أخبارصحيفة البعث

ثمن الإستقلال: جسد مدمى … وروح قوية

 

د. مهدي دخل الله

سؤال مرير يطرح أحياناً: هل كان من الأفضل لنا أن نتخلى عن استقلالنا ونتبع الولايات المتحدة ونرتاح، أم أن الإستقلال أجدى حتى لو كان ثمنه فادحاً؟..
على الرغم من أن هذا السؤال لا يمثل خياراً لأحد عندنا، إلا أن له ما يسوغه من الناحية النظرية على الأقل..
هو ليس خياراً لأن الأمر محسوم لدى السوريين الذين عشقوا الاستقلال الحقيقي منذ عام 1918، وواجهوا من أجله في الخمسينيات محاولات ضم سورية إلى الحلف المركزي (حلف بغداد) كما واجهوا نظرية «ملء الفراغ» و«البيان الثلاثي» وكل مايقيد استقلال بلادهم الحقيقي..
أما على المستوى النظري فمعروفة هي القاعدة السورية التي تقول أن ثمن الاستقلال فادح لكنه أرخص من ثمن التبعية..
نحن قد تعلمنا دفع ثمن الاستقلال، حتى ولو كان جسدنا مدمى إلا أن روحنا قوية… الدليل هو هذه الحيوية المدهشة لدى السوريين في ظروف حرب هي من أسوأ الحروب وأعتاها على الإطلاق..
هل أحد يتصور أن دمشق ترغب، أو تستطيع، أن تكون تابعة كعواصم عربية عدة؟ هل أحد يتصور أن يملي علينا سفراء الولايات ودول الناتو الأخرى ماذا نفعل وكيف نتصرف؟؟..
كنا دائماً نقول أن الأنظمة التابعة في وسطنا العربي تتلقى الأوامر عبر الهاتف، وكان هناك من يظن أن هذا مجرد كلام مبالغ فيه. حسناً … دعوهم يعترفون بأسلوب واضح ولغة موجزة. قبل أسبوعين كان وزير دفاع قطر زائراً في واشنطن. هناك صرح بالحرف الواحد وبالفم الملآن:«يستطيع الرئيس ترامب حل الإشكال بين قطر والسعودية بالهاتف»..
هكذا… بالحرف. مشكلة كبيرة تكاد تصل إلى الحرب بين قطر والسعودية يحلها ترامب بالهاتف، فما بالكم بالقضايا الصغيرة؟؟..
هل يرضى السوريون بمثل هذا الحال؟؟..
سأروي لكم هذه الحادثة: عام 2006، حدثني سفير إحدى الدول العربية الكبرى، الكبرى جداً، أنه تلقى اتصالاً من السفارة الأمريكية في دمشق يأمره فيه القائم بالأعمال بإزالة صور حسن نصر الله الملصقة على زجاج كشك الشرطة السورية أمام سفارة البلد العربي في دمشق. أجاب السفير بأن الرصيف أمام السفارة يقع تحت سيادة الجمهورية العربية السورية أما سيادة بلده فتقتصر على داخل السفارة، فإذا أزعجته الصور فليتصل بوزير الداخلية السوري؟؟..
طبعاً.. لم يجرؤ الأمريكي، ولا يجرؤ، ولن يجرؤ، على الاتصال بالوزير السوري، لكنه وجد في اتصاله بالسفير العربي، بكل غطرسة ووقاحة وقلة أدب، أمراً عادياً. قال لي السفير: هذا هو طعم الاستقلال وهذا هو طعم التبعية!.. ثم روى لي قصصاً لا يصدقها عقل عن تدخل السفير الأمريكي في عاصمة بلده بكل صغيرة وكبيرة، وكيف أنه يعطي الأوامر بشكل صريح ومتغطرس. وتذكر السفير بحسرة وألم أيام كانت عاصمة بلده منارة للقومية العربية المستقلة..
زرت البلاد العربية كلها.. صدقوني أن الناس هناك ينظرون إلى السوري باحترام وإعجاب لأنه من بلد محترم يكاد يكون البلد الوحيد المستقل بين أشقائه. كما أن المسؤولين الأجانب من دول الاستعمار الجديد يحترمون السوريين حتى عندما يتضايقون من استقلالهم… لأن المستقل يفرض احترامه فرضاً..
هذه ليست تعابير «خشبية» ولا هي «لهجة خطابية» .. أنها حقيقة وواقع. وإن لم يكن الأمر كذلك فلماذا ندفع بكل فخر ثمن استقلالنا.. ولماذا تبقى روحنا قوية على الرغم من أن جسدنا مدمى؟؟..
mahdidakhlala@gmail.com