دراساتصحيفة البعث

تجربــة الوحــدة والأفــق الوحــدوي الجديــد

عبد الرحمن غنيم
كاتب وباحث فلسطيني

في الذكرى الستين لوحدة مصر وسورية, وقيام الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها الشمالي والجنوبي عام 1958, يتساءل المواطن العربي الحريص على مستقبل ومصير هذه الأمة: أين نحن من هدف الوحدة اليوم؟.
خاصة وأن ما تحقق عام 1958 يبدو تحقيقه صعباً أو متعذراً اليوم, لا بل وإن ما هو أنكى من ذلك، أن أنظمتنا العربية باتت إمّا تحترب فيما بينها, أو مهدّدة بالتقسيم، حيث يسعى أعداء أمتنا إلى إعادة رسم خريطة المنطقة, ومنها الوطن العربي, على نحو يلبّي مطامع الشيطان الصهيوني في التوسع والسيطرة، وفي إطار مخطط شيطاني جهنمي يقوم على تسليط عصابات إسلاموية تدّعي زوراً أنها إسلامية لتمارس كل صنوف الإفساد في الأرض, وتنشب مخالبها بصدر كلّ من قال إنه عروبي وكأنّ العروبة في نظرها تعادل الكفر.
إن ظهور مثل هذه العصابات, وما بلغته من حجم وانتشار يدللان على حقيقة القوى والأطراف التي تقف وراءها وتستثمرها, والتي تكشف إحدى مظاهر الحرب التي تشن علينا كعروبيين، وهي حرب تتخذ أشكالاً شتى, وما الإرهاب الإسلامويّ سوى واحد من هذه الأشكال، وبالرغم من خطورة هذا المظهر ودمويته إلا أن المظاهر الأخرى لمحاولة التحكم بالمصير العروبي لا تقل عنه ضراوة، ففي حالات عديدة تكون اليد الملساء الناعمة أشدّ خطورة وفتكاً من اليد التي تحمل الخنجر وتجز رقاب البشر أو اليد التي تتزنّر بحزام ناسف وتتفجّر وسط الناس.
لكن قبل محاولة الإحاطة بأهم أبعاد هذه المشكلة، دعونا نعود بذاكرتنا إلى العام 1958, ونقف عند الظروف التي قادت إلى صنع تجربة الوحدة في ذلك الحين.
ففي خمسينيات القرن الماضي كانت قضية التحرر وتكريسه هي العنصر الأبرز والأهم الذي يحكم التطلعات العربية، ولم يكن العديد من الأقطار العربية قد تخلص من الاستعمار الغربي التقليدي بعد, أو من بقايا مظاهر وجوده. وحتى الأقطار التي تخلصت من الاستعمار، كان عليها أن تتخذ موقفاً من محاولاته للعودة من النافذة بعد أن خرج من الباب، وقد اتخذت هذه المحاولات أشكالاً شتى: منها الاحتلال الصهيوني للجزء الأكبر من فلسطين عام 1948, ومنها الأحلاف الاستعمارية التي استهدفت إلحاق بلدان المنطقة عربية وإسلامية بالتبعية للغرب.
في تلك الظروف كانت ثورة 23 تموز 1952 في مصر الحدث الأبرز الذي عبّر عن تطلعات الجماهير العربية في مواجهة واقع موروث ران بكلكله على العرب لعدة قرون، وضمن تلك الظروف أيضاً كان تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1947 المعبر عن تطلعات الجماهير العربية في الوحدة والحرية وقضايا التحرر.
وخلال السنوات الأولى للثورة في مصر لم تكن الفكرة القومية قد تجسّدت بعد لدى قيادة الثورة, بل إن هذه الثورة راهنت على دور ما لجماعة الإخوان المسلمين بالذات، وتابعنا في ظل تلك الثورة افتتاح مقرات لجماعة الإخوان المسلمين في كل تجمع سكاني, ورأينا معسكرات تدريب للإخوان المسلمين تقام على أمل أن يسهموا في معركة إجلاء الانجليز عن منطقة قناة السويس, أو في المشاركة بمواجهة العدو الصهيوني، لكن محاولة الإخوان المسلمين المفاجئة لاغتيال عبد الناصر في الإسكندرية أدّت إلى تغيير عميق في نظرة قيادة الثورة في مصر ليس فقط تجاه جماعة الإخوان المسلمين ولكن أيضاً تجاه النشاط الحزبي بشكل عام.
هذا، وإن ما يستدعي التأمل والتفكير في هذا السياق, هو أن حلّ جماعة الإخوان المسلمين في مصر ومحاكمة قياداتهم المتهمة بتدبير محاولة الاغتيال, تبعه بشكل فوري سلسلة اعتداءات صهيونية واسعة استهدفت مواقع الجيش المصري في سيناء, مثلما استهدفت قطاع غزة , ممّا وضع القيادة المصرية أمام استحقاق ضرورة التصدّي لهذا التحدّي، وكان هذا التصدّي يتطلب تطويراً نوعياً لأسلحة الجيش المصري, فاتخذ الغرب موقفاً سلبياً إزاء هذا المطلب، ما دعا مصر إلى التوجه نحو المعسكر الاشتراكي, وكسر احتكار السلاح, وعقد صفقة السلاح الأولى مع تشيكوسلوفاكيا.
لا ريب أن هذا التزامن بين الاصطدام مع الإخوان وبين تصعيد العدوان، يثير في حد ذاته علامات استفهام خطيرة، خاصة وأن جانباً من التضليل كان قد بدأ، حين خرج باحث يدّعي بأن “طلائع الفتح” الإخوانية تأسست في ذلك الحين, وقامت بتنفيذ عمليات ضدّ العدو الصهيوني انطلاقاً من سيناء وقطاع غزة, مما جعل العدو يردّ على تلك العمليات بتلك الاعتداءات, الأمر الذي قاد مصر إلى كسر احتكار السلاح, معتبراً أن هذا التطور كان إنجازاً حققته تلك “الطلائع” المجهولة.
وواضح أن هذه الرواية تشير إلى التنظيم السرّي لجماعة الإخوان المسلمين وسلوكه، وبالطبع فإنه لا أحد يمكن أن يصدّق بأن هذه الجماعة بالذات يمكن أن تكون غايتها إجبار قيادة الثورة المصرية على التوجه نحو المعسكر الاشتراكي وكسر احتكار السلاح.
على كل حال, لم يكن كسر احتكار السلاح هو الإنجاز الوحيد الذي حققته قيادة الثورة في مصر آنذاك, إذ كانت هناك تدابير أخرى مهمة، ومنها تشكيل كتيبة الفدائيين بقيادة مصطفى حافظ, وتبع ذلك تشكيل كتيبة فلسطينية كانت بمثابة النواة لجيش التحرير الفلسطيني إلى جانب قوات الحرس الوطني الفلسطينية.
لكن الأمر الأهم والجوهري في هذا السياق هو أن تشكيل كتيبة الفدائيين جعل قيادة الثورة في مصر بحاجة إلى التواصل والتنسيق مع القوى القومية في المشرق العربي وفي مقدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي، وقد جرى تكليف عضو مجلس قيادة الثورة كمال رفعت بهذه المهمة، ومن خلال كتيبة الفدائيين بالذات، بدأ تعاون عملياتي مع البعثيين في قطاع غزة والأردن، وقد تعمّق هذا التعاون بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956, وبعد الاحتلال الصهيوني لقطاع غزة وسيناء, حيث انتقلت قيادة النشاط المقاوم إلى الرفاق البعثيين في قطاع غزة والضفة الغربية.
إن الفترة التي أعقبت انسحاب المعتدين من قطاع غزة وسيناء عام 1957 ستشهد أكبر الضغوط على الأحزاب الوطنية في الأردن, وفي مقدمتها حزب البعث بعد أن تصدت لمحاولة إلحاق الأردن بحلف بغداد, وسيترافق ذلك مع ضغوط ومؤامرات تهدف إلى جرّ سورية أيضاً للانضمام إلى هذا الحلف الذي كان يضم في ذلك الحين كلاً من تركيا والعراق وإيران.
من هنا نفهم الحقيقة القائلة بأن إرادة التحرر ومواجهة التحدي بشكليه الصهيوني والرجعي, وكلاهما تقف وراءه الامبريالية, هي التي أوجدت الرغبة أو الحاجة السورية للمطالبة بالوحدة بين مصر وسورية واعتبارها ضرورة وجودية وخياراً استراتيجياً باعتبار أن الوحدة يجب أن تتم على قاعدة الحرية وليس على قاعدة التبعية، وأن الضغوط الرامية إلى فرض التبعية هي التي وطدت الشعور بضرورة الوحدة للتغلب على تلك الضغوط, وخلق واقع جديد يعزز مسيرة النضال العربي التحرري، وإذا كانت الوحدة قد تحققت بين مصر وسورية في ذلك الحين, فقد تحققت على خلفية رفض الأحلاف الاستعمارية, وعلى قاعدة التمسك بالحرية, وقاعدة مجابهة التحديات العدوانية وفي مقدمتها التحدّي الصهيوني.
واليوم، حين نضع هذه المسألة في الاعتبار, ونفهم الأساس التحرري الذي بنيت عليه الوحدة عام 1958, يكون بوسعنا أن نفهم حقيقة المأزق الراهن الذي يعاني منه هدف الوحدة العربية، فالتطورات التي شهدها الواقع العربي منذ توقيع اتفاقيات كامب دافيد وحتى الآن كانت عملياً باتجاه تقليص مساحة التحرر لصالح منطق التبعية، لا بل إن الوضع الذي نواجهه الآن ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك, فنحن أولاً أمام محاولة تقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ, وثانياً أمام خطر إحلال الفوضى محل النظام, أو لنقل إبدال الحرية بالفوضى, وثالثاً أمام خطر إحلال أسوأ أشكال الاستبداد محل الحريات الديمقراطية, ورابعاً أمام خطر إحلال الجهل والظلامية محل حكم العقل والعقلانية, وخامساً أمام خطة غايتها حملنا على الرضوخ لمنطق التبعية بديلاً للاستقلال والحرية, ثم إننا أخيراً، زيادة على ما سبق، أمام محاولة للإهلاك تطبق علينا فيها الأفلاك!.
إزاء حالة من هذا النوع، يصير الحديث عن إمكانية الوحدة في ظل هذا الواقع نوعاً من الرومانسية الحالمة المنفصلة تماماً عن الواقع، لكن الحقيقة المرّة التي لا بد وأن نعترف بها هي أن القوى المعادية نجحت في إيجاد أسوار وموانع وعراقيل غايتها الحيلولة دون تحقيق هدف الوحدة بين أقطارنا حتى لو توفرت لدى أكثر من طرف القناعة بتحقيقه، ويكفي أن نذكر في هذا السياق الأمثلة التالية:
الأول: الموقف من الصراع العربي الصهيوني بعد أن قامت العديد من الأقطار العربية بتوقيع “اتفاقيات سلام” مع هذا العدو مثل اتفاقيات كامب دافيد وأوسلو ووادي عربة, وبعد أن قامت أقطار أخرى مثل دول مجلس التعاون الخليجي بالتواصل مع العدو والتطبيع معه, بل وهناك الآن من المعطيات ما يدلل على قيام تحالف بين بعض هذه الدول وبين العدو الصهيوني.
الثاني: إدخال تغييرات هيكلية على اقتصاديات العديد من الأقطار العربية وفق نصائح المنظمات الدولية التي تهيمن عليها الامبريالية والصهيونية, إضافة إلى تدابير اقتصادية أخرى أدت إلى ارتهان إرادة العديد من الأقطار العربية لأطراف أخرى استعمارية أو رجعية عربية, على نحو يجعل من التوجه السياسي نحو الوحدة نوعاً من الانتحار الاقتصادي بالنسبة لهذه الأقطار.
الثالث: ربط جيوش عربية أساسية بالتسلح من المصادر الغربية, وما ينطوي عليه ذلك من شروط تكبل الإرادة، والأهم أن الطرف الخارجي ومن خلاله امتلاكه قطع الغيار وبالذخائر اللازمة لهذه الأسلحة يمكنه فرض قيود على الإرادة السياسية, وبالتالي التحكم بقرار الحرب أو التأثير على الحرب إذا وقعت, كما يجعل من هذه المسألة أحد عناصر الضغط التي تعرقل التوجه نحو الوحدة.
إن هذه العوائق التي تعزز لمنطق “التبعية” كبديل لمنطق “الحرية” تجعل أيّ قطر عربي مبتلى بها عاجزاً عن تبني خيار الوحدة حتى وإن وجد أن مصلحته الوطنية والقومية تدعوه إلى تبني هذا الخيار, إذ أن الأثمان التي يمكن أن تترتب على اعتماد هذا الخيار بالنسبة لهذه الأقطار قد تكون فادحة، وتتطلب بالإضافة إلى التخلي عن “المساعدات” و”القروض” والاتفاقات السياسية والاقتصادية المرتبطة بها, أو إعادة النظر فيها, إعادة هيكلة الاقتصاد والجيش للمواءمة بين واقع الوحدة وبين القيم والأهداف المرتبطة به.
وهكذا, فإن من درى تطويقه بمثل هذه الأمور وارتبط مصيره بها، سيجد أن الوحدة بدل أن تكون مغنماً وعامل قوة إضافية, وهو الأمر المنطقي, باتت مغرماً تنجم عنه تكاليف باهظة، ما يجعل هذا الهدف في نظر النظام السياسي المعنيّ مستحيل التحقيق.
ولنضف إلى ما سبق، أن أقطاراً عربية عديدة كانت مرشحة للإسهام في تجارب وحدوية تعرّضت لتجارب قاسية بدءاً من الصومال الذي صارت “الصوملة” فيه مثالاً للتعبير عن الفوضى, ومروراً بالسودان الذي جزّئ ويراد له مزيد من التجزئة, وليبيا التي باتت ممزقة بين الميليشيات المتصارعة ومسرحاً لعصابات الإرهاب, واليمن الذي يتعرض لحرب عدوانية شرسة، ولم تسلم حتى سورية, وهي قلب العروبة النابض, والعمود الفقري لأي توجه وحدوي, من الاستهداف الأكبر الذي جند له ائتلاف من ثمانين دولة وتحالف من ستين دولة وإرهابيون مجلوبون من مائة دولة, ونحن نعرف بالطبع الظروف التي مرّ بها العراق مثلما نعرف الظروف التي مرّت بها الجزائر، وباختصار شديد, نحن أمام هجمة متواصلة تريد تمزيق الوطن العربي شرّ ممزّق.
إن واقع الحال في الوطن العربي يقول بأن الحفاظ على سلامة القطر الواحد بات هو الهدف المرتجى الأعلى أمام المخاطر التي يواجهها كل قطر, والتي تدار بالتأكيد من قبل جهة أساسية واحدة تقوم إستراتيجيتها ويعتمد بقاؤها على منطق التفتيت الاستراتيجي, وتتمثل بالكيان الصهيوني، وكما هو سائدٌ الآن, فإن الحديث عن الوحدة أو حتى التضامن في هذه الظروف لم يعد يتجاوز الدعوة الخجولة أو حتى المدّعاة في كثير من الأحيان لمحاربة الإرهاب التكفيري بعد أن بات هذا الإرهاب يشكل خطراً داهماً على أغلب الأقطار, وبعد أن بات التظاهر بمحاربته يهدف إلى تستر أقطار أخرى على دورها في تصنيعه وتشغيله.
إن المشهد كما عرضناه حتى الآن ليس سوى وجه واحد من وجوه الوضع، ولسنا مضطرين حتماً أن ننظر إلى الأمور من زاوية هذا المشهد البشع أو الوقوف على أطلال تجربتنا الوحدوية الأولى وتجاربنا اللاحقة نادبين، فالندبُ لن يجدينا, والاستسلام للواقع المرّ لن ينجينا، ونحن على أية حال موجودون في قلب الصراع ولسنا مجرد متفرجين يحكمون على ما آلت إليه الأمور عن بعد.
وبالطبع، ففي معركة الدفاع عن الحرية التي نخوضها الآن, هناك قوى تتحد وتتجاوز واقع التجزئة القطرية لتعانق الأفق القومي أو الإنساني، وفي هذه المعركة هناك فكر إسلامي ثوري مقاوم يواجه المنطق الإسلاموي الذي يتحكم فيه الأمريكي والبريطاني والصهيوني ومن لف لفهم، وهناك فكر عروبي قومي مقاوم، وهناك علاقة وثيقة ووطيدة تتكرّس اليوم بين العروبة والإسلام, أو بين العرب والمسلمين, وتنشأ على قاعدة التحرر التي بتنا نعبّر عنها الآن بمفهوم النهج المقاوم، وهو التعبير المنطقي الصحيح ما دمنا في حالة دفاع عن النفس بمواجهة التحالف العدواني، ففي محور المقاومة تتجسد الآن الإرادة الوحدوية التي يلتقي فيها العربي بالعربي, والعروبي بأخيه المسلم غير العربي, على قاعدة الدفاع المشترك عن المصير والوجود، وهكذا, فإن هدف الوحدة بكل أبعاده الوجودية المصيرية يتجسّد على أرض الصراع.
إن ما يحدث الآن يذكرنا بفخ أرادت الرجعية العربية أن تعرقل به تيار الوحدة الأولى بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة, وانتعاش آمال الجماهير العربية في حركات تحررية ثورية أوسع ووحدة عربية أوسع, فعمدت إلى طرح شعار “التحرير طريق الوحدة” ليكون بديلاً لشعار “الوحدة طريق التحرير”.
إن طرح هذا الشعار في حينه كان مثيراً للتساؤل لسببين:
الأول: معاكسته لتيار الوحدة, ومحاولته إقناع عرب فلسطين بالذات بالكف عن التبشير بالوحدة, فكان بمثابة دعوة لهم للنأي بالنفس تجاه المسألة القومية, وحصر تفكيرهم في فلسطين, ولا شيء غير فلسطين.
والثاني: أنه كان يلقي بعبء التحرير على عرب فلسطين وحدهم, ولم يطالب بانخراط العرب الآخرين والمسلمين في الجهاد لتحرير فلسطين، أي أنه كان على هذا النحو يريد نأياً عربياً وإسلامياً بالنفس عن معركة تحرير فلسطين.
إن حصيلة منطق من هذا النوع كانت تجريد الصراع العربي – الصهيوني من بعده القومي والإسلامي, وتحويله إلى صراع فلسطيني – إسرائيلي, وإعفاء العرب والمسلمين من مسؤولية المشاركة في تحرير فلسطين، وهنا يحق لنا أن نتساءل: إذا كان العرب أو العرب والمسلمون لن يتحدوا معاً في معركة تحرير فلسطين، فهل إذا نجح الفلسطينيون وحدهم في تحرير فلسطين سيتحد العرب أو العرب والمسلمون؟.
إن من يهرب من هدف الوحدة تحت الضرورة الماسّة لن يسعى إليه بعد انتفاء الضرورة، ومن أراد تحميل الفلسطينيين وحدهم عبء تحرير فلسطين تحت الشعار المراوغ القائل بأن “التحرير طريق الوحدة” دون أن ينخرط معهم عملياً في معركة التحرير, يكون كمن يريد تحميلهم أيضاً عبء توحيد الأمة بعد تحرير فلسطين دون أن يسهم هو في هذا التوحيد!، وهو على هذا النحو لا يريد تحرير فلسطين ولا توحيد الأمة.
إن المنطق النضالي العملي الذي يجسّده محور المقاومة الآن هو منطق الوحدة من خلال الصراع وعلى أرض الصراع. وهذا المنطق أوجد الآن لمحور المقاومة مرتكزات نضالية عملية في الكثير من الأقطار العربية والإسلامية, ولم يعد هذا المحور محصوراً في نطاق جغرافي محدد.
وقد التقى في هذا المحور، كل من التيار القومي مع التيار الإسلامي معاً في معركة واحدة بمواجهة العدو الخارجي ومرتكزاته في المنطقة، وإذا قلنا بأن محور المقاومة بات يمثل الأفق الوحدوي الجديد، فإننا نكون بذلك قد وضعنا هدفي الوحدة والتحرير معاً على طريق التحقق من خلال الممارسة النضالية العملية.