رأيصحيفة البعث

ضيـــــاع؟!

 

لعلّها ليست بشرى سعيدة أن نلجأ إلى “عين المواطن” من أجل ضبط الأسواق والضرب على أيدي التجار المتلاعبين. فالمشروع أو الخيار الجديد الذي لاذت به وزارة “حماية المستهلك” يبدو ملتبساً في غاياته وتطبيقاته، وفي جدواه أيضاً، لأن المشكلة برمتها لا تبدو مرتبطة بحيثيّة الإحجام عن الشكوى كخصلة تستحكم بالمواطن السوري -ربما لأسباب تراحمية أو عرفية ذات منشأ اجتماعي- بل ثمة ضروب أخرى من الخلل تعتري مجمل آلية عمل هذه الوزارة الغارقة في تناقضات الدور والحضور منذ العام 2005، وتسلل “لوثة” تحرير الأسعار التي عصفت بنا تحت غواية عناوين ليبرالية مستوردة كوصفات معلّبة جاهزة.
ولعله من الحكمة هنا الاستفسار عن الأثر الذي ستحدثه “عين المواطن” مهما حظي بنظرة ثاقبة ومسافات رؤية مديدة، ثم براعة في ممارسة ما يشبه الحماية الذاتية، لو تمرّد فعلاً على خوفه من الوصمة الاجتماعية في حال لبّى واستجاب وبادر للشكوى، ليكون “عين الوزارة” – وهي التسمية الأنسب لفكرة الدكتور الغربي، الذي يبدو حريصاً بالفعل على فرض دور فعّال لوزارته في بيئة عمل أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها خاصّة واستثنائية؟.
أي دعونا نفترض أن المواطن–المستهلك اشتكى فمما سيشتكي؟.
بالتأكيد لن يقوم بدور مخابر التحليل ليكتشف حالات الغش والتدليس والتلاعب في النسب المعيارية والمواصفات، لأي سلعة كانت غذائية أو كيميائية أو هندسية أو نسيجية، فهذا ما لا علاقة لـ “العين ” بمعايرته، ستكون الشكوى بشأن الأسعار، وهذا أكثر ما يؤرق المستهلك اليوم، ليكون التساؤل المحرج للوزارة ودوائر الحماية متعلّقاً بما يمكن أن تفعله انتصاراً للشاكي، على تاجر متلاعب بالأسعار، في ظل غياب تام لأية عتبات ولو تأشيرية ملزمة تحدد سقوفاً سعريّة للسلع المتداولة في السوق، وغياب أية إشارة لعقوبات وروادع لمخالفات سعرية في القانون الناظم لعمل الوزارة، فعلى أي أساس ستكون المساءلة، ولماذا الشكوى أساساً، وما الحكمة من شحذ رؤية المواطن والتعويل على “عينه”؟.
لا نظن مطلقاً أن الوزارة بكامل كوادرها وأطقمها الرقابية، غائبة عن حقيقة الرّض العنيف والموجع الذي سببته الأسعار للمستهلك، خصوصاً وأن الوزير الغربي رجل ميداني، فلماذا قذف الكرة باتجاه المواطن، واللهو بحكايا استعراضية وما يشبه “الترف الإجرائي ” في هذا الزمن الصعب؟.
الواقع أن مهمة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لا تبدو سهلة مطلقاً في زمن اختلاط الأوراق وتداخل المعايير، وسيادة تجليات مقولة “الغاية تبرر الوسيلة”، والأهم وربما الأخطر قلّة الثقة بعناصر حماية المستهلك، فهذه حقيقة أفصح عنها جمهور المستهلكين على الامتداد الأفقي للجغرافيا السورية منذ حقبة الرخاء فكيف بنا في هذا الظرف الموتور؟. بل وربما هي قناعة راسخة لدى “الآمرين” في الوزارة إلا أنهم لا يملكون البوح بها لأنها اعتراف تأكيد للتهمة، والدروس السابقة على طول التجربة التنفيذية تؤكد وتؤكد.
بقي أن نسأل الدكتور الغربي وبصراحة، إلى أين وصلتم في مساعيكم، التي أعلنتم عنها، بخصوص تعديل قانون حماية المستهلك، والذي تدركون أنه سبب ارتباك الوزارة أمام مهامها الأساسية؟. ولماذا اللجوء إلى الخيارات التجميلية كبديل للخيار الجراحي “التعديل” اللازم بإلحاح، والذي لم نفهم حتى الآن لماذا لم يُنجز؟!.
ناظم عيد