تحقيقاتصحيفة البعث

لمواكبة متطلبات العمل برنامج أتمتة مشفى الأمراض الجلدية في مراحله الأخيرة.. وتقديم الدعم يسرّع عملية التنفيذ

ظروف الحرب والحصار، كشفت بشكل واضح قيمة المبادرات العلمية الشبابية التي تقوم على جهد ذاتي وبدوافع وأهداف وطنية، وقد علّمتنا سنوات الحرب أهمية الاعتماد على مثل هذه الخبرات الوطنية التي أثبتت كفاءتها وقدرتها على النهوض بواقع العمل في المجالات كافة، وهناك كوادر شبابية قادرة على العمل والعطاء والبحث، وإحداث نقلة نوعية في أي عمل بشرط توفر بيئة العمل المناسبة، وإتاحة الفرص، وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهذه الكفاءات والخبرات الوطنية بامتياز. برنامج أتمتة مشفى الأمراض الجلدية، يمثل مبادرة هامة، كونها تبحث عن آلية عمل جديدة للمشفى، تنهي الإجراءات الورقية المتبعة، وتنتقل إلى مرحلة أكثر تطوراً ومواكبة لمتطلبات العمل من خلال أتمتة الإجراءات كافة، بدءاً من مكتب القبول، وانتهاءً بتشكيل قاعدة بيانات وإحصائيات دقيقة تحقق المصلحة الطبية، وتخدم صحة أي مريض (مراجع). وطبعاً سنتناول هذه المبادرة من الناحية العلمية بعيداً عن المسائل الإدارية المتعلقة بالمشفى، ولذلك سيكون حديثنا مع الدكتور علي كحيلة، طالب الدراسات في مشفى الأمراض الجلدية، والذي عمل على تصميم البرنامج.
عبء كبير
لم يكن الحديث مع الدكتور علي كحيلة، طالب الدراسات في مشفى الأمراض الجلدية، والذي عمل على تصميم البرنامج، مجرد دردشة عابرة، بل كان مشحوناً بذلك العنفوان الشبابي المكتنز بالطاقة والثقة التي تعززت بوجود الدكتورة منال محمد، رئيسة قسم الأمراض الجلدية في المشفى (المدير العلمي)، التي أثنت على أهمية برنامج الأتمتة في مشفى الأمراض الجلدية، وقام بتصميمه الدكتور كحيلة، وبمبادرة ذاتية لخدمة المصلحة العامة.
ولم تتوان د. محمد في إظهار انعكاسات برنامج الأتمتة عند تطبيقه على عمل كل قسم وعيادة، والتأكيد على أن مشروع أتمتة المشفى يحقق هدفاً بحثياً تعليمياً عن طريق توفير بيانات دقيقة عن كل مريض (إحصائية وعلاجية)، فهناك، “والكلام للدكتورة محمد”، أمراض جلدية غير معروفة كالصدف، كما أن كل مرض جلدي يمثل خصوصية من ناحية المعالجة والأتمتة تسمح بإعطاء تفاصيل دقيقة عن حالة كل مريض، إضافة لتوثيق الحالات السريرية النادرة، أو صعبة العلاج من محافظات القطر كافة.
فعلى سبيل المثال عيادة اللاشمانيا، تفيد الأتمتة في توثيق الحالات وتصويرها ومتابعتها لعلاجها، وهناك حوالي 4000 مريض يعالجون في المشفى، وكذلك عيادة الأمراض المتنقلة بالجسم، وتتم بتوثيق الحالات ومعالجتها لما في ذلك من أهمية للحد من انتشار العدوى، وتستقبل عدد المراجعين 1200 مريض، وفي قسم الجراحة الأتمتة مفيدة، وخاصة توثيق الحالات، والتصوير قبل وبعد العمل الجراحي مع ذكر اسم الطبيب.
ولفتت د.محمد إلى المشكلات التي كان يعاني منها المشفى في موضوع تنظيم القبول، حيث كان من الصعب استخراج البيانات الورقية للمريض “المراجع” منذ سنوات عدة، خاصة أن المريض أيضاً لا يحتفظ برقم القبول والمراجعة لكي يتم استخراج بياناته، لذلك حلت الأتمتة مشكلة كبيرة، علماً أن المشفى يقدم خدمات يومية لأكثر من 200 -300 مريض. الدكتورة محمد لم تنس التأكيد على رعاية الجامعة للكوادر العلمية المتميزة، ودعمها للبحث العلمي والمبادرات الوطنية، حيث تمت تهيئة البنية التحتية للمشروع، واستكمال النواقص كافة ليكون المشروع قيد التنفيذ، وذلك بمتابعة من قبل الدكتور محمد ماهر قباقيبي رئيس جامعة دمشق، والأستاذ الدكتور نبوغ العوا عميد كلية الطب.
بداية الفكرة
الدكتور كحيلة، الذي بدأ حديثه من حيث انتهت رئيسة قسم الأمراض الجلدية بالإشادة برعاية الجامعة، واحتضانها للكوادر، ودعمها للمشروع، لخص لنا مشروعه، حيث أكد لنا أن الفكرة بدأت مع إنشاء القسم الخاص بمرضى الليشمانيا، ولوحظ ارتفاع كبير في معدلات الإصابة بشكل مترافق مع هجرة عدد كبير من سكان الأرياف والضواحي التي ضربها الإرهاب إلى مراكز المدن الرئيسية، ما فرض عبئاً كبيراً على المشفى، ومع تزايد أعداد المراجعين كان من غير العملي استخدام البيانات الورقية، وعندها تم إنشاء قاعدة بيانات خاصة رقمية لتصنيف المرضى، ومتابعة تطور الحالات، ومعدلات الشفاء، وقد مكّن تحليلها لاحقاً من معرفة مناطق الانتشار الأهم لهذه المشكلة الصحية، وكان لذلك أثر في اتخاذ القرارات الخاصة بالوقاية، وتوجيه حملات التوعية لتلك المناطق. وأضاف: مع النجاح الذي حققه الانتقال إلى البيانات الرقمية في قسم الليشمانيا، كان من الطبيعي تعميم التجربة على باقي أقسام المشفى، وأهمها قسم الحالات المرضية الخاصة والتي تحتاج لقرار تشخيصي، وعلاجي صعب ومعقد، وقسم الجراحة، وقسم الأمراض المنتقلة بالجنس، والتي أيضاً أبدت ارتفاعاً ملحوظاً مع ظروف الحرب المفروضة على بلدنا، وقد أثبتت مجدداً التقنيات الحديثة في تسجيل البيانات قدرتها على ضبط جودة العمل، وسرعة الأداء، واكتشاف مكامن القوة والضعف، والعمل على تفاديها.
خبرة عالية
وتابع د. كحيلة: مؤخراً مع اكتساب خبرة عالية في بناء قواعد البيانات الطبية، وتدريب كادر طبي واسع قادر على استخدام تلك التقنيات، ظهرت الحاجة لمنظومة متكاملة تغطي كامل أقسام المشفى بشكل موحد، تكون بالمقام الأول بسيطة وسهلة الاستخدام من قبل الأطباء، ومن جهة ثانية عالية الموثوقية لتأمين بيانات المرضى من الضياع أو التسجيل الخاطئ، وأخيراً تقوم بسد جميع الثغرات في سيرورة العمل في المشفى مثل طريقة قبول المرضى القديمة والتي تعتمد على بطاقات غالباً ما يتم رميها بعد خروج المريض من المشفى، ما يعرضه لفقدان القدرة على معرفة بياناته لاحقاً، وغيرها من مشاكل تنظيم دخول المرضى للعيادات، والذي يتم بطريقة عشوائية، الأمر الذي يعرّض أقسام المشفى لضغط غير متوازن، ويعرّض المرضى للتأخر في تلقي المعاينة الطبية، خصوصاً عند الحاجة لمراجعة بيانات قديمة للمرض، الأمر الذي يتطلب البحث ضمن أرشيف واسع من آلاف المرضى، علماً أن المشفى يخدم ما يقرب من 30 ألف مريض سنوياً، وحوالي 200 – 300 مريض يومياً.
وأضاف: تغطي منظومتنا الحديثة، والمبنية على أحدث تقنيات قواعد البيانات الطبية الخاصة بالمشافي، كل تلك الثغرات، فقد تم تخصيص جزء من البرنامج لإجراء توزيع آلي للمرضى بحيث يتم قياس العبء اللحظي على كل قسم، ويتم تحويل المريض إلى القسم الأقل انشغالاً، ما يضمن سرعة عالية في تقديم الرعاية الصحية لأهلنا المراجعين، كما تم ربط كل المخابر، وهي مخابر الدمويات والفطور والليشمانيا والتشريح المرضي مع العيادات العامة والجراحة، ما يمكّن الطبيب من معرفة بيانات المريض كافة، ومراجعة الزيارات المتكررة لكل الأقسام والتحاليل المخبرية، ونتائج الدراسات النسيجية وغيرها لتكون الصورة المرضية متكاملة، ما يسمح باتخاذ أمثل القرارات الطبية، وتم بناء واجهة المستخدم لبرامج لمنظومة المشفى لتكون سهلة ومساعدة للطبيب المتدرب بحيث تمر الرعاية الطبية بخطوات محددة لمنع تجاوز أية خطوة، وللتأكيد على المنهج الأكاديمي الذي يقدمه “مشفانا” في رعاية المرضى وتدريب الأطباء.
قاعدة للدراسات
وعن الفائدة العلمية للبرنامج قال د. كحيلة: استكمالاً للناحية الأكاديمية والبحثية، فإن بياناتنا ستكون القاعدة التي ستجرى عليها أبحاث الدراسات العليا لاحقاً، فمن المتوقع خلال 3 سنوات تسجيل 100 ألف حالة طبية، ويضمن ذلك تنوع كبير في الدراسات، ودفع عجلة البحث العلمي في كلية الطب وجامعة دمشق، وهو هدفنا الأساسي، ونأمل أن يكون جهدنا المتواضع خطوة في مسيرة الإصلاح الإداري التي أطلقها السيد الرئيس بشار الأسد، ونأمل بذلك النهوض بجامعتنا وكليتنا، ومستوى الخدمات الطبية المقدمة لشعبنا الوفي.
مستقبل البلد
الأستاذ الدكتور نبوغ العوا، عميد كلية الطب، عبّر عن تفاؤله بالمستقبل بوجود كوادر حريصة على مستقبل بلدها، وتبذل جهوداً من أجل الارتقاء بالعمل، لافتاً إلى تشجيع الجامعة لمثل هذه الجهود، ودعمها المستمر لمسيرة التعليم للنهوض بالجامعة إلى مستوى اللائق، كما كانت قبل سنوات الحرب. وأكد د.العوا على أن هذا المشروع في مشفى الجلدية سيحوّل الإجراءات الورقية إلى مؤتمتة لمواكبة العصر، ويندرج ضمن الجهود الهادفة إلى أتمتة الجامعة من جهة، والوصول إلى ملف طبي الكتروني، وأتمتة الأقسام والعيادات الطبية والإدارية في المشفى كافة، كخطوة لتحديث النظام الصحي عبر تنظيم المعلومات، وتزويد الجهات المختصة بها بأقصى سرعة للوصول إلى أفضل مستويات الخدمة الصحية من خلال تنفيذ نظام إدارة معلومات متكامل لإدارة الجوانب الإدارية والمالية والسريرية للمشفى.
التحقيقات