ثقافةصحيفة البعث

سوريات صنعن المجد.. إلفة الإدلبي.. حكاية دمشق

أفضل ما يُخلط مع الشعر هو النثر، وإن أفضل نثر في وصف دمشق يضاهي شعر نزار هو نثر الكاتبة إلفة الإدلبي، فإذا جُمع بين شعر نزار ونثر إلفة وصل إلى منتهى الجمال، فإلفة كانت تعطر فمها بذكر دمشق وتغرق في عشقها نثراً، فمن يقرأ مواضيعها يحس أنه يعيش في حارات دمشق.

“إلفة الإدلبي.. حكاية دمشق” عنوان حملته ندوة الأربعاء الثقافي “سوريات صنعن المجد” الشهرية.

ياسمينة دمشقية

ساهمت الراحلة الإدلبي في تطوير القصة السورية وإثرائها، وتحت عنوان “الشام والمرأة في قصص إلفة الإدلبي” تحدثت د.سحر شبيب حيث قالت:  تفردت الكاتبة في قصصها ورواياتها بخاصيتين الأولى حفاظها على قدسية المرأة بكل صورها ومواقفها والأحداث التي مرت بها باختلاف مستوى ثقافتها ووضعها الاجتماعي والاقتصادي، فالمرأة في أعمال كاتبتنا صابرة حكيمة محبة معطاءة شريفة عفيفة رغم أمراضها النفسية وتنوع طبائعها، إلا أنها استطاعت الحفاظ على كرامتها كما في رواية “دمشق يا بسمة الحزن”، وحرصت الكاتبة على احترام القارئ فلم توجه له العظات ولم تستجد عطفه، إنما تركت له حرية التفكير معتمدة على دغدغة مشاعره الإنسانية وإيقاظ عقله من سكرة الجهل والتخلف، وتعمدت وخز وجدانه وضميره وتحريضه للبحث عن أفضل الحلول المناسبة  لمشاكل المجتمع الذي يعيش فيه وهو شريك في إصلاحه وبنائه، وحينها تساءل النقاد لماذا لم تضع الكاتبة الحلول لمشاكل المرأة التي استعرضتها، فهي البطلة والمحور الذي تدور في فلكه أحداث قصصها وشخصيتها.

وأضافت د. شبيب: يقوم المجتمع على ركيزتين أساسيتين هما المرأة والرجل، وبناء الوطن لا يكون إلا بتلاحمهما معاً فالعلاقة بينهما علاقة جدلية تشابكية لا يمكن الفصل بينهما، وبناءً عليه نجد الكاتبة حريصة على أهمية العلاقة الإيجابية بين الرجل والمرأة، وقدسية المرأة في أعمالها تعطي قدسية للأسرة، وتحمّل المرأة -بطلة قصصها- مسؤولية التعقل والحكمة في تجاوز محنها ومصائبها، من منطلق ثقتها بالمرأة واحترامها لكيانها كونها ركيزة مشاركة في بناء المجتمع، وتؤكد على حق المرأة في التعليم لأن المرأة المتعلمة تعني رجلاً متعلماً والعكس صحيح، وتحرّض عاطفة الحب وتنشره ليشمل كل من يحيط بها، بالإضافة إلى أنها لم تدعُ إلى ثورة تهدم أسرة أو تفكك مجتمعاً رغم انتشارها في ذلك الزمن.

أما الخاصية الثانية التي تميزت بها الكاتبة إلفة الإدلبي فهي ربط قضايا المرأة بقضية الوطن وتصعيد مشاكلها، والنظر إليها من خلال انعكاساتها المتصلة بمصير الوطن، فقضايا المرأة ليست اجتماعية وحسب وإنما مرتبطة بقضية كبرى أدركت الكاتبة أهميتها وخطورة تفاعلها مع قضايا وطنية وسياسية في المجتمع، ولها في روايتها الشهيرة “دمشق يا بسمة الحزن” نموذجاً صالحاً لإثبات ذلك.

عالمها الروائي

ترعرعت الأديبة الإدلبي بين مكتبتين عريقتين هما مكتبة أبيها التي عرّفتها بالأدب القديم ومكتبة خالها الأديب “كاظم الداغستاني” التي أطلعتها على الأدب الحديث، وعن عالمها الروائي” قدم الباحث أنس تللو مداخلته التي جاء فيها:

من يقرأ بعض مواضيع الكاتبة الإدلبي يحس أنه يعيش في حارات دمشق القديمة وأنه يمشي بين شجيرات الياسمين والفل، في عام 1947 سمعت عن طريق المصادفة في إذاعة لندن إعلاناً لمسابقة أدبية لأفضل قصة في الوطن العربي، فقال لها زوجها “حمدي الإدلبي” لماذا لا تتقدمي بقصة إلى هذه المسابقة فضحكت إلفة وقالت له لا أظن أن هذه المسابقة يمكن أن أفوز بها، فقال لها يمكن أن تجربي، وبعد إصرار زوجها وافقت على الاشتراك وكتبت قصة عنوانها “القرار الأخير” وكانت النتيجة أنها فازت بجائزة أفضل قصة في الوطن العربي، مما شكل دافعاً لديها إلى استشارة خالها في إرسال قصتها إلى مجلة “الرسالة” فضحك وقال لها “ألم تجدي مجلة أكثر تواضعاً، فالرسالة لا يكتب فيها إلا العمالقة”، لكن عزيمتها دفعتها إلى الاستمرار فأرسلت قصتين وكانت المفاجأة الثانية أن صدر العدد الجديد من المجلة وفيه القصة الأولى ثم صدر العدد التالي وفيه قصتها الثانية بعنوان “الدرس القاسي”، ثم بدأ أدبها بالتدفق والنشر فانهالت على المكتبة العربية بمؤلفاتها التي تجاوز عددها الخمسين بين قصة ورواية، وترجم أدبها إلى خمس عشرة لغة أجنبية، وتم اعتماد قصصها القصيرة لتدرس في جامعات عالمية.

وختم تللو: أبدعت الكاتبة في حفظ الشعر العربي القديم، وقراءة أمهات الكتب مثل الأغاني والأمالي والعقد الفريد، وقراءة الروايات العربية والعالمية المترجمة، وتحويل المرض إلى منحة، وهناك سبب مهم وهو الشخصية المتزنة والالتزام الأخلاقي، والسبب الأهم هو وجود شريك مريح وهو زوجها.

“زينب”

وقد أضاء مدير الجلسة د. إسماعيل مروة  على الجانب القومي في أدب إلفة الإدلبي  من خلال الرواية التي كتبتها عن المقاومة الجزائرية للاستعمار الفرنسي. “زينب وعبد الجبار” يختمان رواية “ماتت قريرة العين” في بيت أحد الضباط الفرنسيين و”أحمد” أخ زينب معتقلاً، وفي كل صباح ترجو زينب من الضابط الفرنسي وزوجته أن يسعيا بإخراجه من السجن، “لقد فعلتها يا زينب.. ألقيت قنديل الزيت وهو مشتعل من الكوة التي تطل على مخزن الذخائر، لن يستطيعوا أن يتغلبوا علينا أبداً.. اطمئني، يا زينب، اطمئني.. وتطبق زينب عينيها وعلى فمها ابتسامة”.

جمان بركات