الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الأدب.. عالياً

د. نضال الصالح

تستمدّ أيّ جائزة أدبية قيمتها وأهميتها من عوامل ثلاثة: إخلاصها للحقيقة الإبداعية، وكفاءة لجنة أو لجان تحكيمها، والقيمة العالية للنصوص الفائزة فيها، وغياب أيّ من هذه العوامل الثلاثة يعني بالضرورة غياب العاملين الآخرين، لأنّ كلاً منها يرتبط مع الآخر بآصرة لا يمكن فصم عراها، ولأنّ هذه الآصرة نفسها، قوّةً أو ضعفاً، علامة دالّة على قوّة الجائزة أو ضعفها.

يعني العامل الأول طهارة الجائزة من أي اعتبارات سوى الإبداع، فلا موضوعات تفرضها الجائزة تتصل بهذه الدرجة أو تلك بأيديولوجية ما أو موقف ما أو إرادة ما، ويعني الثاني علاقة أعضاء لجنة التحكيم أو اللجان بالنقد الأدبيّ، معرفة بنظرياته وتاريخه واتجاهاته وممارسة حصيفة في مجاله، ويعني الثالث صلة النصوص الفائزة بالإبداع بحقّ، لا صلتها بما هو سابق عليه.

منذ ما يزيد على أربعة عقود تورّمت الحياة الثقافية العربية بالجوائز الأدبية، الرسمية وغير الرسمية، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن يبدو غير قليل من هذه الجوائز محكوماً باعتبارات غير إبداعية، وعلى نحو أدقّ باعتبارات قطرية أو إقليمية أو أيديولوجية أو سياسية بحتة، كما يبدو غير قليل منها على قطيعة تامة مع أيّ من العوامل المشار إليها آنفاً، وغير قليل منها، ثالثاً، يتوسّل بالإبداع من أجل غايات تتقدّم عليه، بل تكاد تنفيه أحياناً. والأمثلة في هذا المجال كثيرة، وإلى الحد الذي يضع غير جائزة في مواجهة غير سؤال عن حقيقة انتمائها إلى محفزات الإبداع، أو تقديرها للمبدعين بحقّ، أو تمكينها الإبداع بحقّ والمبدعين بحقّ من الجهر بنفسيهما كما يليق بهما، لا كما تشاء الإرادات السابقة على هذه الجائزة أو تلك.

على مدار سبع سنوات مضت كانت جائزة الطيب صالح الأدبية إحدى أهمّ الجوائز الأدبية العربية على الرغم من أنها لم تسلم، في غير دورة من دوراتها، من أذى تقديم ما هو غير إبداعيّ على ما هو إبداعيّ، وقرينة ذلك غير نصّ روائي مصاب بما أصطلح عليه بالعمى السردي، أي رؤية ما يريد الكاتب رؤيته من الواقع لا رؤية الواقع، وأحياناً ما يريد سواه من أجل المال، والمال وحده مهما يكن من أمر الحقيقة.

في هذه الدورة لهذه الجائزة كان للأديبين فيصل خرتش وحسن حميد حصادان في الجائزة، الأمر الذي يعني أنّ الأدب في سورية لمّا يزل يمتلك من أسباب القوة والإبداع ما يؤهله لفرض نفسه في المشهد الثقافيّ العربيّ مهما يكن من حال هذه الإرادة أو تلك من الإرادات التي يتقدّم السياسي فيها على الإبداعيّ، ومن حال الممجدين للزيف، والملوَّثين بشهوات قوى الشرّ المحمومة برؤية الخراب العربيّ وهو يعصف بالجغرافية العربية من أقصاها إلى أقصاها.

مبارك للاديبين خرتش وحميد فوزهما بجائزة الطيب صالح، ومبارك للأدب في سورية صموده في معركة المواجهة ضدّ الزيف، والعمى، والضلال.