنني مشتبك بثقافات كثيرة بدءاً من قصة الحضارة إلى الفلسفة، أسقطت كل ما قرأته على الحالة الواقعية لإنجاز هذا المنتج، ولذلك قدمت رؤية أخرى عن الحقيقة، فالفن هو تأليف يعتمد على تناغم عناصر تصل للمتلقي لتكون تجربة حقيقية للفنان وتهيئ المتلقي لإنتاج رؤيته الخاصة، فالفن وحده اللامحدود وهو كائن روحه من ذواتنا، يعيش فينا بلا وطن ويتغذى على آلامنا وفيه دعوة دائمة للبحث والتجريب، وأعمالي هي عوالم ليست في الحسبان، بل تأليف ينزع لمقاربة بين كائنات لا تفصح بسهولة عن بوحها دون أن نتماهى في عالمها من خلال إعادة تجريبها، حيث طغت سوادويتنا على ألوانها، وكان ليل العالم الحزين مرآة لذواتنا وشاهد على حرب قرعت بها الطبول بعظامنا، فكل ما جاء بهذه اللوحات هو الصراع الذي لا يموت، وصوتي دعوة للحياة لأن الشمس تشرق في كل يوم، فما أسعد حظ المرء الذي بمقدوره أن يشعل شمعة قبل حلول الظلام.

أسئلة وجودية

وأشار الفنان والناقد الأردني محمد العامري إلى أن الفنان الجوابرة مشتبك بثقافات متنوعة وبعيدة كمغذيات لوجوده الثقافي، تلك المغذيات التي تمظهرت في مجمل أعماله الفنية، وانتظمت في مساقات تشخيصية تعبيرية من باب تحميله مجموعة من الرؤى والهواجس وصولاً إلى موقفه الوجودي من الحياة، حيث يتحول الوجه لديه إلى جغرافيا من الألم الجمعي رغم فرديته، ونرى إحساساً “كافكوياً” في طبيعة تناوله للألم  الذي ينغرس في أعماق العالم، كما لو أننا أمام فعل كابوسي لا ينتهي حيث  تتحول أشكاله إلى مجموعة من الهواجس والمحمولات التي تعبر عن ألم غامق في ذات الفنان، والذي  شكل موضوعه الرئيسي، وأضاف: هذا الفنان يمكث في استمتاع الألم كونه مساحة يومية في حياته، أو ما يسمى جماليات الألم الخلاق الذي يحيلنا إلى ما ذهب إليه جوابرة في الاستفادة منه كموضوع جمالي ينبهنا إلى طبائع الحياة، فهو منغمس في أساطير بعيدة يؤثث أعماله بوجودية مليئة بالأسئلة الكبيرة، وهي أسئلة الوجود وما رافقه من قبح أًصبح حاضراً في حياة الإنسان العربي، وأكد أن جوابرة فنان الأسئلة الكبيرة التي طرحها عبر مزيد من التساؤلات في لوحاته التي تئن بأشكالها المتألمة والحزينة.

 

رمزية الغموض

كذلك رأى الفنان د. عبد الكريم فرج هواجس إنسانية عميقة تنبعث من أعمال جوابرة برمزية الغموض والاستفهام، وتلف عناصر تأليفاته الفنية مفردات إنسانية تتكوم هنا وتتناثر هناك في حراك وجداني وبصري يرفض السكون، تشي بغربة داخلية وتستدعي رؤى متخيلة مدفونة في أعماق لاشعورية ترفض الخنوع لإنسانية معذبة، وبتوق شديد إلى جمالياتها الذاتية تركل أعمال جوابرة إلى ضفاف فلسفية فطرية أو أسطورية تتجسد في تراكيب تصورية مشبعة بالغرابة والمفاجأة، وتنحو نحو إنسانيتها، كما أنها تحمل نبوءاتها التي ترفض حاضرها لترسم صورة تعانق فيها روح الأسطورة التي يؤلفها الفنان جوابرة بكل حيرته وظنونه، وتحمل عواطفها في انبثاقات لونية كثيفة وسخية لتفتح آفاق البهجة وقد خرجت من عزلتها بوجوه إنسانية، وامتدت لتملأ الزمان والمكان، وأوضح أن أسطورة جوابرة تلخص أزمة عصفت بحياة منبئة بانتصار الإنسانية، فإبداعاته الفنية التصويرية تحمل عنواناً واحداً هو تراب الوطن بلونه القرمزي، وهو لم يعتكف، ففي لوحاته نداءات تسمعنا أصواتاً لأشكال غريبة وعديدة تسجل تعابيرها بخطوط وألوان مكثفة بعيدة عن السطحية أو الزخرفية العائمة، فالفنان جوابرة ابن سهل حوران الذي عرف رعونة الحياة فقابلها بصبر وإرادة قوية تنبئ بها لوحاته وإبداعاته الفنية في وطن عزيز احتضن أهم وأعظم الحضارات الإنسانية.

لوردا فوزي