تحقيقاتصحيفة البعث

لجنة لدراسة واقع المياه في السويداء 320 مليــون ليــرة كلفــة إصــلاح الغاطســات والأزمــة المائيــة إلــى تفاقــم

 

تدل المؤشرات الحالية أن الخط البياني لحل أزمة المياه في السويداء يسير باتجاه تنازلي، وأنه رغم كل الإمكانيات المادية التي يتم ضخها، إلا أن الواقع يدل على أنه لا انفراج محتملاً في ظل الاستمرار على نفس المنهج والآلية، فتخزين السدود حتى اللحظة، لا يذكر في مقاييس المخازين التي يمكن التعويل عليها، وبالوقت ذاته في خطة طارئة لمواجهة أزمة عطش محتملة صيفاً لم يتم العمل بها حتى اللحظة، رغم ضيق الوقت والخيارات، ولذلك عوامل كثيرة، منها إدارية، ومنها فنية وتقنية، ولحفظ ماء الوجه تم تشكيل لجنة قامت بالدراسة والبحث ووضع المقترحات، فما هي النتائج التي توصلت إليها اللجنة، وما هي مقترحاتها، ولماذا إصرار المؤسسة على إصلاح الغاطسات خارج المحافظة؟ وهل مجلس الإدارة غائب أم مغيّب؟.
أمر إداري
المكتب التنفيذي للمحافظة، قام بتشكيل لجنة لدراسة واقع المياه في المحافظة، وكان الأمر الإداري رقم /1501ق/10/1 تاريخ 11/7/2017مكونة من أربعة عشر عضواً، معظمهم مهندسون مختصون وحقوقيون وخبراء.. تقول عضو المكتب التنفيذي المهندسة سها الجرماني: إن اللجنة قامت بالبحث في تطوير الواقع المائي، وتطوير أداء الآبار، وتخفيف الأعطال، وزيادة العمر التصميمي للتجهيزات الميكانيكية والكهربائية المركبة فيها، وكذلك اقتراح الحلول لتطوير أداء الجهات العاملة في هذا المجال، ورفع سوية وجودة العمل الإداري والفني، وكذلك اقتراح الحلول للنهوض بالكادر الفني، وتأهيل الكوادر البشرية بما يضمن رفع سوية الأعمال الفنية والتقنية في المحافظة.

صيانة واستثمار
نظراً لأهمية دائرة الصيانة والاستثمار، سنتوقف عند مقترحات وتوصيات اللجنة حولها، فقد بيّنت اللجنة في تقريرها، الذي حصلت البعث على نسخة منه، أن إسناد العمل، وشغل الوظائف وتسميتها، لا يتوافق مع الهيكل التنظيمي والنظام الداخلي العام المعتمد أصولاً والتي استأنست به اللجنة، ومثال ذلك لا يوجد معاون لمدير الصيانة والاستثمار رغم أهمية وجوده.
وبعد اطلاع اللجنة على واقع العمل في قسم الآبار ودائرة الصيانة الميكانيكية والكهربائية، تبيّن لها عدم المتابعة الميدانية للرؤساء في كل من قسم الآبار ودائرة الصيانة، وبالتالي عدم الوقوف على عمليات التركيب والتنفيذ لمجموعات الضخ والتجهيزات العامة من كابلات وبواري ولوحات تحكم وتغذية كهربائية بالشكل الأمثل، وهذا أدى لخروج عدد كبير من مجموعات الضخ عن الخدمة، أما النتيجة الثانية التي وصلت إليها اللجنة، هي عدم تأهيل وتدريب العاملين المكلفين بالعمل في هذه الآبار، حيث لاحظت اللجنة أن هذه الأعمال لا تتم حسب الأصول الفنية والهندسية الواجب اتباعها، وقد لاحظت اللجنة حسب تقريرها عدم قيام قسم الآبار ودائرة الصيانة بالبحث الدقيق عن أسباب خروج مجموعات الضخ، وإيجاد الحلول السريعة والمناسبة لها لتخفيف الأعطال، والحد من هدر المال العام، ومن النتائج التي توصلت إليها اللجنة أيضاً عدم قيام الدائرة المذكورة بدراسة الجدوى الاقتصادية من إصلاح مجموعات الضخ، حيث تبيّن أن مجموع المبالغ التي أنفقت على صيانة مجموعات الضخ الغاطسة بلغ 320 مليون ليرة سورية خلال عشرة أشهر، وقد لاحظت اللجنة لدى قيامها بإجراء القياس على نشاط لجان الإشراف والاستلام بهذه المديرية أن تلك اللجان لا تقوم بمتابعة عمليات الصيانة بشكل كامل، بدءاً من فك مجموعات الضخ، وصولاً إلى تجميعها بحيث تكون جاهزة للعمل، وأن عمليات الاستلام لا تتم بالشكل الأمثل، وحسب المتطلبات الفنية التي تبيّن جودة الصيانة لمجموعات الضخ، ومدى كفاءتها للعمل بعد عمليات الصيانة والإصلاح، ومن ملاحظات اللجنة أيضاً أنه عند تشكيل لجان الاستلام المؤقت والنهائي عدم وجود عضو حقوقي أو إداري أو مالي مختص، كون مهام اللجان مرتبطة بشكل وثيق بأمور قانونية تشمل العقد، ومن المقترحات التي قدمتها اللجنة إعفاء كل من رئيس قسم الآبار، ورئيس دائرة الصيانة من المهام الموكلة إليهما.

الحيتان والأسماك تسبح
وبالوقوف عند النتائج التي توصلت إليها اللجنة نجد هناك مئات الملايين من الليرات تصرف على عمليات صيانة الغاطسات، ويبدو أن بيت القصيد يكمن في عملية الصيانة تلك والتي تفتح باب التساؤلات مفتوحاً على العديد من الاحتمالات، فمتعهد الصيانة واحد، ولجان الإشراف والاستلام شكلية، ومتابعة عمليات الإصلاح متروكة”لمهنية المتعهد وعماله وضميرهم،”أما أن تتعطل ذات الغاطسة مرات عدة، وفي فترات متقاربة، فهذا” لا حول للمتعهد ولا قوة”، وبالنتيجة 320 مليون ليرة تصرف عداً ونقداً للمتعهد ذاته خلال عشرة أشهر تحت بند حلول عاجلة وإسعافية وطارئة، ومن باب معالجة أزمة العطش في المحافظة، طبعاً الإدارة لا تملك بنداً قانونياً يخولها شراء نحو مئة غاطسة جديدة بالمبلغ ذاته، ولكن ببند الشراء فالمناقلة بين بنود الصيانة والشراء ممنوعة طالما الحيتان والأسماك تسبح وتمرح في المياه.
ورغم أن وزير الموارد المائية وجه خلال زيارته الأخيرة للسويداء بتبديل الحيتان والأسماك التي تسبح وتمرح في المؤسسة، طبعاً ذلك مرتبط بعملية إصلاح الغاطسات، ومع ذلك فإن تلك التوجيهات ضربت بعرض حائط الفائدة والمنفعة التي تحققها عمليات الصيانة تلك للحيتان والأسماك المقصودة والمعروفة لمجلس الإدارة.

الحلول موجودة
تعتبر مشكلة إصلاح الغاطسات من أهم المشاكل التي تثير تساؤلات حول آلية العمل في مؤسسة المياه، وإذا كان العذر موجوداً بعدم وجود خبرات فنية محلية تقوم بالمهمة ذاتها؟!.
وبتعريف الغاطسات، حسب قاموس القائمين على الصيانة في المؤسسة، هي مجموعات ضخ المياه من أعماق الآبار، يجب أن تكون كثيرة الأعطال جراء التيار الكهربائي غير المنتظم، أو غزارة المياه أو نضوبها، أو جراء حركة أمواج المحيط الهادي، يتم إصلاحها عند متعهد واحد “خلقته المهنة وكسرت القالب”، ويجب الوثوق به ثقة عمياء، بحيث لا يتم سؤاله ماذا فعلت، وكيف أصلحت، وحتى اللحظة لم يتم سماع صوت كوادر من الثانوية المهنية تقول بقدرته على القيام بالمهمة ذاتها بوفر مالي يصل إلى نحو 90%.
يقول مدير التربية المساعد لشؤون التعليم المهني: إن الثانوية المهنية أبدت استعدادها بكتاب رسمي موجه للسيد المحافظ للقيام بعمليات إصلاح الغاطسات، حيث تم تأهيل وتدريب كوادر فنية في الثانوية المهنية على يد خبراء ومختصين، وأجروا العديد من التجارب التي أعطت نتائج مشجعة يمكن الاستناد إليها.

معامل الاستطاعة
وبالعودة إلى تقرير اللجنة التي قامت بدراسة عامل هام جداً، وهو معامل الاستطاعة للتجهيزات الكهربائية العاملة في هذه المشاريع، وإيجاد الطرق المناسبة لتحسينه، وانخفاض قيمة معامل الاستطاعة للتجهيزات الكهربائية العاملة، أو منظومات القوى الكهربائية بشكل عام، فإنه يؤدي إلى نقص قدرة المنظومة الكهربائية وأدائها، وذلك بسبب التحميل الزائد، طبعاً لن ندخل هنا في تفصيلات فنية يعرفها المختصون في هذا المجال، إلا أننا نتوقف عند النتيجة التي توصلت إليها اللجنة بأن تحسين معامل الاستطاعة يمكن المؤسسة من استخدام محولات ومعدات وقطع أصغر حجماً، إضافة إلى تخفيض الفقد في الطاقة، والهبوط في الجهد، ما يعود بالفائدة المالية على كل من المستهلك والمغذي، إلا أنه، وحسب تقرير اللجنة، فإن الغالبية العظمى من وحدات تحسين معامل الاستطاعة المركبة، بعضها معطلة وخارجة عن الخدمة، وبعضها غير معطل، ولكنه غير مستخدم، وبالنتيجة فإن قيمة الغرامة المالية نتيجة لانخفاض معامل الاستطاعة لسنة كاملة نحو 7 ملايين ليرة، وبالتالي لابد من صيانة وإصلاح وحدات تحسين معامل الاستطاعة، وإعادتها للخدمة بالسرعة القصوى، والمتابعة الفنية المستمرة والدائمة لعمل هذه الوحدات.

هيكل مؤسساتي
رغم كل المحاولات لحل أزمة المياه في السويداء، ورغم كل المشاريع المطروحة، ومنها اصطياد المياه في المنطقة الجنوبية، إلا أن تلك المشاريع لم تتجاوز المسكنات التي لا تغني ولا تسمن من عطش، ورغم تعاقب الإدارات ومجالسها، إلا أن العمل بالحلول الإسعافية والطارئة مازال سائداً، والسباق بين الأزمة والحلول مازال لصالح تصاعد الأزمة حتى اللحظة، فعملية الاصطياد يجب أن تبدأ بالأسماك والحيتان التي تسبح في أروقة مديريات المؤسسة، وهذا يوفر الكثير من الجهد والمال لاصطياد المياه لاحقاً، ويبدو أن البداية تبدأ من إنهاء عقد إصلاح الغاطسات وتسليمه للثانوية المهنية لما له من دور فعال في معالجة الكثير من حالات الخلل، ولابد لمجلس إدارة المؤسسة أن يضطلع بمسؤولياته الكاملة في اتخاذ قرارات استراتيجية، تبدأ من الهيكل التنظيمي، والنظام الداخلي للمؤسسة، وصولاً إلى وضع رؤية واضحة المعالم لمواجهة صيف مائي صعب على المحافظة، وإذا كان تقرير اللجنة على طاولة الوزير المختص، نأمل ألا ينتقل إلى الأدراج قبل اتخاذ القرارات المناسبة.

رفعت الديك