ثقافةصحيفة البعث

تجربة المهند كلثوم في النادي السينمائي لمؤسسة أحفاد عشتار

احتفت مؤسسة أحفاد عشتار بالتعاون مع وزارة الثقافة بالمخرج المهند كلثوم بالنادي السينمائي في كندي دمشق بعد أن حصل فيلمه ياسمين على خمس وسبعين جائزة من مختلف المهرجانات الدولية، بعد فيلمه الأول روح الشرق، وللوهلة الأولى يتبادر إلى الأذهان سؤال ما هو القاسم المشترك بين فيلم يجسد مقتطفات من التراث اللامادي السوري، وبين فيلم يواجه بحكاياته الإرهاب؟.

توضح صور المخرج كلثوم للجمهور  ذاك الخط الدقيق المتغلغل في كل جزء من سورية، والذي بدا واضحاً باستحضاره صوراً من الحياة الآمنة قبل الحرب في أسواق دمشق القديمة التي تعكس تاريخها وحضارتها، لكن الصورة الأوضح كانت بتمريره رسالة في أحد المشاهد بتمسك الأب الذي فقد ابنته ياسمين بالعود ليعزف عليه”منرفض نحنا نموت” داخل أنقاض بيته بدلالة إلى التمسك بهويتنا وثقافتنا وجذورنا.

تراثنا اللامادي الحيّ

حمل فيلم روح الشرق كل ألوان الحبّ والجماليات الثقافية والاجتماعية المتأصلة في سورية منذ الأزل، والتي تمثل روح الشرق، لنمضي مع الحكواتي الذي يمثل جزءاً من تراثنا اللامادي وهو يسرد حكايات الصناعات التقليدية من الخزفيات إلى الزجاج المعشق إلى الصناديق الخشبية، إلى العجمي والأغباني والدامسكو وخيوط الصوف إلى الصدفيات التي تدخل بأفخر أنواع المفروشات، وصناعة الآلات الموسيقية والسيف الدمشقي، وفي منحى آخر تطرق إلى الطقوس والعادات والفنون من خلال مشاهد توثيقية درامية.

واعتمد المهند على الموسيقا الشرقية لنغمات الناي والعود وعلى حركة الكاميرا بتصوير مراحل التصنيع المتعلقة بكل صناعة في محافظات عدة من سورية، لتشترك الصورة المرئية مع السرد الحكائي، ليوصل كلثوم رسالته بأن التراث السوري هو هويتنا التي تحفظنا من العولمة.

مواجهة الأطفال الإرهاب

فيلم ياسمين الذي كان سفير سورية في حربها على الإرهاب، حمل للعالم بأسره بصورته التوثيقية والرمزية والسردية رسالة سورية المتمسكة بجذورها، أخذنا إلى عوالم الحرب، فالجندي العربي السوري الذي حفر الأخدود الصغير بين التراب لتمرّ المياه العذبة وليتسع ويتسع ليصبح بحيرة صغيرة تحيط بشجرة الياسمين كان رمزاً لسورية الباقية بقاء الدهر، والطفلة التي مسحت الدماء المنسدلة على الأرض لتشق طريقاً جديداً لفضاءات مشرقة، والأطفال الذين تجمعوا وسط أكوام الخراب وبين بقايا منازلهم وذكرياتهم وصورهم لدفن كل ألعاب العنف المسدس والسيف والبندقة ورش حبات الياسمين فوقهاِ، أوصلوا صوتهم إلى العالم كله بأنهم سيعيدون بناء سورية بعيداً عن أشكال العنف والدمار، والطفلة التي تحلم بالعودة إلى المخيم كما كانت تحلم أمها وجدتها بالعودة إلى فلسطين هي رسالة أطفال فلسطين من سورية باستمرارهم وتصميمهم على حق العودة.

وأوضحت د.أيسر ميداني بأنها أرادت الاحتفاء بتجربة المهند الشاب العصامي المبدع الذي اعتمد على نفسه، وقدم أفلاماً هادفة ونال الجوائز، ونبعت أفلامه من عمق المعاناة وصميم الوطنية لاسيما ياسمين الذي جاب العالم، ونحن نهدف من خلال النادي السينمائي إلى إظهار الإبداع السوري لاسيما الهامات الناشئة، وكل الإنتاج السينمائي السوري الذي عكس حقيقة الحرب السورية وجسد بالصورة المرئية نتائجها، وبالرغم من أن الأفلام تحضر في المهرجانات بدون مخرجيها، إلا أنها تحصل على جوائز، وهذا يجعلنا نرسخ وندعم الإبداع السوري الذي ينشر ثقافتنا عالمياً، وفي بلدنا وبين الشباب السوري بشكل خاص.

التاريخ والحرب

وبيّن معاون وزير الثقافة د. علي المبيض بأن القاسم المشرك بين الفيلمين واضح جداً، فالتاريخ السوري الضارب بجذور الأرض، يلتقي مع معاناة الحرب البشعة على سورية، إذ حاول الفيلم الأول إظهار عمق التاريخ السوري بالخزفيات والفخاريات ومن ثم بتطور الصناعات التقليدية التي هي مع الفنون الشعبية تمثل جزءاً من تراثنا اللامادي، هذا التراث الذي يشكّل حلقة هامة في التاريخ الإنساني العالمي، لنلمس شيئاً من ملامحه يندرج في الفيلم الثاني رغم قسوة مشاهد الحرب، ليخلص إلى رمزية الياسمين الزهرة التي لاشوك لها والتي تشد الإنسان إلى عطرها هي أنشودة البقاء.

وأبدت السيدة شهيرة فلوح المدير العام لهيئة مدارس أبناء الشهداء سعادتها بتفوق المهند كلثوم ابنها الروحي الذي تربى في مدرسة أبناء وبنات الشهداء، والذي نال جوائز عالمية عن مجمل أفلامه وعن فيلم ياسمين بالذات والتي أنجزها بوقت صعب جداً، وهذا ليس بالأمر السهل، وتحدثت عن فخرها به ليكون سنداً لإخوته في مدارس أبناء وبنات الشهداء الفريدة من نوعها في العالم التي أسسها القائد المؤسس حافظ الأسد، وأضافت بأن أبناء الشهداء كانوا على قدر من المسؤولية كما أراد القائد الخالد أن يكونوا وكما يريدهم السيد الرئيس بشار الأسد.

قيمة الشهادة

وتوقفت السيدة جانسيت قازان عند قسوة المشاهد المؤثرة بفيلم ياسمين إذ عانت من مرارة النزوح من محافظة إلى محافظة مثل كثيرين ممن تضرروا من الحرب، ومن فقد ابنها الذي استشهد مع رفاقه، لتصل إلى توجيه دعوة إلى الشعب السوري لنتحد جميعاً ونكرس محبة الوطن وقيم الشهادة والتضحية في نفوس أطفال سورية حتى نجد من يدافع عن سورية بعد سنوات، ولنتابع جميعاً مسيرة بناء سورية وبناء الإنسان.

وشكر المخرج المهند كلثوم الحاضرين ووجه شكراً خاصاً إلى المهندس رامز ترجمان وزير الإعلام السابق لأنه كان الداعم لإنجاز هذين الفيلمين، وبيّن بأن أحداث فيلم ياسمين التي انطلقت من المدرسة، ففي ظل الهجمة الشرسة على وطننا  يهدفون إلى شلّ الحركة التعليمية في سورية. ونحن نثبت للعالم بأنه حتى في صالات السينما توجد حياة وجمهور كبير مع أطفال الشهداء.

ملده شويكاني