اقتصادصحيفة البعث

بانتظار صدور قانون الإصلاح الضريبي لحل الخلافات بينهما.. إشكالية العلاقة بين المكلفين والدوائر المالية قائمة على قرارات يعتبرها الطرف الأول متناقضة والثاني منطقية

لا تزال الخلافات تطفو على السطح في العلاقة بين المكلفين والدوائر المالية بشأن الاقتطاع الضريبي الناتج عن تراكم الكثير من القرارات الصادرة عن الهيئة العامة للضرائب والرسوم، والتي تحاول الهيئة من خلالها توضيح المطارح الضريبية وآلية احتسابها، بغية بتر أية محاولة للتهرب الضريبي، في حين يحاول بعض المكلفين التشكيك بمدى صحة هذه القرارات وإبداء عدم قناعتهم بها ووصفها بالمتناقضة، إذ بين أحد المراجعين لـ”البعث” أنه تم تكليف شركته المحدودة المسؤولية بضريبة رواتب وأجور على راتب مدير عام الشركة بعد تقدير مبلغ الراتب واحتساب الضريبة وإلزامه بالتسديد، وذلك رغم تأكيده أن الشركة لم تخصص راتباً لمديرها لكونه أحد الشركاء ويتقاسم الأرباح مع الشركاء نهاية العام، ليستند في اعتراضه إلى قرارين صادرين عن الهيئة، الأول يتيح إعفاء الشركة من الضريبة، والآخر يفترض وجود الراتب وبالتالي يخضع للضريبة..! لتبقى هذه القرارات محط جدل بين الأطراف المعنية، ريثما يتم إصدار قانون الإصلاح الضريبي المعوّل عليه بحل جميع الإشكاليات، وما يمكن أن يحمل في طياته من بنود تستحوذ على ثقة المكلفين التي من شأنها تحسين نسبة التحصيل الضريبي لخزينة الدولة!

 

تناقض

وبين لنا المكلف أن قانون الشركات محدودة المسؤولية يتيح لأصحابها تسمية أحد الشركاء بمنصب مدير عام مدة عامين، على أن يتولى الشريك الآخر المنصب نفسه لعامين تاليين، من دون تقاضيه لأي راتب لكونه شريكاً، لكن الدوائر المالية تطالبه بضريبة الدخل على “راتب مدير”، وفي حال عدم وجوده تقوم بتقدير الراتب واحتساب مقدار الضريبة عليه، معتبراً هذا الأمر اجتهاداً شخصياً من الدوائر المالية وموظفيها، وخارجاً عن القانون، مضيفاً أنه في حال استند إلى قرارات هيئة الضرائب والرسوم، فإن قراراتها تحمل في مضمونها الكثير من التناقض، وتتيح بموجبها التلاعب من قبل الدوائر المالية، إذ تترك لها القرار في تقرير وجود راتب للمدير العام للشركة وتقديره، وتبني عليه مقدار الضريبة السنوية المترتبة عليه، ولا يحق له الاعتراض إلا بعد دفع الضريبة، مشيراً إلى أن الدوائر المالية نفسها لا تقبل بأية نفقة مسددة وغير مؤيدة بوثيقة ومنها الرواتب والأجور التي قامت المالية بفرضها.

شبه سائدة

ولدى محاولتنا الاستيضاح من مصادر مالية عدة حول هذه المسألة، بين أحد المديرين أن هذه حالة خاصة ويمكن تسويتها، لكن واقع الحال يظهر أن حالة عدم المعرفة الصحيحة بقانون الشركات والقرارات الصادرة عن الهيئة حالة عامة وشبه سائدة، خاصة بعد أن أطلعنا المدير على تفاصيل هذه الإشكالية ليتبين لنا أن الحلول لن تخرج عن إطار المعالجة الفردية لكل حالة على حدة، في ظل غياب قرار ناظم لكل المراجعين!

ليسا متناقضين

قادتنا القضية إلى رأس الهرم المعني بها.. مدير عام هيئة الضرائب والرسوم عبد الكريم الحسين الذي لم يبدِ استغرابه لدى عرضنا عليه القرارات التي يستند عليها المكلفون بشأن ضريبة الدخل على راتب مدير الشركة، مبيناً أن محاولات التهرب الضريبي أدت إلى ابتكار طرق وأساليب جديدة يحاول المكلف من خلالها إخفاء أية مستحقات أو رواتب عن المالية ليُسقط المطرح الضريبي، موضحاً أن القرارين اللذين وصفهما المكلف بالمتناقضين، هما قراران منطقيان وليسا متناقضين، فالقرار الأول للتفريق بين شخصية المدير وشخصية الشركة الاعتبارية، وتبعاً له ينفي القرار وجود أي مسوغ لعدم مطالبته بضريبة الرواتب والأجور، على حين يختص القرار الثاني بالتأكد من وجود أية تعويضات مادية يتقاضاه رئيس مجلس الإدارة وأعضاؤه، ليتم إخضاعه للضريبة، وأن الإعفاء من الضريبة يكون في حال عدم وجود مستحقات مقبوضة.

محاولة بائسة

وبين الحسين أن لجوء المكلفين إلى الخلط بين قوانين شركات الأشخاص وشركات الأموال محاولة بائسة لا يمكن أن يتم استغلالها لصالحهم، إذ إن قانون شركات الأشخاص منحهم إعفاء من ضريبة الدخل، لكن قانون شركات محدودة المسؤولية تفترض وجود مدير يتقاضى دخلاً محدداً، موضحاً أن شركات الأموال تختلف في شخصيتها القانونية عن شخصية المساهمين فيها، وأن الشريك أو المساهم مسؤول في حدود رأس ماله المساهم في الشركة، وفي حال قيام أحد الشركاء بتولي عمل مدير فيها فإنه يمارس هذا العمل بصفته الشخصية وليس بصفته شريكاً أو مساهماً في الشركة، وبالتالي يترتب على الشركاء تسديد أجر له بغض النظر عن النتيجة السنوية، سواء كانت ربحاً أم خسارة؛ لذلك أكد الحسين أن الشريك في حال توليه لمنصب مدير عام للشركة فإنه يتقاضى راتباً خلال مهمته، ويجب أن يخضع لضريبة الرواتب والأجور.

يبدو أن تلك القرارات فتحت المجال واسعاً أمام تفسيرات وإفتاءات كثيرة للتهرب الضريبي، خاصة لأولئك القادرين على الخوض في تفاصيل بعض التشريعات الضريبية وتأويلها وفقاً لمآربهم، مستغلين بالمقابل تدني مستوى خبرة المعنيين في الدوائر المالية، في محاولة منهم لإسقاط مطارح ضريبية واجب تسديدها؛ لذلك أصبح صدور قانون الإصلاح الضريبي مطلباً أساسياً لتغيير هذا المشهد المتردي..!

فاتن شنان