ثقافةصحيفة البعث

“ليليت السورية” يختزل حكاية سورية مع الإرهاب

“انتصار السوريين مع السوريين وليس مع غيرهم” الجملة التي جاءت في المشاهد الأخيرة ولخصت رسالة المخرج غسان شميط في فيلمه” ليليت السورية ” المقتبس عن رواية “تحت سرة القمر” للكاتبة جهينة العوام، والذي أهداه المخرج شميط إلى روح الفنان سعدو الذيب الذي أعدّ الموسيقا التصويرية في العرض الخاص على مسرح الأوبرا، كان شاهداً على الأحداث التي عشناها ومازلنا نعيشها، ليعكس صاحب الشراع والعاصفة حكاية سورية مع الحرب الكونية متطرقاً بحوارات هادفة تنم عن روح أدبية إلى حضارتها وتاريخها، وتكوينها الاجتماعي المتناغم من مجموعة طوائف وانتماءات مثلت نسيج المجتمع السوري، ليحاكي في الوقت ذاته واقع الإنسان السوري الذي يواجه جزئيات الحرب وتبعاتها بواقعية لتأتي الأحداث مشبعة بقسوة حقيقية، تداخلت مع جانب من الفرح ومساحة كبيرة من الحبّ الذي وصفته ثناء بطلة الفيلم –الفنانة علا باشا- بالفضيلة، ليوظّفه المخرج شميط ضمن تصاعد الأحداث ليكون الملجأ والحلّ مع صوت فيروز”أنا لحبيبي وحبيبي إلي” لتعكس هذه الأغنية برمزية واضحة حبّ الإنسان السوري لبلده سورية وارتباطه المتجذر فيها، فامتلك شميط خطوط المعادلة السحرية بالمضي بعوالم وجدانية تتوازى مع الخوف والتعذيب والموت، مركزاً على المرأة السورية التي ترفض الخضوع والاستسلام وتتمرد على صعوبة الواقع أسوة بجانب من رمزية أسطورة”ليليت”، كما فعلت ثناء التي خرجت من الدائرة المغلقة وتابعت عملها وتزوجت ممن تحبّ بعد أن عانت من خيانة زوجها الأول وقسوته الذي مثل جانباً من الفساد الإداري وكان ضحية الإرهاب أيضاً، وقد كان بناء الفيلم أشبه بفيلم داخل فيلم معتمداً في كثير من المواضع على تقنية الاسترجاع باستحضار الذاكرة للشخوص والأحداث بفنية شدّت انتباه المشاهدين.

الأكثر خطراً
وتناول المخرج أزمة المهجّرين الذين فرضت عليهم ظروف الحرب التخلي عن منازلهم ومغادرة المناطق الساخنة إلى مناطق أكثر أمناً ليكونوا خليطاً اجتماعياً متجانساً متآلفاً كما هو في الواقع، من خلال اجتماعهم في مطعم ثناء الذي كان وسيلة غير مباشرة من قبل المخرج لرصد الأحداث التي جرت في دمشق من خلال شاشة التلفاز التي نقلت جزءاً من مشاهد تفجير القزاز، لكن المحور الأساسي الذي تطرق إليه شميط هوالعصابات المسلحة التي كانت أشد خطراً على أمن سورية، ليبيّن انجرار كثيرين إليها عائداً إلى الأحقاد الخفية التي فجّرت هذا الانتقام من خلال ما تعرضت له عائلة الحاج عبد القادر-جسد الدور بإبداع الفنان عبد الرحمن أبو القاسم، المتمسك ظاهرياً بتعاليم الدين لتحقيق مآربه بالتقرب من الأهالي ببناء الجامع ليتم انتخابه لعضوية مجلس الشعب، والإشكالية التي أثارها شميط في الجزء الثاني من الفيلم هي الجرائم التي يرتكبها رجال العصابات المسلحة في جامع عبد القادر من خلال الانتقام من ابنه الطبيب أحمد –الفنان مجد فضة- شقيق ثناء العائد من لندن، والذي يعدّ أنموذجاً للشاب السوري الذي يمتلك طاقة إيجابية.

أمهات الشهداء
الحادثة التي مثلت المحور الأساسي للفيلم فجّرمن خلالها المخرج قضايا متشعبة ارتبطت بحكاية أم الشهيد الممتدة على مساحة الجغرافيا السورية من خلال المشهد المؤلم الذي جسدته بعاطفة مؤثرة والدة أحمد – الفنانة فيلدا سمور- حينما رأت ابنها عائداً من الاختطاف داخلاً المطعم الذي تديره ثناء في جرمانا وهو شبه غائب عن الوعي بمشيها حافية القدمين، ليخترق المسمار قدمها وتنزف وتتابع مسيرها غير آبهة بالألم إلى المقام لشكر الله على نعمته، فتنتقل الكاميرا إلى مستوى سينمائي سردي يجسد بحزن حكايات الأمهات اللواتي فقدن أولادهن وأخريات يمضين أيامهن على حافة الانتظار.
ويركز المخرج من خلال تقنية الاسترجاع على حديث أحمد وتصوير الأحداث الخطرة ابتداء من خطفه من الباص بقوة السلاح إلى مراحل تعذيبه واغتصابه، ليتوقف عند بقية الجرائم باغتصاب الفتيات الصغيرات وصولاً إلى الاشتباكات والجثث والدخان الأسود فيتمكن أحمد وهو بحالة ذهول من الهرب، لكن تأثير الضرر النفسي والجسدي الذي أصابه جعله لايعي ما يدور حوله، ليمرر المخرج من خلال هذا التأثير الأضرار التي طالت الأبرياء لاسيما الشباب.

ضبابية النهاية
الحبّ الذي يحتمي به المعذبون والمتألمون والمهجّرون لم يستطع أن يقف في وجه الشر ضد الإنسانية وكل معاني الحياة الجميلة، حينما يقرر صبحي وجماعته تفجير المطعم الذي تعيش منه عشرات الأسر الملتجئة إلى مراكز الإيواء إذ تعمل النساء مع ثناء في تجهيز الخضار بمساعدة _أبو نذير- الفنان مشهور خيزران، لكن التفجير يقع قرب المطعم فيوقظ ضجيجه وصراخ الناس الواجب الإنساني والوطني عند الطبيب أحمد رغم حالته النفسية الصعبة، فيهرع غير آبه بصراخ ثناء إلى مكان التفجير، ليتقصد المخرج أن تبقى النهاية مفتوحة ويبقى مصير أحمد مجهولاً.
وعن شخصية أحمد ومصيره المجهول، أوضحت الكاتبة جهينة العوام بأن أحمد يمثل الأفكار الإيجابية في المجتمع التي تحمل التقدم والثقافة والعلمانية، وكل الأشياء التي نتمنى أن تكون موجودة بمجتمعنا، أما فيما يتعلق بالنهاية فهناك من يتخيل أنه جريح أو دخل بغيبوبة وهناك من يعتقد أنه مات، الافتراضات كلها واردة لأن الشباب هم الأكثر تضرراً إن كان بالموت أو بهجرة العلم، وقصة أحمد من القصص التي وقعت فعلاً.
ملده شويكاني