رأيصحيفة البعث

“التهدئة” في السياق الأوسع

لا يخرج القرار الأممي الجديد بشأن سورية، والذي حمل الرقم 2401، عن سياق صراع الإرادات الدائر في سورية وعليها باعتباره حاصل ميزان القوى العالمية المتصادمة في هذه المرحلة من مراحل معركة صياغة شكل النظام العالمي القادم، وهي معركة قدّر لسورية أن تكون أحد أهم لحظاتها المفصلية، بحيث تحدّد نتيجة المعركة فيها وعليها الصورة شبه النهائية لما هو قادم من السنوات المتبقية من القرن الحالي.
بهذا المعنى لم يكن التوتير الأمريكي في مجلس الأمن – فرنسا وبريطانيا وغيرهما مجرد أتباع- بسبب الإنسان وحقوقه في “الغوطة”، أو غيرها، فالدول، وتحديداً ذات النزوع الإمبراطوري، وواشنطن أكبرها، ليست جمعيات خيرية أو منظمات إنسانية أممية، بل هي مصالح متضخمة لشركات كبرى وكارتلات اقتصادية لا تعرف “الشبع” بواجهات سياسية تستخدم قيماً أخلاقية، مثل حقوق الإنسان، والمنظمات التي تدعي العناية به، لذات الهدف الذي تستخدم به السلاح العسكري أو الاقتصادي، وهو خدمة “آليات السوق السياسية” التي تشتغل لصالح الإمبراطورية وأهدافها.
لذلك لم يكن “الشو” الإنساني الذي أدّته المندوبة الأمريكية في أروقة مجلس الأمن سوى تصعيد محسوب، ضمن الاستراتيجية الأمريكية الأوسع التي تعمل هذه الأيام على خطوط ثلاثة، يتحدّد الخطّ الأول بمنع انتصار روسي ناجز يُؤَسسُ عليه، وبسببه، استحقاق شراكة لاحق في القيادة العالمية، والغوطة باعتبارها آخر المعاقل الهامة لـ”جند واشنطن” مفصل هام في هذه المعركة، لذلك عليها أن تبقى سيفاً في خاصرة دمشق وموسكو بهدف إطالة أمد الحرب إلى أن تنضج الشروط المؤاتية أمريكياً لتقسيم سورية، وهو ما يتداخل مع الخطّ الثاني المتمثّل في العمل على استبدال القرارات الدولية ذات الصلة، وأهمها القرار “2254”، باتفاقية تقسيم سورية التي عقدتها “عصابة الخمسة” في واشنطن وتضمنتها وثيقة “اللاورقة” الشهيرة، لأن “من يضع له اليوم قدماً في سورية سيحصل غداً على قسيمة اشتراك في ثروة شرق المتوسط” الهائلة، أما الخطّ الثالث فهو استخدام تفاصيل الأزمة السورية لإثارة الغبار وإبعاد الأنظار عن “صفقة القرن” التي ستبدأ أولى خطواتها في أيار القادم بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والتصعيد السعودي ضد إيران يأتي في هذا السياق الأمريكي بغض النظر عن أسبابه السعودية المحضة من قبيل التنافس الإقليمي بين البلدين.
والحال فإن ما رافق “التهدئة” من تهديدات أمريكية عالية اللهجة، وما سبقها من خطوات لافتة يؤكّد أن الهدف الحالي هو الحفاظ على قوام “جند واشنطن” استعداداً لعملية جراحية مفاجئة، بذريعة “كيماوية” مثلاً، بهدف إحداث سيولة في الجغرافيا لمقايضتها لاحقاً بسيولة في السياسة إذا أمكن، وهو ما يؤكّده أيضاً تكثيف بناء القواعد العسكرية في شرق الفرات وفي الأراضي العراقية المتاخمة للحدود السورية، ليصبح واضحاً للجميع أن السردية الأمريكية القائلة بالبقاء في سورية حتى حل سياسي ترضى عنه، هي في الحقيقة إعلان أحادي الجانب عن احتلال جزء من الأرض السورية بموافقة قوى محلية ارتضت الاستعمار، وتلك ليست حالة غريبة بل كان هناك دائماً في كل التجارب العالمية من يقوم بدور “أبي رغال” الشهير.
قصارى القول: قرار “التهدئة” جاء في مرحلة هجوم أمريكي شامل على جبهات عدة- روسية وصينية وإيرانية وفلسطينية أيضاً- ولأبعاد استراتيجية تتجاوز سورية وتستثمر قضيتها، لذلك لن ترتفع أصوات الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية ضد الخرق الأمريكي للتهدئة والمجزرة الأخيرة في ريف دير الزور، ولن يتحرّك النظام الرسمي العربي ضد “التقسيم” أو للحفاظ على فلسطين، فبعضه مشارك في الجريمة.
وفي ظل حقيقة أن هدف الهجمة الحالية يطال الجميع، وتستخدم فيها كل أنواع الأسلحة، لذلك من الواجب، على جميع القوى الحية في المنطقة والعالم، عدم استبعاد أي سيناريو للرد، سواء كان سيناريو الكابوس الأفغاني، أو الفيتنامي، ولكل منهما شروط، داخلية وخارجية، يجب استكمالها لتحقيق أفضل النتائج الممكنة.
أحمد حسن