ثقافةصحيفة البعث

رولا حسن: المشهد الشعري السوري يحتاج الآن إلى غربلة

كتبت في العديد من الدوريات المحلية والعربية، ولديها باقة من المجموعات الشعرية والنقدية التي بدأتها بباكورتها الأغلى على قلبها “شتاءات قصيرة” تلك التي بارك لها فيها المفكر “أنطوان مقدسي” ونصحها عندما كان مديرا للتأليف في الهيئة العامة للكتاب أن تتابع به، وتعمل منذ عامين تقريبا على كتاب جديد بعنوان “الموجة الجديدة في الشعر السوري –شاعرات سوريات 2011\2016- أنجزت فيه قراءة لتجارب 24 شاعرة سورية من الجيل الجديد، لكنها محبطة من تضخم الذات عند الكثيرات والأنا المتورمة شيء مؤسف في الشعر كما في غيره من الفنون. إلا أنها لم تكل في أن تضع ولو بذرة صغيرة في رحم الحياة، محاولة البدء من عندها أولا في إعادة إعمار النفوس، وذلك من خلال مشروع ثقافي تعمل فيه الآن بعد أن تقدمت بمبادرة إلى مجلس محافظة حمص ومديرية الثقافة مع مجموعة من المثقفين والمهتمين بالكتاب لإقامة نشاطات دورية خاصة بالكتاب أهمها إقامة جلسات حوارية لمناقشة كتاب بشكل شهري، وعرض فيلم مقتبس عن عمل روائي وورشات قراءة للأطفال.
عن هذا وغيره كان هذا الحوار:
< أين الشاعرة رولا حسن من المشهد الشعري السوري اليوم؟ وكيف تصفينه؟
<< دائما يفاجئني هذا السؤال ولاسيما وسط هذه الخلطة العجيبة ووسط التسويق لشعراء هم بعيدون كل البعد عن الشعر، أنا الآن لا أرى مشهدا شعريا سوريا بقدر ما أرى ما يمكن وصفه بـ “اسمع جعجعة ولا أرى طحينا!” المشهد الشعري الآن بحاجة ماسة لعملية غربلة ولمواكبه نقدية جدية، فكل هذا الزحام الشعري خلال الحرب لم يفرز أي تجمع شعري جدي قادر على فرز الأصوات الجيدة ومن ثم الأخذ بيدها، ولا حتى أي مجلة خاصة بالشعر السوري الجديد على اختلاف تياراته! أتساءل أين الهيئة العامة السورية للكتاب من كل هذا ولماذا تقوم بطباعة مجموعات شعرية لا تنتمي للشعر بأي شكل من الأشكال.
< يبدو أن الشعر هو الوصفة الأسهل من بين الفنون لعموم الناس، لذا رأينا خصوصا في سنوات الحرب، زيادة لا منطقية في عدد الشعراء، وكما تعرفين الوصف هنا لا يعني أنه حقيقي، كيف تنظرين إلى هذه الظاهرة، ظاهرة شعراء العالم الافتراضي؟
<< باعتقادي أنها ظاهرة مرعبة والتسويق لها أمر مرعب أيضا، فاستسهال الكتابة يرمي قصيدة النثر في مهب الريح، وهنا أود أن أشير أن هناك تجارب جيدة ولديها حساسيتها الخاصة على مستوى التقنيات الشعرية، لكنها تضيع وسط هذه الزوبعة، واعتقد أن الأمر يحتاج لوقت ليتم فرز الأصوات الجيدة التي ستستمر، أيضا على المؤسسات الحكومية التي تعنى بالثقافة أن تستغل الفرصة لتعيد ثقة الجيل الجديد بها، وتوليه جزءا من اهتمامها سواء في وسائلها المقروءة أو المسموعة أو المرئية ولتبتعد عن “الشللية” والمحسوبيات لأن ثقافة المجتمعات حتى تبنى تحتاج لكثير من الصدق في العمل.
< تكتبين قصيدة النثر، وتعتبرين من الشاعرات اللواتي لديهن حساسية خاصة لرؤية تفاصيل الحياة من منظار شعري لغوي تكثيفي، ما هو الشعر عندك؟ وهل ينفصل مفهومه من شاعر لآخر؟
<< الشعر هو التقاط تفاصيل الحياة حتى تلك المخفية، وملامسة هشاشة الكائن، الشعر هو الحياة التي نحياها بصدق بعيدا عن الزيف والفصام والازدواجية. الشعر يعني أن نكون حقيقيين تماما، هو تأريخ للحظة المعاشة والإحساس العميق الذي قد لا ينتبه إليه أحد؛ الشعر وحده يضعنا في مواجهة حادة مع العالم المعاش، وهي مواجهة ليست سهلة كما يبدو لمن يظنها كذلك.
< تقولين: “الشعر وحده من ينتبه إلى المرايا وهي تتكسر داخلنا”، لكن هذه وجهة نظر خاصة، فلا ينتبه لها مثلا عموم الناس، كيف يصبح الشعر كما كان مرة أخرى وجدان الناس؟
<< حين يكون الشعر حقيقيا وليس مجرد برستيج أو برواز، ألا تعتقد أن قصيدة النثر قادرة أن تكون صورة عن وجدان الناس؟ في مراجعة بسيطة لما كُتب في قصيدة النثر، من جيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، سنجد شعراء سوريين كان لهم وجودهم المدوي في الساحة السورية والعربية، وكتبوا قصائد بديعة، شكلت بما هي عليه وبحساسيتها العالية، وجدانا ووعيا مختلفان.
< يعتبر العديد من النقاد أن من يحاول كتابة الشعر ثم لا ينجح يتجه نحو القصة، وفي حال لم ينجح أيضا، يتجه نحو الرواية، وكما تعلمين العديد من أهم الروائيين العالميين بدؤوا حياتهم الأدبية في الشعر، ألم تغرك الرواية في خوض غمارها، خصوصا أنها تصبح سهلة نوعا ما بالنسبة للشاعر الذي يكتب ما هو أصعب إن كان بالشرط الفني أو بالحالة العامة لكلا الجنسين الأدبيين؟.
<< لم يغرني شيء سوى الشعر وأعتقد أني أحبه لدرجة أني لن أكتب سواه، المحاولة في جنس أدبي آخر لم تشدني على الإطلاق، ولم أشعر أن الذين كتبوا الرواية أو القصة أو المسرح إلى جانب الشعر تفوقوا فيها عليه، بالعكس اعتبرته نوعا من الإفلاس فلا هم تطوروا في مجال الشعر، ولا هم قدموا على المستويات الأخرى شيئاً تفوق على ما قدموه في الشعر.
< نسمع عن الكثير من منابر شعرية افتراضية، وعلاقات عامة بما تعنيه هذه العبارة، تمر باسم الشعر، نشاهد على التلفزيون استضافات للعديد من الأشخاص موزعة عليهم ألقابا مجانية من مثال شاعر الياسمين، شاعرة الحزن شاعر الوطن وغيره من الألقاب، إلى إي مدى يساهم الإعلام غير التخصصي في تكريس شبهة الشعراء هؤلاء؟ ولماذا لا نجد عناية حقيقية بالشعراء السوريين الذين يعيشون في أوطانهم وكأنهم في منفى لا أحد يعرفهم؟
<< لقد وضعت يدك على الجرح، فالشعراء الحقيقيون في سورية يعيشون في عزلة أو منفى، بعيدا عن كل وسائل الإعلام التي تسوق عموما لكل ما هو رديء، ولا يوجد إعلام تخصصي بالشعر، اللقاء مع شاعر يجب أن يقدمه شاعر أو شخص له علاقة بالشعر، ما نراه موجع وهذا الإعلام غير التخصصي مع الوقت شئنا أم أبينا سيكرس الرداءة، لا يوجد مصداقية على الإطلاق عدا عن سيادة الواسطة والمحسوبيات التي طالت الثقافة أيضا للأسف وهذا شيء مرعب. شخصيا أنا يائسة من المشهد الثقافي السوري الذي لا يعير اهتماما للأدباء السوريين على مستوى اختلاف الأجناس التي يكتبونها، لذا ترى الشعراء السوريين الحقيقيين لم يغادروا البلد جغرافيا فهم غادروها روحيا لأنهم معزولين وسط كل هذه الزحمة التي لن تثمر أبدا بهذه الطريقة وما تزال سياسة تكريس المكرس قائمة، الأمر محزن.
< أكثر من نصف قرن ومئات الشعراء، وما زالت قصيدة النثر التي تكتبينها، ليست هي قصيدة المنبر، عدا عن ابتعاد جمهور القراء عنها، لماذا برأيك؟
<< لم تسع يوما قصيدة النثر لأن تكون قصيدة منبر، هي أساسا جاءت كرد على القصيدة ذات النبرة العالية، قصيدة النثر هي قصيدة الخفوت والبياض، قصيدة قول ما لا يقال إلا همسا، ابتعادها عن النبرة العالية والقافية جعل الكثير من محبي الشعر يبتعدون عنها ولا يعتبرونها شعرا وابتعادها عن القضايا الكبرى واهتمامها باليومي والمعاش واتكاءها على السرد كل هذا جعلها قصيدة النخبة، وهي حتى اللحظة كذلك، وهذا يدل على سموها، فلا يثبت فيها إلا من كان صاحب قلب من ورد ونار.
< تجدين في الحياة عموما، أن العديد من الأبيات الشعرية، قد تحولت بمرور الأيام إلى حكمة أو مثل، لكننا حتى اللحظة لم نجد هذا يحدث مع قصيدة النثر، لماذا لم تقدر هذه القصيدة على تزويد الحياة بمعجم لغوي مختلف؟
<< هنا أخالفك الرأي، هناك الكثير من المقاطع القصيرة يرددها الكثيرون ويحفظها أناس عاديون الأمر متعلق بنوعية القراءة وطبيعتها مثلا الكثيرون يرددون “مقطع عباس بيضون “اجلس محاطا بكل هؤلاء \الذين جعلوني وحيدا”تعبيرا عن عزلة الإنسان المعاصر، عدا عن غيره من الشعراء الذين أثروا الحياة اللغوية بالكثير من الروابط اللغوية غير المألوفة سابقا.
< المرأة والشعر، العنوان وحده يبدو شهيا، ماذا تخبرينا عن هذه الجدلية؟
<< سأتحدث عن علاقتي كامرأة بالشعر: الحقيقة أن الأمر لم يكن سهلا في مجتمع شرقي يصنف المرأة الشاعرة بأنها خارج السرب ولا سيما عند تكون وفية لذاتها وحقيقية كامرأة وإنسانة الأمر لم يكن سهلا على الإطلاق، الخسارات لا تقدر بثمن ولا سيما أننا نعيش في مجتمع موارب ومنافق، الرجل المثقف فيه، هو العدو الأول للمرأة في المجتمع الشرقي، لأنه لا يستطيع رغم كل ما يدعيه عن تحرره العقلي الخروج من ذكوريته، لذا الاتهامات جاهزة وما أسهلها وما أكثرها للنيل من أمراه في مجتمعاتنا، عداك عن مرض الفصام الذي يعيشه المثقف في مجتمعنا.
حوار: تمّام علي بركات