الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

قوّة الحقّ وحقّ القوّة

عبد الكريم النّاعم
قال: “كثيرا ما تساءلتُ بيني وبين نفسي، عن ذلك السرّ الذي جعل حزباً كحزب الله، يتحوّل من مجموعة صغيرة، إلى قوّة، بات العدوّ الإسرائيليّ، يحسب لها ألف حساب”.
أجابه: “سؤال وجيه، ومركزيّ، في خضمّ مواجهة المشاريع الصهيوأمريكيّة الأعرابيّة، وأظنّ أنّ لديّ ما يقال في هذا السياق:
1-الصرامة الأخلاقيّة في هذا الحزب، فهو حزب عقائديّ، حدّد هدفه في مواجهة المطامع الإسرائيليّة في لبنان أوّلا، ومن ثمّ في المجال الذي تطمع إسرائيل في التسلّل إليه، واحتلاله، بصيغة ما، من الدّاخل، فكان عناصر هذا الحزب على درجة عالية من الانضباط، لاسيّما حين فرّ الجيش الصهيوني من الجنوب، وترك عملاءه في العراء، فرغم ما عاناه الجنوبيّون على أيدي بعض عملاء إسرائيل، لم تحدث ضربة كفّ واحدة في تلك العودة.
2- تحصين الذات، ففي لبنان الذي يعجّ بالكثير من عملاء المخابرات العالميّة، والتي يرتبط معظمها بعلاقات حسنة مع الصهاينة، كان الإسرائيليّون في حالة عماء تجاه قدرات هذا الحزب البشريّة، والتسليحيّة، ولذا فقد فوجئوا بما وُوجِهوا به،
3- الصدق، فقد ظلّ هذا الحزب صادقاً في كلّ تعاملاته، لا يلجأ إلى التضليل، فهو صريح كأهدافه، يفعل ما يقول ويقول ما يفعل، ومن هنا كان ذلك الاختراق النّوعي الذي حقّقه داخل الكيان الصهيوني، فالشارع الإسرائيلي يصدّق ما يقوله السيد حسن نصر الله، أكثر ممّا يصدّق قادته.
4- الدّعم السوري، ولعلّ خير تعبير عن ذلك أنّ أحد المعروفين في غزّة حين سُئل عن لماذا لا يكونون كما حزب الله في لبنان، أجاب نحن نقع على حدود مصر، ولسنا على حدود سوريّة، ولا يحتاج التأكيد ما كرّره السيد قائد المقاومة في لبنان، في أكثر من مرّة أنه لولا سوريّة لما تمكّنا من تحقيق هذه الانتصارات”.
قاطعه: “قد نجد بعض ما ذكرت، في تاريخ الأمم، ولكنّه لم يكن بهذا الصفاءـ وتلك الطّهرانيّة”.
أجابه: “ذلك هو الفرق بين “قوّة الحقّ”، و”حقّ القوّة”، النّازيّة والفاشيّة والصهيونيّة نجحت في الوصول إلى مناطق تبدو خارقة في نظر البعض، ولكنّها حقّقتها بما لديها من فائض القوّة، وقد نعثر على تضحيات شبه أسطوريّة لدى بعض مقاطع التاريخ، فالكوميكاز الانتحاريّون، كانوا مدهشين في جرأتهم، وفي تضحياتهم الانتحاريّة، ولكنّ هذا لم يمنع أنّهم غزاة، وأنّهم يتحرّكون بحقّ القوّة، ويمكن أن نسحب هذا على بعض أفراد المجموعات الانتحاريّة الوهّابيّة، وهم يدنّسون هذه الأرض، وهذا أيضا حقّ القوّة المدعومة مالياً وتسليحيّاً وإعلامياً من قوى هذه الهجمة البربريّة الشرسة، إذن تحديد مواصفات الحق هي التي تعطيه قوّته، ولا يمكن أن تكون إلاّ حاملة للمواصفات الوطنيّة القوميّة التقدميّة، في مسارها لبلوغ العدالة الاجتماعيّة، وهذا الفارق هو الذي ينقل القوّة من حقّ مدَّعى بطّاش، إلى قوّة حقّ قادرة على الانتصار، وحماية حقول الأمّة..

aaalnaem@gmail.com